من المُلام على انحراف هرموناتك؟
تصادُمُنا مع المحيط الذي نعيش فيه يسبّب نتائج عديدة تختلف حسب نظرتنا للأمور، فقد يحدث شيء ما معك الآن يجعل مزاجك جيدًا ورائعًا، فتبتسم وتغني بصوت عالٍ، تقفز.. أو يكون العكس، فتنقلب الملامح ويبدأ الظلام بالسيطرة على قرّة عينيك لترى أغلب مايحيط سلبيًا.
هذه حالات عادية بالنسبة للإنسان، يعمل فيها جسمك بشكل مخلتف قليلًا عن الوقت العادي، ويكون هذا الاختلاف بإفراز تركيز أعلى للهرمونات. السؤال المهم هنا: كيف تؤثّر هذه التراكيز العالية بشكل سلبيّ؟ علمًا بأنّ كلمتَي “قلق” أو “إجهاد” لهما معنى سلبيّ في اللغة، أهذا يعني سلبياتهما في بيولوجيا الجسم؟
لنبدأ بالهرمون المشهور والمعروف: الأدرينالين ؛ يُعَدّ من هرمونات القلق، وكي نبقى في المجال العلمي باستخدام هذه الكلمة، وجب القول أنها تعني بأنّ الجسم يريد التأقلم مع حالة فجائية أو مغايرة وقعت في المحيط، وقد تكون مثلًا هجومًا معيّنًا من طرف حيوان، أو ظهور سيارة بسرعة أمامك، فيستجيب جسمك مباشرة بطريقته الخاصة، إذ يتبع طُرُقًا معينة لرفع قدرتك، وذلك بإنتاج هذا الهرمون المعروف الذي يرفع معدّل ضربات قلبك، وتردّد تنفّسك (شهيق وزفير) وعمقه، ورفع ضغطك الدمويّ. ولكن، لمَ يقوم هرمونك بذلك؟ يقوم بكلّ ذلك لأنه نبّه دماغك بتوجيه الدّم والطاقة من الأعضاء الداخلية إلى العضلات، لأن في حالة مواجهتك للحيوان أو تعرّضك لخطر سيارة متهوّرٌ سائقها، سيتطلّب جسمك أن تعمل العضلات بأقصى قوّتها، لرفع توتّر تنفسّك من أجل الحصول على أكبر كمية من الأوكسجين، الذي سيؤكسِد المواد الطاقية التي يصبح تواجدها متوفرًا بشكل كبير في العضلات بفضل مساعدة القلب والضغط الشرياني اللذين يجعلان الدم يجلب كميات عالية منها (المواد الطاقية)، وتتوسّع حدقة عينك كي تستوعب المكان بشكل أكبر وتحدّد التصرّف الأمثل بعدما أصبحت آلاتك الحركية جاهزة.
إنّ الأمر طبيعي، وهو ردة فعل لإنقاذك من موقف صعب، لكن أين تتواجد سلبية هذا الهرمون؟ يكمن الجزء المهمّ لهذه السلبية في تصورك للأحداث، فلو قرأت المقال الواضح والجميل للزميلة نور العليمي، ستدرك كيف أنّ تخيلك للحدث يجعل جسمك يتفاعل مع الفكرة الخيالية أو السَّرَحان الفكري كأنه يقوم به. وقد أوردتْ أمثلة عدة من بينها التصوّر الذهني عند الرياضيين وكيف أن ذلك يؤثر في أدائهم وعمل عضلاتهم..
في العالم الآن، أنا متأكد أنّ هناك شخصًا ما يوبّخه مديره، أو طالب علم يؤدّى امتحانًا، لنقف عند هذين المثالين، ونتوسّع فيهما أكثر. هذين الشخصين سيكون قلقهما حقيقيًا، أليس كذلك؟ يعني أنّ هرموناتهم تتصرف مواجِهةً الأمر، لكن تخيل أنك الشخص الأول ولم يتم توبيخك بعد، وأنت تتوقع التوبيخ، فتظلّ لأيام عديدة تتخيل سيناريوهات مديرك ينتقدك بسلبية كبيرة، وتصنع نسيجًا من الأفكار حول ما سيحدث، فيعتقد جسمك أنّ ذلك حقيقي ليتفاعل مع أفكارك كأنها تحدث الآن، منتجًا بذلك الهرمونات. ورغم أنّ الحدث الحقيقي غالبًا سيستمرّ لدقائق أو ساعة إلا أنك أردت أن تعيشه لأيامٍ طِوال قبل الأوان. نفْس الأمر لو كنت طالبًا أنجز امتحانه، لكنّك تتوقع أنّ أستاذك لن يفهم مقالك كما تقصده أنت، فتبدأ تتخيل العلامات السيئة، وكالعادة يبدأ جسمك بالاستجابة لأفكارك بطريقته الخاصة (لك الحق في تخيل العكس بالنسبة للأفكار الإيجابية، وقد نطرح الموضوع الإيجابي في مقال آخر).
