«متى اُخترِع الكلام؟» يُفسر أحد علماء اللغة كيفية تطور هذه السمة الفريدة في البشر (مترجم)
متى اُخترِع الكلام؟ يتساءل ألبرت ر. ذي الأثنا عشر عامًا من فلوريدا.
حقيقة الأمر، لا يعرف أحد على وجه اليقين متى «اُخترعت» اللغة؛ إنه لغزٌ كبير. ولكن بصفتي عالم لغة لمدة تقرب من الخمسة عشر عامًا، استطيع أن أُخبرك أفضل استنتاجاتنا عن الوقت الذي بدأ فيه الناس التحدث مع بعضهم البعض مستخدمين اللغة، وعن كيفيةبِدء الأمر.
لُغة الإنسان ومدة وُجودها
التحدث نشاطٌ فريدٌ خاصٌ بالإنسان العاقل «Homo sapiens»، جنسنا البشري، فكل حضارة يستطيع المنتمون إليها السمع، فَـ هُم بالضرورة يتحادثون بلغةٍ منطوقةٍ. وفي الجماعات المُصاب معظم أفرادها بالصَم – كالقرى التى يُولد معظم أهلها صُمّ لأسبابٍ وراثية – أو في مجتمعات الصُمّ في جميع أنحاء العالم، يتحدث الناس مُستخدمين أيديهم؛ أي بلغة الإشارة. ومثلما يوجد الكثير من اللغات المنطوقة المختلفة، يوجد أيضًا لغات إشارة مختلفة.
تُزقزق العصافير، وتَنبح الكلاب، وتَموءُ القطط، ولكن طُرق التواصل هذه تُعتبر بسيطة مقارنةً بلغة الإنسان. فعلى سبيل المثال، يمكن للحيوان أن يُصدر 10 أصوات مختلفة، ولكن الإنسان البالغ يَعرف ما يزيد عن الـ 20000 ألف كلمة. بالإضافة إلى أن الإنسان هو الحيوان الوحيد القادر على التعبير عن الأفكار في جُمل كاملة، لأن اللُغة سمةٌ فريدةٌ بالبشر ومُختلفة تمامًا عن أي شيئًا أخر في مملكة الحيوان. لا يَعتقدُ العلماء أن اللغة اُخترعت، بل تطورت مع تطور البشر من القردة الأخرى.
لمعرفة متى بدأ البشر بالكلام، عليك أن تعود إلى بداية تطور الإنسان. يَعتقدُ العلماء أن البشر كما نعرفهم اليوم تطوروا منذ 300000 سنة تقريبًا. وقد يكون لدى بعض أسلافنا التطوريين؛ مثل الإنسان المنتصب «Homo erectus» وأبناء عمومتنا مثل الإنسان البدائي «Neanderthals»، لغة أيضًا، ولكن لا يستطيع أن يقطع العلماء بذلك.
المُثير للدهشة أنه طوال هذا الوقت تقريبًا لم يستخدم الناس اللغة إلا للكلام، فلم تظهر القراءة والكتابة إلا من حوالي 5000 سنة فقط. وهو ما يُعتبر حديثًا بالنسبة لمدة وجود الإنسان الحديث. فطوال الوقت الذى عاش فيه البشر على كوكب الأرض، لم يقرأ أحدٌ كتابًا أو إشارة كما لم يَكتُب أحدٌ اسمه.
بدأ الناس تدوين الأشياء ليستطيعوا متابعة الحسابات؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان الفلاح «چو» مدينًا للفلاح «چيل» بثلاثة أغنام، فسيقومان برسم صورة خروف مع ثلاثة علامات تحتها. ومع الوقت، تحولت هذه الصور البسيطة إلى الحروف الهيروغليفية، ومن ثم إلى الحروف بشكلها الحالي الذي يُستخدم لكتابة كل شيء، من قوائم البقالة إلى القصائد والقصص.
كيف بدأ الكلام
قد يتبادر إلى ذهنك سؤالٌ آخر، ألا وهو: كيف بدأ الكلام؟ وكيف كان يتواصل الناس مع بعضهم البعض قبل استخدام اللغة؟ هل قاموا فقط بإصدار الأصوات تجاه بعضهم البعض كما يفعل الحيوانات؟ حقيقة الأمر أننا لا نعرف هذا أيضًا، ولكن نَتُج عن محاولة تفسير هذا الأمر نظريتان رئيسيتان.
النظرية الأولى تُرجح أن اللغة بدأت بإصدار الناس لأصواتٍ مختلفة، على الأرجح تقليدًا للأشياء من حولهم؛ كأصوات الحيوانات والطبيعة والأدوات، فانتهى بهم الأمر بالتواصل مع بعضهم البعض مُستخدمين هذه الأصوات. فقد يُصدرون صوتًا مشابهًا لحفيف الرياح للتحدث عن الطقس، أو يُقلدون صوت طائرٍ لُيخبروا أحدهم بوجود طائرٍ بالقرب. وعلى مدى مئات الآلاف من السنين، تحولت هذه الأصوات إلى كلماتٍ منطوقة، وبدأ يتعلمها الناس كجزء من لغتهم. ومع الوقت، بدأوا في ترتيب الكلمات معًا لتكوين جُمل.
أما النظرية الثانية، وهي نظرية حديثة، فتُرَجح أن البشر بدأوا التواصل مع بعضهم البعض بالإيماءات؛ أي بأن يُشيروا بأيديهم على الأشياء ويُمثلوا الأفعال بتحريك أجسادهم وتغيير تعبيرات وجوههم، إلى أن تحولت هذه الإيماءات إلى لغة كاملة؛ لغة الإشارة. وإلى يومنا هذا، مازالت هذه العملية مستمرة فى القرى التي يُعاني معظم قاطنيها من الصَم. فإذا اجتمع مجموعة من الصُمّ بدون أي معرفةٍ سابقةٍ بلغة الإشارة، فسيطورونَ واحدة تلقائيًا في غضون بضعة سنوات.
تَفترض هذه النظرية أنه مع الوقت، وبعد تطوير لغة الإشارة، بدأ الناس في إصدار الأصوات تماهيًا مع إيماءاتهم. وفي مرحلة ما، بدأوا بإصدار الأصوات – والتي تحولت إلى كلمات – تدريجيًا بدلًا من مجرد استخدام أجسادهم. والسبب في ذلك، كما تَفترض النظرية، أن التحدث بصوتٍ عالٍ يُتيح لك التواصل مع الآخرين بدون الحاجة لأن يكونوا على مرمى بصرك.
مثل هذه الأسئلة الكبيرة هي ما تُتيحُ لنا جميعًا الفرصة لاستكشاف أصلنا وأن نتساءل عن معنى أن نكون بشرًا. فالجنس البشري وحده من يَملك لغة، وبالتالي معرفة أصل اللغة أو كيفية نشؤها هو وسيلة لمعرفة من أين أتينا نحن أيضًا.