لماذا ننفق المليارات على استكشاف الفضاء؟
عندما نقرأ في المشاريع التي تطلقها ناسا لاستكشاف الفضاء، يتبادر للذهن سؤالٌ هو “لِمَ ننفق هذه الأموال الهائلة لاستكشاف المجهول، مع أنّ كوكب الأرض يمتلئ بالفقر والأمراض والمجاعات؟ لِمَ لا نركّز جهودنا وأموالنا لحلّ هذه المشكلات؟ أم أنه توجد فائدة من استكشاف الفضاء تستحقّ ما يُنفق عليه من مليارات؟
لنَعِي إن كان لاستكشاف الفضاء فائدة أم لا فلننظر للأمر من ناحيتين 1- كمّ الأموال التي ننفقها 2- الفائدة التي تعود علينا منها.
أولاً: الأموال التي يتمّ إنفاقها على استكشاف الفضاء
يجب أن نعي أنّ بداية زيادة الإنفاق من أجل استكشاف الفضاء كانت نتيجة الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيني خلال الحرب الباردة على من يمتلك المعرفة والتقنية الأفضل في هذا المجال، حيث وصل الإنفاق السنوي لناسا إلى 4% خلال بعض الأعوام في هذه الفترة، مقارنةً بالآن حيث أنّ الميزانية تُقدّر بنصف في المائة فقط خلال عام 2012، وهو ما يقدّر ب 19.5 مليار دولار.
ووكالة الفضاء الأوروبية “إيسا” تقدّر ميزانيتها السنوية ب 5.56 مليار دولار، أما روسيا تقدّر ميزانيتها السنوية لاستكشاف الفضاء ب 2.5 مليار دولار، والصين تقدّر ب 2 مليار دولار، والهند ب 1.6 مليار دولار، والوكالات الفضائية في باقي الدول ميزانيتها أقلّ بكثير.
رغم أنّ هذه الأرقام قد تبدو لأول وهلة أموالًا كثيرة، إلا أنه عند مقارنتها بالأموال التي تُنفق على الحروب والتي تنفق سنويًا على السجائر والخمر وطعام الحيوانات الأليفة.. ستبدو قليلة جدًّا، حيث تتجاوز الأموال التي تُنفق على هذه الأشياء مئات المليارات.
ثانيًا: الفائدة التي تعود علينا من استكشاف الفضاء.
خلال رحلتنا لاستكشاف الفضاء، قمنا بتطوير العديد من التقنيات التي تمّ استخدام العديد منها بعد ذلك في حياتنا اليومية، بعض هذه التقنيات أنقذت حياة الملايين، والبعض جعل من حياتنا أفضل وأسهل.
وهذه بعض الأمثلة في العديد من المجالات:
-
طعام الأطفال
خلال أبحاث ناسا في مجال الأغذية، لاستكشاف غذاء مناسبٍ لروّاد الفضاء يحافظ على صحّتهم خلال رحلة المريخ المخطّط لها، تمّ استكشاف حمض دهنيّ غنيّ باوميجا 3، ويتمّ استخدامه حاليًا في أكثر من 90% من غذاء الأطفال لقيمته الغذائية العالية.
-
الكاميرات الديجيتال
عند استخدامك كاميرا ديجيتال أو كاميرا هاتفك المحمول، تذكّر جيدًا أنك تستخدم إحدى التقنيات التي صمّمت للمساعدة في استكشاف الكواكب، حيث قامت ناسا بالقيام بأبحاث لتصغير حسّاسات الكاميرا وزيادة جودتها لاستخدامها في المركبات التي تستكشف الكواكب، واستخدمت فيما بعد في الكاميرات وفي مجالات طبية كالأشعة X-rays.
-
الرنين المغناطيسي (MRI)
والذي يُعتبر من أفضل طرق الأشعة لكشف العديد من الأمراض، حيث أنّه خلال رحلة أبولو للهبوط على القمر قامت ناسا بتطويرتقنية لأخذ صور أوضح لسطح القمر، وتمّ استخدامها فيما بعد في الرنين المغناطيسي.
-
مراقبة الأرض من الفضاء
يوجد في محطة الفضاء الدولية نظام تصوير يراقب حدوث أيّ كوارث طبيعية من الفضاء، كالزلازل والفيضانات والحرائق وإزالة الغابات وغيرها، وذلك لسرعة التحرّك لمعالجة هذه الكوارث، وتقدر أيضًا على التنبؤ ببعض أنواع الكوارث قبل حدوثها.
-
دراسة بلورات البروتين
يوجد في الطبيعة أكثر من 10 مليار نوع بروتين، ويوجد في الإنسان أكثر من 100,000 نوع، وكلّ نوع يحمل العديد من المعلومات التي تتأثر بها صحة الإنسان، والوسط المناسب لدراسة هذه الأنواع المختلفة هو الوسط ذو الجاذبية الضعيفة الذي توفّره محطات الفضاء.
ومثال على ذلك بروتين (H-PGDS)، حيث أنّه تمكّنّا من معرفة تركيبه الداخلي من خلال إحدى التجارب التي تعملها ناسا في الفضاء.
وهناك العديد من التقنيات يمكنك الاطلاع عليها من هنا .
واستكشاف الفضاء أيضًا يساعدنا في الإجابة على العديد من الأسئلة الكبرى، مثل من نحن؟ وكيف بدأ الكون؟ وكيف بدأت الحياة على كوكب الأرض؟
وتعتبر ناسا واستكشاف الفضاء بشكل عامّ مصدر إلهام للعديد من الشباب حول العالم لدراسة الفيزياء والرياضيات والتعمق في دراسة العلوم.
وأخيرًا:
يقول كارل ساجان أنّ الحياة على الأرض هشّة جدًّا، ولاستمرار حياة البشر يجب أن نصبح من “سكّان كوكبين”، فقد يكون استكشاف الفضاء الآن طريقنا لاستمرار البشرية فيما بعد، فقد نجد كوكبًا مناسبًا للحياة ونستطيع أن نسافر إليه عندما تتوفر تقنية قادرة على إيصالنا لهناك، حتى وإن لم يحدث ذلك إلا بعد آلاف السنين.
فنحن ننفق الآن مليارات الدولارات على استكشاف الفضاء، لكننا في المقابل نحصل على العديد من التقنيات التي جعلت من حياتنا أفضل، وقد تكون هذه البداية لاستمرار حياة البشر مدة أطول، فقد نقدر يومًا ما على أن نكون “سكان كوكبين”.