كيف يدفع التغير المناخي البشر نحو العنف (مترجم)

يسعى كتاب “التغير المناخي والسلوك البشري” الصادر عن مطابع جامعة كيمبريدج عام 2022 إلى رصد كيفية تأثير ارتفاع درجات الحرارة وغيرها من الظواهر المناخية المتكررة والشديدة بشكل مباشر وغير مباشر على تبدل طريقة تفكير الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض.

واستنادا إلى عقود من الأبحاث السابقة، يوضح المؤلفان كيف أن هذه التأثيرات قد تؤدي على المستوى الفردي والجماعي إلى تصعيد لحالات الاضطراب السياسي، والحروب الأهلية، وغيرها من أشكال العنف. ويؤكد المؤلفان أن مجابهة هذه التحديات بشكل استباقي قد يساعد لاحقاً في صد بعض تكاليفها طويلة الأجل في المستقبل.

فيقول كريج أندرسون، وهو أستاذ علم النفس بجامعة أيوا، والذي قام بتأليف الكتاب مع أندرياس مايلز نوفيلو، طالب دراسات عليا في علم النفس: “كان أحد أهدافنا من تأليف هذا الكتاب هو وضع الخطوط العريضة لبعض التكاليف البشرية التي أمسينا على أعتابها، وكيف أن المفاهيم النفسية الأساسية قد تستخدم للتقليص من كم الاحتباس الحراري ومشكلات العنف البشري الناجمة عن أزمة المناخ.”

ويوضح المؤلفان أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي بالمخ إلى إعادة توجيه الكثير من موارده إلى أجزاء أخرى من الجسد في محاولة لتبريده، وعندما يحدث هذا، فإن بعض مناطق المخ لا تعمل بكامل طاقتها، بما يجعل عملية معالجة المعلومات الجديدة، وإدارة الانفعالات، والسيطرة على الدوافع أكثر صعوبة للمرء. كما أن الأفراد ممن يشعرون بالحرارة، يميلون أيضا إلى رؤية شيء من العدوانية في سلوك الآخرين، مما يضاعف احتمالات وقوع المواجهات العدائية.

ويشرح أندرسون قائلا: “إن “الإجهاد الحراري” يؤدي بالأفراد إلى سلوكيات أكثر عدوانية، ونرى هذا جليا على نطاق أكثر اتساعا عبر الأقاليم الجغرافية المختلفة وعبر الزمن.”

إعلان

وقد وجد المؤلفان بشكل ثابت أن المناطق الأكثر حرارة في الولايات المتحدة وفي أرجاء العالم تشهد معدلات أعلى من جرائم العنف، حتى في حالة ضبط عوامل تهديد أخرى مثل الفقر والتوزيع العمري. كما بينت الدراسات السابقة، والتي كان أندرسون باحث رئيسي بها، أن هناك علاقة وطيدة بين امتداد الفترات الزمنية الأكثر حرارة والعنف، فمعدلات جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات في الولايات المتحدة تزيد خلال الأيام والشهور والفصول والسنوات التي تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة.

ويرتكز الكتاب على مجموعة راسخة من الأبحاث التنموية والتي تبين أن سوء التغذية ما قبل الولادة وما بعدها، حيث يعد من المتننبئات على الإدانة بارتكاب جرائم عنف في مرحلة البلوغ، كما أن التوتر والاجهاد خلال مرحلة الطفولة (كأن يعيش الفرد في فقر أو في حي تشوبه أعمال العنف، أو الانفصال الأسري، أو عدم الاستقرار الاقتصادي والسكني، أو التهجير على سبيل المثال) قد ينجم عنها نتائج إدراكية وانفعالية عكسية، بما يزيد من عوامل مخاطر زيادة السلوكيات التي تميل للعنف.

ويقول أندرسون: “ما أدهشني حقا عندما بدأت منذ حوالي عقد من الزمان في الانغماس في هذا الأمر هو كم عوامل المخاطر التي تشكل العنف في مرحلة النضج، والتي ستصبح أكثر انتشارا نتيجة للتغيرات المناخية السريعة.”

