الوحدة: المفاهيم الخاطئة (مترجم)

الأشخاص الوحيدون لا تعوزهم مهارات التواصل مع الغير -فشيءٌ آخر يعترض طريقهم.

 إنّ الوحدة موضوع الساعة في عصرنا هذا؛ حيث يجذب هذا الموضوع اهتمام عددٍ كبيرٍ ممن يحاولون اكتشاف المشكلة التي يعاني منها الأفراد الوحيدون في هذا العالم. أما الإجابة الشائعة فهي كالتالي: الشخص الوحيد لا يمتلك مهارات التواصل مع الغير؛ كأن يكون الواحد منهم غير قادرٍ على قراءة تعابير وجه الآخرين أو فهم ما يحاولون إيصاله عبر تواصلهم البصريٌ أو استشعارِ المعنى الخفيّ وراء استخدام الطرف الآخر لنبرة الصوت هذه عن غيرها. 

وأظهرت مجموعة جديدة من الدراسات أنّ الفكرة العامة التي تنص على أنّ الشخص الوحيد يعاني من نقصٍ في مهارات التواصل مع الغير فكرةٌ مغلوطة -خاصة تلك المهارات المتعلقة بقراءة الإشارات غير اللفظية الصادرة عمّن حوله. حيث خلصت أربعُ دراساتٍ أجرتها Megan Knowles وزملاؤها أنّ الغارقين في الوحدة يمتلكون البصيرة الشخصية اللازمة لفهمِ الإشارات غير اللفظية بشكلٍ طبيعيٍّ كغيرهِم؛ بل أحيانا ما تكون بصيرتهم أكثر دقة من بصيرة غيرهم. وبذلك نرى أن هنالك عقبة أخرى تعيقهم من أن يحظوا بالتواصل البشريٍّ الفعّال الذي يستميتون لِتحقيقه؛ وهذه العقبة كما افترض القائمون على الدراسة هي القلق. حيث يرغب الغارقون في الوحدة ببناء علاقاتٍ مع الآخرين، إلا أن الواحد منهم يخشى أن يفشل في هذه المهمة.

وبذلك فهم يشعرون بالقلق عندما يمرون بموقفٍ يظنون فيه أنهم سيضطرون إلى توظيف مهارات التواصل الاجتماعيّ التي يمتلكونها بهدفِ بناءِ رابطة وثيقة مع غيرهم؛ أي أنّ القلق يُخلُّ بأدائِهم. فَالمهارات التي يستطيعون توظيفها  عندما يكونون متحررين من قيود القلق تتلاشى فور انقضاض القلق عليهم. 

قد يُعجبك: آليات الدفاع النفسي الشائعة في محاربة القلق

وقد وجدتُ في دراستي البحثية التي تمحورت حول الكشف عن الخداع أنّ القلق -الذي يبدو قلقًا اجتماعيًا- يزعزع من قدرة الفرد على معرفة ما إن كان الفرد الآخر كاذبًا أم صادقًا.  فعندما ينحدر أداء الرياضيين في المواقف الرياضية التي يحتاجون فيها باستماتةٍ إلى النجاح، يصِفهم الحاضرون بأنهم ينهارون تحت الضغط. حيث تفترض الباحثة Megan Knowles وزملاؤها أنّ ما يمر به الأفراد الغارقون في الوحدة يشبه في جوهره ما يصيب الرياضيين عند انهيارِهم تحت الضغط. 