لكن، بما أنّ إنتاج الأدرينالين يحدث سريعًا ودون اشتراط وجود سبب حقيقيّ مباشر، فإنّ ذلك يؤدي إلى أضرار عديدة؛ كإضعاف جهاز المناعة، وإحداث مشاكل في القلب، وأضرار بجينوم الخليّة (عندما يتضرر هذا الأخير، فإن عملية الشيخوخة تزداد شدّتها)، وتسهيل نموّ الأورام… إلى غير ذلك من جوانب سلبية.
من جهة أخرى، وجب علينا إدراك أنّ القلق (الإجهاد) يعبّر عنه الجسم بإنتاج العديد من الهرمونات غير الأدرينالين ؛ مثل الكورتيزول، فقد تم تفريع القلق لمرحلتين: المرحلة الأولى هي إفراز الأدرينالين الذي يصل إلى الدّم في ثوانٍ أو دقائق، والمرحلة الثانية التي يتمّ فيها إفراز الكورتيزول كمعزّز للأدرينالين؛ حيث يساعد الأول في المحافظة على مستوى طاقة عالٍ، وذلك برفع مستوى السكّر في الدم. ففي مثالنا أعلاه حول مهاجمة حيوان أو خطر السيارة، يعني إفراز الكورتيزول رفعَ مستوى السكر في الدّم الذي يصبح سريعًا للوصول إلى العضلات.
وله أيضًا سلبيّاته العديدة، فعندما يدوم جلوسك في مكان مظلم منعزل بعيد عن المناظر الخضراء والأصدقاء، وشاردًا في القلق من مستقبلك وعملك وطعامك وعائلتك، هذه الأمور التي تعدّ سببًا يجعل هرمونك ينقلب لسلاح تدمير ذاتي تحت متاهة غائبةِ الصواب، وخروجك منها يتطلب تصفية ذهنك وتغيير نمط حياتك والابتعاد عن كلّ مسببات القلق الدائم الذي يجعل الكورتيزول يتوافر بنسبة كبيرة، فيقف عائقًا أمام الخلايا البيضاء المناعية، يُضخّم النسيج الدّهنيّ ببطنك فيجعله صعب التنحيف، كما أنّ تواجده الدائم يعني الرفع المستمر لمستوى السكري لكن على حساب العضلات والعظام والنسيج الضامّ وذلك بتدميرها.
أليست هذه الأحداث صعبة التخيّل؟ خصوصًا لو كنت تقرأ المقال بتركيز عالٍ، ستشعر بمدى الخطورة التي تسببها آلية القلق، التي تعدّ نتيجة لتصرّفك أنت، نتيجة لطريقة عيشك أنت.
أن تخرج وتمشي لدقائق، تضحك وتبتسم (أنظر للصورة أعلاه على اليمين لهذا الجميل الصغير، على الأقل ابتسم قليلًا وأنت تقرأ المقال)، تساعد الناس، وتجري قليلًا، تجلس في حديقة ما وتقرأ كتابًا، تتحدّث مع صديقك الإيجابي.. أمور سهلة جدًا، أجمل من تضييع الوقت في مشاهدة أخبار مشاهير، أو أمور تافهة أضاعت منّا مئات الساعات.
هل لاحظت أنّ أفكارك تمت ترجمتها لتفاعلات جسمية؟ هل فهمت كيف أنّ تصرّفاتك وطريقة عيشك تصبح تعاليم تفهمها صحّتك وتتبعها ككتيّب تعليمات؟
لننهي مقالنا بقول أنّ الأدرينالين والكورتيزول ليسا مجرمين، والحياة دونهما مستحيلة، لكنّ المجرم هو المنهج الفكري الذي يسيّر حياتنا والذي علينا صيانته باستمرار. وقد نشرح في مقال آخر كيف يمكنك أن تُفرح جسدك بأفكارك التي تدفعه لكتابة شعر بيولوجي قافياته تعدّ هرمونات سعادة وتفاؤل.