فمع تسبب أزمة المناخ في تزايد وتكرار الأشكال الشديدة من الجفاف وحرائق الغابات والفيضانات والأعاصير، فإن الناس في أرجاء العالم، كما يوضح المؤلفان، سوف يتعرضون لمخاطر متزايدة من الجوع وسوء التغذية وعدم الاستقرار الاقتصادي والفقر. وهذا بدوره قد يؤدي إلى موجات من الهجرة الجماعية إلى مناطق تتمتع بموارد أكبر (مثل المراعي الأفضل، أو المدن التي تزيد فيها فرص العمل)، مما قد ينجم عنه تنافس حقيقي (أو متخيل) لامتلاك هذه الموارد.

ويعلق مايلز نوفيلو قائلا: “قد يبدو هذا تبسيطا للأمر، إلا أن الحرب الأهلية في سوريا نشبت في ظل مرحلة جفاف شديدة، فانتقل جزء كبير من سكان الريف إلى المدن بحثاً عن العمل والغذاء والمياه، إلا أن الحكومة التي كانت بالفعل تعاني من عدم الاستقرار، لم تكن مستعدة لهذا التدفق البشري، مما أدى إلى زيادة التنافس على الموارد من وظائف وسكن، مما حفز الاضطرابات السياسية، وأدى في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب الأهلية”.

ويضيف مايلز نوفيلو أن العنف الذي شهدته سوريا أدى بعد ذلك إلى موجات هجرة هائلة إلى أوروبا، مما أشعل حركات مناهضة الهجرة في بعض البلدان مثل ألمانيا والمملكة المتحدة.

ويؤكد المؤلفان أنه مهما بدى المستقبل مظلما، فهناك دائما حلول للتخفيف من حدة أثر التغير المناخي، ويوضحان أن من أولى الخطوات التي ينبغي اتخاذها هو العمل على تغيير سردية التغير المناخي. أي أنه ينبغي على العلماء والسياسيين والإعلام العمل على مساعدة العامة على فهم العلاقة السببية بين تسارع الاحتباس الحراري، والتهديدات التي يعيشها الناس في حياتهم اليومية (من فقر وجريمة)، بدلا من التركيز على جدلية ما إذا كان التغير المناخي أمرا واقعا.

والخطوة الأخرى التي يجب اتخاذها هو رفع بعض العبء عن الأفراد وتحويله إلى الحكومات والشركات الكبرى، فقد ضمن المؤلفان اشارة إلى تقرير صادر عام 2017 عن قاعدة بيانات الشركات الكبرى المنتجة لغاز الكربون Carbon Majors Database، والذي أوضح تفصيلا لكيفية إسهام مئة من الشركات الكبرى بنسبة 71% في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميا. ويرى أندرسون ومايلز نوفيلو أن معالجة هذه الانبعاثات على هذه المستويات الأوسع، تعد سبيلا أكثر فعالية في تقليل التغير المناخي، مقارنة بمجرد الاعتماد على قيام الأفراد بحل المشكلة بأنفسهم.

ويرى المؤلفان أن أمثلة أخرى على الاستجابات الاستباقية قد تساعد على تخفيف حدة أثر التغير المناخي على الأفراد والمجتمعات، بما في ذلك برامج تعزيز التغذية ماقبل وما بعد الولادة، بما قد يساعد على تعويض بعض عوامل المخاطر بالنسبة للبالغين المعرضين للعنف.

ويضيف أندرسون أن عدد أكبر من الدول بحاجة إلى البدء في التخطيط من أجل مئات الملايين –وإن لم يكن مئات البلايين– من الأشخاص، ممن سيهاجرون بسبب الكوارث البيئية أو الاضطرابات السياسية، ويخصون البلدان التي لديها موارد كبيرة.

فيقول: “هناك قضايا يجب أن نأخذها مأخذ الجد في الولايات المتحدة وفي العالم أجمع، حيث أن التغير المناخي يدفع بالمزيد من الهجرة الإيكولوجية، فالمشاكل التي نواجهها اليوم تعد بسيطة نسبيا مقارنة بما سوف يحدث خلال السنوات الخمسين القادمة”. ويرى أندرسون أن الحكومات والمنظمات الدولية بحاجة إلى البدء في الإعداد للهجرات الإيكولوجية هذه بشكل إيجابي، بحيث يتم دمج المهاجرين في المجتمعات التي يمكن لهم الحياة فيها بشكل مستدام، مما يضمن الاستفادة من مواهبهم ومهاراتهم وطموحاتهم، لصالح المجتمع ولصالح أسرهم.

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

ترجمة: ليلى أحمد حلمي

اترك تعليقا