أدونيس الشاعر الرافض وحوار الأدونيادا

1-هل اتخذت اسم أدونيس بعد أن قرأت عن أسطورته؟

**حين كنت طالبا بثانوية دمشق أرسلت الكثير من القصائد الصغيرة كنت قد كتبتها إلى جرائد محلية، وكنت أستخدم اسمي ولقبي: علي أحمد أسبر، لكنها لم تعرف طريقا للنشر. اكتشفت يوما ما بالصدفة وأنا أطالع مجلة قصة “أدونيس”، ثم كتبت قصيدة سنة 1948 عنوانها: “المهجرون” عن الفلسطينيين أرسلتها إلى مجلة ووقعتها باسم أدونيس، قرأت بعدها بأيام إعلانا في المجلة ذاتها يقول: “ليتقدم السيد أدونيس إلى المجلة مشكورا” كنت مراهقا وقتها، أرتدي لباس طفل فقير. حين وصلت، صدم الرجل الذي استقبلني قائلا: “أأنت أدونيس؟” ثم ذهبت لرؤية مدير النشر والذي استقبلني بحفاوة. هكذا بدأت قصة أدونيس، ولم أتمكن من التخلص منها بعدها. جذبني ذلك الاسم نحو الحضارات القديمة.

2-تستعين بالكثير من الآلهة والأماكن في مجموعة “الأدونيادا”، خصوصا بيروت؟

** نعم، من خلال هذه الأماكن أعود على تاريخ حياتي، علاقاتي الأشخاص الذين أحبهم. هذا السفر في المكان هو سفر في حياتي، في التاريخ القديم والحديث. بيروت مدينتي طبعا. أعتبر أني ولدت ثلاث مرات: المرة الأولى في قرية قصابين الفقيرة في سوريا، الثانية في بيروت والتي أعتبرها منطلقا فعليا في البحث عن هويتي عن معنى أن أكون سوريا، عربيا، هكذا تفتحت على العالم. أما قبل ذلك في سوريا، فكنت طالبا في المدرسة ثم الجامعة وبعدها سجينا، هناك، خصوصا ومنذ خرجت من السجن سنة 1956 ،توجهت إلى بيروت. كنت أملك أصدقاء الشاعر الكبير “يوسف الخال”، والذي أعجب بإحدى  قصائدي عنوانها “الفراغ”، كنت قد كتبتها سنتين قبل ذلك. أرسل لي خطابا من نيويورك حيث كان في بعثة لألمم المتحدة ليخبرني أنه قرر أن يؤسس مجلة “شعر” ويريدني أن أعمل معه، قابلته فور عودته لبيروت، وشكلت المجلة لحظة ثورية في تاريخ الشعر العربي وتجربة محورية بالنسبة لي.

3-لهذا السبب لطالما اعتبروا أدونيس شاعرًا لبنانيا؟

** نعم. أنا لم أمتلك جواز سفر سوري، ولا زلت لا أملكه، أصولي من بلدة قرب مدينة “بيبلوس”. في أحد الأيام ذهبت لرؤية رجل سياسي لقبه “اسبر” نفس لقبي العائلي وساعدني على الحصول على الجنسية اللبنانية وجواز السفر، ثم قضيت بعدها عشرين عاما من 56 إلى 76 دون أن أتمكن من العودة إلى سوريا.

4- ماهو شعور أدونيس تجاه لبنان الذي يعاني اليوم؟

** لست مندهشا أبدا، البدايات المشكوك فيها تصل حتما إلى نتائج وخيمة. منذ اتفاقيات سايكس بيكو حين تم تفتيت الإمبراطورية العثمانية قرر أسياد العالم أن يطردوا الأتراك ويعوضوهم بالقومية العربية. لكن الشعب العربي لم يعارض تقسيم سايكس-بيكو: لبنان، سوريا، العراق،… لا أحد تحرك ضد هذا التقسيم. منحونا أراضي وقالوا لنا: إنها بلدانكم. يتكرر الأمر ذاته اليوم، تناقضات الأمس تعود إلى الواجهة. علينا أن ننتبه لشيء: عشر عائلات فقط في لبنان هي من تمتلك كل شيء. الشيعة منقسمون، كذلك السنة والموارنة. ليست إلا نتائج ما حدث في الماضي. يسير لبنان نحو إعادة تشكيل جديدة ولذلك وجب تدميره أولا، من صنعوه يريدون إعادة تقسيمه إلى أقاليم طائفية جديدة، حتى الطبقة السياسية اللبنانية تحميها نفس القوى الخارجية السابقة.