فَقام الباحثون ضمن دراساتهم البحثية بتقييم قدرة الأشخاص الوحيدين وغير الوحيدين على استشعار وفهم تعبيرات الوجه ولغة العيون ونبرات الصوت. حيث قاموا في بعض الأحيان بوصف المهام للمشاركينَ وكأنّ هذه المهام لا علاقةَ لها بقياس نجاح الفرد في التواصل الاجتماعي -أي أنّ المشاركين لم يكن لديهم أدنى فكرة حول الهدف وراء المهام. حيث ادعى الباحثون مثلًا أنّ الاختبار يقيس قدرة الفرد على حل المشكلات وأنّه يحدد الأفراد الذين سيتفوقون في دراستهم ويعملون في وظائف جيدة بعد تخرجهم. وخلص الباحثون إلى أنّ الأفراد الوحيدين كانوا يتمتعون بقدرة على قراءة الإشارات غير اللفظية في هذه المواقف توازي قدرة غيرهم من الأفراد غير الوحيدين، بل وربما كانوا أمهر منهم في ذلك. 

إعلان

ولكن عندما وصف الباحثون المهامَ على أنها ذاتَ علاقةٍ بقياس نجاح الفرد في التواصل الاجتماعيّ، تغير مسار الحكاية. حيث كان أداء الأفراد الذين يعانون من الوحدة أسوءَ من أداء غيرهم من المشاركين غير الوحيدين عندما أخبرهم الباحثون أنّ “الأفراد الذين سيكون أداؤهم جيدًا في هذا الاختبار يُتوَقَع أن يكون أداؤهم جيدًا في المواقف الاجتماعية اليومية، كما وسينجحون في بناء علاقاتٍ قوية وطويلة الأمد مع من يصادفونهم في الحياة“. 

وافترض الباحثون أنّ القلق يسبب مشكلةً للأشخاص الوحيدين؛ إذ أنهم أعربوا عن شعورهم بقلق أكبر عندما تمَّ وصف المهام المتضمنة في البحث على أنها تقيس مهاراتهم في قراءة الإشارات غير اللفظية مقارنةً بالمهام التي وُصِفت بأنها تقيس نجاحهم في مجالٍ آخر. كما وخلصت الأبحاث إلى أنّ القلق يؤدي إلى تدني أداء الأفراد الغارقين في الوحدة عندما يكونون في مواقف اجتماعية -مقارنةً بأدائهم في المواقف غير الاجتماعية. 

ومن ثم قام الباحثون بإجراء مزيدٍ من الأبحاث المصمَّمة لاكتشاف ما إن كانوا قادرين على إقناع الأشخاص الوحيدين بأنّ القلق الذي يغمرهم في المواقف الاجتماعية لا ينبع من خوفهم من أن يكون أداؤهم سيئًا عند التواصل الاجتماعي الشخصي؛ وبذلك لا يعيق القلق قدرتهم على التواصل مع الغير ولن ينهار الواحد منهم تحت ضغط التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، قام الباحثون بتزويد المشاركينَ في إحدى الدراسات البحثية بمشروبٍ يشبه طعمه طعمَ مشروبات الطاقة ولكنه لا يحتوي على ذرةِ كافيين. فعندما قام الباحثون بإخبار نصف المشاركين -الغارقين في الوحدة- بأنّ المشروبات تحتوي على قدرٍ كبيرٍ من الكافيين، كان أداؤهم في المهام التي تنطوي على مهاراتٍ اجتماعية مكافئًا لأداء نظرائهم غير الوحيدين. وقد يعود ذلك إلى ظنهم بأنّ السبب وراء قلقهم يرجع إلى تأثير الكافيين وليس إلى خوفهم من تدني مستوى أدائهم في المواقف الاجتماعية. 

أمّا الأخبار الجيدة فهي أنّ الأشخاص الوحيدين متمكنون من مهارات قراءة الإشارات غير اللفظية بشكلٍ مساوٍ لنُظرائهم غير الوحيدين -ولربما يتفوقون عليهم. إلا أنّ هذه المهارات قد تغدو أقل فاعلية عند توظيفها في المواقف الاجتماعية التي يسيطر فيها القلق عليهم. وبذلك نرى أنّ أيَّ شيءٍ ينتزع القلق من حياتهم سيُقدِم لهم يد العون. 

إعلان

مصدر المصدر
فريق الإعداد

تدقيق لغوي: ندى حمدي

ترجمة: راما ياسين المقوسي

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا