تريستان هاريس وفيلم المعضلة الاجتماعية

عندما عُرضت الكلمة الرئيسية لناقد وسائل التواصل الاجتماعي تريستان هاريس، بدا واضحًا  أن مؤتمر وسائل التواصل على الشبكة ومداولة التكنولوجيا سترافقه مشكلات تقنية. وهذا ما حدث بالضبط في قمة NYC media lab اليوم، والتي انتهى به المطاف إلى أن تفتتح بحوار مقتطع لهاريس حول الفيلم الوثائقي الناجح الذي أنتجته شبكة نيتفليكس، وهو فيلم “المعضلة الاجتماعية” “The Social Dilemma”. وتلى ذلك نقاش لنقاد قطاع التكنولوجيا والصحافة حول بعض “الأفكار الضخمة” بغرض إصلاح كلا القطاعين الصناعيين.
وبعد تأخر دام 20 دقيقة عن بداية حديث تريستان هاريس، قال المضيف ستيف روزنباوم، المسؤول الإداري في NYC media lab، معلقًا أن هذا الأمر مثير للسخرية على كافة الأصعدة.

وقد أصبح هاريس، وهو رئيس مركز التكنولوجيا البشرية وخبير التصميم الأخلاقي السابق في غوغل، اليوم ناقدًا بارزًا للطرق التي تحصد بها شركات وسائل التواصل الاجتماعي بيانات المستخدمين، فتسيء استخدام قوتها السوقية، وتشجع تداول المعلومات ذات التوطيد الذاتي والتي تؤدي إلى اتخاذ مواقف متعصبة. فيشكل نقد هاريس جزءًا رئيسًا من فيلم “المعضلة الاجتماعية”، والذي عرض أول مرة في مهرجان ساندانس السينمائي قبل إطلاقه على شبكة نيتفليكس في التاسع من سبتمبر.
وكان صنّاع الفيلم في الأصل يأملون الحصول على عروض خاصة للفيلم في الربيع الماضي، كما قال هاريس، لتشجيع الناس على مناقشة الفيلم. إلا أن انتشار وباء كورونا قد عرقل تلك الخطة، فشق الفيلم طريقه إلى شبكة نيتفليكس، حيث يأمل هاريس أن يرشح الناس هذا الفيلم لغيرهم أصحاب الرأي المخالف، ومن ثم يقومون بما أطلق عليه هاريس “بمبادلة الواقع”.

ويضيف تريستان هاريس: “هذا يشبه فيلم Freaky Friday، حيث ستفتح أنت وشخص آخر ممن تخالفهم الرأي، تطبيق الفيسبوك على هاتفيكما، ثم ستتبادلان واقعيكما. فتدخل أنت عالمه لترى لماذا يفكر في الأشياء التي يفكر فيها؟ حسنًا، ستقوم بتصفح صفحته، ويتضح لك أنه لا يرى ذات المعلومات التي تراها أنت. وهذه طريقة أكثر فطرية على ما أعتقد للحصول على تلك التجربة”.

وقد قام مركز هاريس أيضًا بتحديث صفحة “Take Control” لموقعه على الويب لإبراز طرق إضافية يمكن للناس من خلالها البدء بإحداث تغيير في طرق تفاعلهم مع الفيسبوك، والانستغرام، واليوتيوب، والتويتر، وغيرها من التطبيقات على حد قوله. أما الفيلم الوثائقي نفسه، والذي يعرض على شبكة نيتفليكس في أكثر من 190 دولة وبأكثر من 30 لغة، فقد وجد لنفسه منصة عملاقة ليبدأ منها ببناء تفاهم أكثر اتساعًا.

وقال هاريس أنه قد تلقى رسائل بريد إلكتروني من المشاهدين في جميع أنحاء العالم، وقد احتل الفيلم المرتبة الأولى على قوائم نيتفليكس في بلدان متنوعة مثل الهند ولبنان.
ويقول هاريس: “إذا ما أدرك العالم بأكمله أن هذا القطار لن يصل إلى أي مكان، وأن جميعنا في ذات القارب معًا، فذلك قد يساعد في حل المشكلة. لقد اعتدنا على المزاح بقولنا أننا جميعًا في صف الإنسانية، إلا أن البعض ببساطة لم يفهموا هذا بعد”.

بالرغم من هذا الصداع التكنولوجي، ليس هناك توقيت أفضل لظهور هاريس هذا. فقبل أقل من 24 ساعة، أصدر مجلس النواب الأميركي تقرير إدانة يتكون من 449 صفحة، يقول فيه أن أربعة من عمالقة التكنولوجيا، أبل، وأمازون، وألفابيت، وفيسبوك، قد أساءت استخدام قوتها الاحتكارية بطرق مختلفة، ومن الواجب إعادة هيكلتها. كما دعا إلى إجراء أكبر التغييرات في قانون مكافحة الاحتكار منذ قانون هارت سكوت رودينو عام 1976.
تحدق مساعٍ مدمرة أخرى بالشركات العملاقة تلك، منها الدعاوى القضائية التي رفعتها شركة Epic Megagames على شركتي أبل وألفابيت بشأن متاجر التطبيقات التي تديرانها. وأيضًا قضية مكافحة الاحتكار الخاصة بوزارة العدل الأميركية ضد شركة غوغل. وغير ذلك من التحقيقات على مستوى الولاية ضد عمالقة التكنولوجيا الآخرين.

قال تريستان هاريس إنه قد طرأت تغييرات قليلة نسبيًا على الأساليب التنظيمية لشركات التكنولوجيا الكبرى طوال السنوات الست الماضية –فيما عدا سياسة الخصوصية- كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي وكاليفورنيا.
وأضاف: “الشيء الذي نحن بحاجته حقًا، الشيء الذي يرقى لمستوى التحدي، هو صحوة ثقافية، حركة ثقافية تفهم أننا نعيش داخل منصات تكنولوجية لا إنسانية، وإلى بروتوكول إنساني حول الطريقة التي يجب أن نظهر فيها على هذه المنصات. ودمج هذا البروتوكول مع المجتمع”.
وعقب حديث هاريس، اجتمعت لجنة ضمت ثلاثة مراقبين بارزين لوسائل التواصل الاجتماعي وللمعلومات المضللة وتحول الصحافة إلى العصر الرقمي، وقد طلب من كل مراقب منهم أن يقدم بعض الأفكار الكبيرة للتعامل مع القضايا المتعلقة بكيفية جمع الأخبار والمعلومات وتوزيعها وتلقيها:

  • قال المؤلف في مجال الخيال العلمي والناشط الإلكتروني كوري دوكتورو أن تقرير مجلس النواب الجديد احتوى بعض المقترحات المفيدة، منها على سبيل المثال، العودة إلى طرق تطبيق قانون مكافحة الاحتكار الموجودة قبل أن يصبح روبرت بورك (قاضي الاستئناف السابق) كبير كهنة رونالد ريغان، حيث رأى أنه لا يمكننا تطبيق قانون مكافحة الاحتكار إلا في حال تضرر المستخدم أو ارتفعت الأسعار. وطرق التطبيق تلك ستمنع عمليات إدماج الشركات الكبرى والاستحواذ القسري لها، حيث يجب أن يوجد تكامل عمودي وفصل هيكلي بين الوحدات التي يحصل فيها استغلال للمناصب الاحتكارية.
  • أما نينا يانكوفيتش، مؤلفة وزميلة متخصصة في المعلومات المضللة في مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء، تقول أن أحد التغييرات الجوهرية هي التعامل مع المصادر المحلية للمعلومات المضللة من سياسيين، وجماعات متطرفة، ومنظري المؤامرة في قضايا من قبيل الوباء، وحركة حياة السود مهمة، والانتخاب عبر البريد، بنفس القوة التي نجابه بها المساعي الأجنبية. لكن هذا التغيير يدعو أيضًا إلى استجابة أوسع تتجاوز طرق تنفيذ القانون. قامت بعض الدول الصغيرة مثل إستونيا وجمهورية التشيك ببناء هياكل مؤسسية قوية تساعد في حماية ديمقراطيتها من التدخل الجائر لروسيا وغيرها من الدول. وقالت يانكوفيتش أنهم يستثمرون بشكل جاد في بناء مرونة مجتمعية لديهم. فهذه البلدان تستخدم مبادرات مثل محو الأمية الرقمية (خاصة عند البالغين)، وتسخير المكتبات العامة، ودعم وسائل الإعلام الموثوقة.
  • دعا أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك جاي روزن، وهو مراقب قديم للتحول الرقمي الفوضوي لوسائل الإعلام, دعا إلى إحداث تغييرات في الطريقة التي تغطي بها غرف الأخبار المعلومات. فيمكن لأي عاصفة مقصودة من الادعاءات والأخبار المتضاربة أن تطغى على غرف الأخبار التي تملك طواقم عمل صغيرة في كثير من الأحيان. إلا أن غرف الأخبار يمكنها مواجهة ذلك من خلال خلق مقياس للأهمية يسلط الضوء على أهم القضايا الجارية وعلى التطورات الأخيرة فيها، وهذا النهج الذي قد يظهر في الصحف وعلى المواقع الإلكترونية بإدارة فريق متخصص ضمن المؤسسات الإخبارية، يساعد في إبقاء التركيز على أكثر القضايا التي تواجه المجتمع أهميةً. ويقول روزن: “كان نموذج الصفحة الأولى القديم تسلسلًا لما هو جديد، وليس لما هو حقيقي! أما غرف الأخبار فتحتاج إلى التركيز على إنشاء منتجات قادرة على الاستجابة للاجهاد وعبء التدفق المفرط للأخبار. هذه احتياجات العامة، ومجموعة من الطلبات التي لا تلبيها غرف الأخبار”.

المصدر

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: رنا داود

اترك تعليقا