5-هل سيبقى العالم العربي ضحية هذا الفخ؟

** لنأخذ أول انقلاب عربي وقد حدث في العراق سنة 1958 .بعد ستين عاما هل تقدمت حياة العرب أم تدهورت . أين كان العراق وأين أصبح الآن؟ حدث الأمر ذاته في سوريا، ليبيا، اليمن، مصر،… كلهم يعيشون حالة تدهور مستمر. لماذا تطورت كل البلدان معرفيا، حتى جنوب إفريقيا، أما العرب فلا؟ في الوقت الذي يملكون ثروات، كفاءات متناثرة عبر العالم، إضافة لتاريخ كبير، لا ينقصهم شيء. على الرغم من كل ذلك فهم يتقهقرون، لأننا نعيش في الماضي، الآن بعد 14 قرنا لا زالت مرجعيات الشارع هي ذاتها: الخلفاء الأوائل. لا نمتلك وجوها مؤثرة معاصرة. إنه الوقت الأمثل لنتجاوز هذا الإرث القديم، يجب أن ننفتح على الحياة المعاصرة. لا يمكننا صنع “دبي” بمظهر عصري يحاكي “نيويورك” في حين أن الحكام هم من هم اليوم.

إعلان

6-إلى ما ترجئ حالة التقهقر والانسداد العربي الذي تتحدث عنه؟

** موقفي أن العرب لن يتطوروا إذا ظل الدين مرجعا سياسيا. حين وصل الإسلام إلى سوريا والتي كانت قد عرفت الحضارات السومرية والبابلية، رأينا العرب يتخلصون من الرموز الحضارية ويفرضون الإسلام على الناس. دمشق كانت مهد الحضارة العربية ومعاوية (أول خليفة أموي)، كان مؤسس أول دولة شبه لائكية. الأمويين كانوا يتصرفون كالائكيين. الدولة الأموية كانت لائكية بالمعنى الحديث للكلمة، على درجة كبيرة من العلمانية، لو استمر لكانت سوريا عالما آخر اليوم. لكن الفترة العباسية التي تلت قضت على كل شيء.

7-هل تعتقد أن النضال ضد الدين ولأجل اللائكية أمر ضروري؟

** موقفي يتلخص بالأساس في ضرورة احترام جميع الأديان، خصوصا الاسلام باعتباره دين الأجداد. لكن العلاقة بين الاسلام والإنسان يجب أن يحكمها القانون واحترام الحريات، في حين أن الإسلام يعطي حقوقا أكبر للمسلمين مقابل غير المسلمين. سوريا مثلا بلد فيه الكثير
من غير المسلمين. لكن غير المسلم يعتبر دائما مواطنا من الدرجة الثانية، لايتمتع بنفس حقوق المسلمين. بهذا المنطق فالاستبداد راسخ في هيكلة المجتمع بحد ذاته. يجب أن تقوم سوريا على التعدد. لماذا يقر الدستور أن الإسلام هو دين الدولة؟ الدين يجب أن يبقى بين الرب والمؤمن. علينا ترك الدين للممارسة الشخصية دون أن نفرضه على الآخرين.

8-هل مرت جميع الأديان قبل الاسلام عبر التطور التاريخي ذاته؟

**لو نلاحظ الإسلام منذ الدولة العثمانية إلى اليوم نبصر أن البعد الروحاني، الثقافي والفني في تراجع، لم يلعب الدين دورا في التطور الروحي لأكثر من 5.1 مليار مؤمن، لا يمكن اليوم الحديث عن مفكر مسلم واحد، لا يوجد. أتمنى أن يكون هناك فكر اسلامي يعنى بالروحانيات، لكن المسلمين يرفضون ابن خلدون، ابن رشد، ابن سينا، الصوفيين، الخ بل لا يتم حتى تدريسهم في مدارسنا وجامعاتنا، كل كبار المبدعين في التاريخ الإسلامي لم يكونوا يدينون بالإسلام، ولا بدرجة تدين “بول كلوديل” الكاثوليكي. يستحيل إيجاد شاعر واحد مؤمن مسلم، يجب إعادة التفكير في تاريخنا كله.

9-على الرغم من كل ذلك فقد بدوت جد ناقم على ثورات الربيع العربي 2011؟ ألم تثر مبادئ الحرية، الكرامة، التعدد المطالب بها من طرف الشعوب اهتمامك؟

** إنها مجرد شعارات، لا يمكنني أن أدعم ثورة من دون برنامج كما تحتمي بالدين. كيف يمكن قبول وضع امرأة داخل قفص ليتم بيعها؟ لا أحد من أطياف الثورة السورية أدان هذا الأمر الوحشي. لقد قامت باسم الإسلام والثورة. تركت سورية سنة سنة 1956 ،لم أشارك في أي نشاط في هذا البلد، لكني أحافظ على علاقة وتاريخ معه. تم إلقاء اللوم علي منذ بداية الحرب  لأنني لم أقف ضد النظام الاستبدادي،  من الواجب أن تتحسن الأمور ، لكن ذلك يستوجب خطابا وتخطيطا. على أي مبادئ تقوم ثورتكم؟ هل هي انتفاضة ضد الاستبداد؟ ولكن الاستبداد يهيكل المجتمع العربي الإسلامي. يجب اقتراح بدائل جذرية للنظام الحالي. أن يحدث فصل بين الدولة والدين، أما إذا كانت مجرد انقلاب على السلطة كما كان الأمر مع كل الانقلابات منذ 1958 ،فلن ينفع ذلك في شيء، لن ينفع ذلك بشيء إذا لم تتغير منظومة المجتمع.

10- أنت تخلط بين التنظيمات الارهابية المسلحة والمعارضة؟

** لا، لكن لا أحد أدان، ولا أحد اتخذ موقف  ضد داعش. كيف لثورة أن تتعاطى مع رمز للوحشية في العالم، من هي أمريكا؟ نظام قام على أنقاض إبادة الهنود. إبادة تكررت في فيتنام ثم في فلسطين. كيف يمكن التعاطي مع هؤلاء لتحرير شعب؟ لا يمكنني أن أتصور ثورة تدعي حقوق الإنسان وتتعاطى في الوقت ذاته مع دولة كالولايات المتحدة الأمريكية أو تركيا. أنا ضد النظام وضد الثورة بالمختصر.

11-هل تعتبر أمريكا مسؤولة على الهزيمة العربية؟

** كل الأنظمة العربية شجعتها أمريكا وكل الأنظمة الأجنبية بالمناسبة، كان التوجه دائما نحو استقبال الجحافل الاسلاموية. ان السياسات العربية والأمريكية تدعم الإسلامويين لسهولة توجيههم مقارنة بالمثقفين الذين يمكنهم أن يبدوا مواجهة وتعنتا، اضافة أنه يسهل تجييش المجتمعات بالدين.

12- تترك للمستمع اليك انطباعا بأن الغرب يدعم الاسلاماويين؟

** نعم مئة بالمئة. لقد شجع جميعهم الحركات الاسلاماوية انطلاقا من البريطانيين الذين خلقوا الإخوان المسلمين. دعم الغربيون جميع التنظيمات الطائفية. حتى فرنسا اليوم تبدو أقرب للاسلامويين من الليبراليين. أمريكا تدعم  اليوم الحشود الاسلاموية. تركيا مثال عن ذلك، أهميتها الإستراتيجية تتلخص في مواجهة روسيا والصين. لكن ماهي أهميتها معرفيا وعلميا؟ السياسة الغربية تستمر في التشبث بالقوى الاسلاموية  وذلك بسبب المنافسة الموجودة بين الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين اليوم. من مصلحة الغرب أن يسيطر على الشرق
الأوسط وإلا لما كل هذه التعبئة ضد إيران؟ الهدف اليوم هو تدمير إيران سياسيا.

وماذا عن الشاعر في كل هذه المواقف السياسية؟

الشاعر يمكن له أن يشارك بمفرده، ويتظاهر حتى. لكني اعتبر أن الشعر أبدا لا يمكن أن يكون أداة لأي شيء. الشعر يتحدث بكل حرية دون أن يقدم إجابات. يخلق علاقات جديدة بين الكلمات والأفكار لكن لا يمتلك رسالة يقدمها. كل شعر الطروحات فشل: الشيوعي، الفلسطيني… الشعر لا يغير العالم، إنه يقدم فكرة مغايرة عن العالم، إن شاء الناس أم أبوا. ليس له علاقة بالسياسة العربية، ثم هل يمكن الحديث عن سياسة عربية في حين أن البلدان تحكم لا كما تشاء بل كما  قرر لها، كل الأنظمة العربية مسيرة من الخارج.

13- هل يكتب أدونيس شعره للقراء؟ ومن هم؟

** أبدا، لا أكتب لأحد، أكتب لأعبر عن مشاعري وهواجسي. شعري هو مكان للالتقاء. لا يحمل الشعر رسالة أيديولوجية. حين تحضر الايديولوجيا ينتهي الفن، تماما كالدين كلاهما يقتل الابداع، يمتلك الاثنان إجابات عن كل شيء. أما الشعر فهو تساؤل، لذلك لم تقدم مواضيع
التحرر الوطني أو فلسطين في الشعر العربي شيئا، يمكن لموقف سياسي واحد أن يقلب كل شيء. ماركس قال: “لفهم الفن يجب امتلاك ثقافة فنية”، أما العرب فلا يمتلكون ثقافة شعرية، حتى أنهم الاجهل بشعرهم. اسألوا العرب كم من الدواوين قرأوا؟ لم يقرأوا شيئا، لا يعلمون شيئا، لا شيء غير الاشاعات. أدونيس معروف كاسم عند العرب، لكنه أكثر مقروئية خارجا. نشرت العشرات من كتبي في الصين، تجاوز بيع البعض منها 70 مليون نسخة، قيل لي أن  لاشاعر أجنبي حظي  الانتشار هناك.

14-لماذا تكره العرب لهذه الدرجة؟

** لا أكرههم، إذا وجد شخص واحد قدم شيئا للشعر العربي فهو أنا. ولكني أكره الجهل العربي. الكتب لا توزع في العالم العربي. الحشيش ينتقل أفضل من الكتب. حتى اللغة وهي اللبنة الأساسية لكل العرب، وأجمل لغة في العالم لا يجيدونها، العرب هم الأجهل بلغتهم. في الخليج يتحدثون الانجليزية، حتى وإن كانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية. نحن في وضعية  كارثية.

رابط المصدر

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
اترك تعليقا