الدوائر العصبية و السلوكيات الموروثة الجينات و السلوك 3

كيف يستطيع جين معين الإملاء بسلوك معين بحد ذاته ؟
إن كنا سندخل بدراسة أنواع السلوكيات وتصنيفاتها فهذا بحر كبير ولكن سؤال بحجم السؤال أعلاه لايقل حجما ، إنه لايوجد أي جواب واضح بعد لكيف يمكن لجين معين أن يملي بسلوك محدد، ولكن مانحن متأكدين منه أن هذا ممكنا، وبالتالي قابل للوراثة وللتطور ، وقد تحدثنا عن هذا في الجزء السابق وذكرنا تجربة معملية تثبت هذا ، ولكن كيف ينتج الدماغ هذا السلوك ؟ أو هل هناك مركز للسلوك بالدماغ ؟
هذا ينتج من خلال الدوائر العصبية ، حيث أن لكل سلوك لدينا إن كان جينيا أو مكتسبا له مسار عصبي خاص به في الدماغ طبعا هذا التصور مازال بدائيا جدًا فالحقيقة أن هذة هي كل تصوراتنا تقريبا عن الأساس العصبي للسلوك ، علم الأعصاب السلوكي يحاول دراسة هذا الأساس العصبي للسلوك بشكل أوسع والسؤال الذي يطرح نفسه هو : إن كان لسلوك ما مسار عصبي خاص به فهل يمكننا أن نغيره؟ وبالتالي نغير السلوك ؟
إذا كان السائل يأمل بإجابة من نمط إجابات (التنمية البشرية ) فسأخيب أمله، إن هذا لصعب جدًا أن تحاول تغيير شخصيتك باستخدام إرادتك ، أو مانطلق عليه نحن أنه إرادة و إرادة حرة، حيث سيتضح لنا خلال دراستنا في هذة السلسلة أنه قد يكون الفلاسفة اضاعوا وقتهم في اثبات الإرادة الحرة هذه حيث إنها لست حرة إلى هذه الدرجة .
على كل حال تغيير شخصيتك باستخدام ادارتك هذا جدا صعب ، ولكن إذا كان الموضوع حول أن نحدد هذة المسارات العصبية ونؤثر بها موضعيا بشكل مباشر فهل هذا سيغير السلوك و الشخصية أيضا و أسلوب التفكير ؟
نظريا نعم هذا قابل جدا للتحقيق ، فتخيل أنك بالمستقبل ستتمكن من رسم خريطة عصبية لشخصيتك ( سنتكلم عنها الان ) وتستطيع أن تغير بها ماتشاء من سلوكيات ، وطريقة تفيكير أي منطب وحتى ذكريات ، علماء الأعصاب يسعون لهذا (لأغراض طبية ) وليس لغسيل الدماغ ، ولكن هناك مشكلة عويصة تواجه البحث العلمي في هذا المجال وهي أنه لاتقنية لدينا تمكننا من دراسة 86 مليار خلية عصبية بالمتوسط لدى كل منا وتحديد مساراتها …
بيد أن هذا يطرح تحديات جمة أيضا أمامنا فكل دائرة عصبية تستطيع إنتاج نفس السلوك بطرق مختلفة ، وكل سلوك يمكن له أن يتأثر أيضا بعدة عوامل مختلفة ، فاختلاف تركيز كيمياء لدماغ كفيل بتغيير السلوك في نفس الدائرة العصبية المنتجة له ، و يقول فلوريان إنجِرت الذي يحاول إعداد أطلس لدماغ سمك الدانيو المخطط بجامعة هارفارد بولاية ماساتشوسِتس الأمريكية : أحاول تحاشي استخدام كلمة فَهْم قدر الإمكان، فما الذي نعنيه حقًّا عندما نقول إننا نفهم كيف يعمل شيء ما؟ فإذا كان الأمر يقتصر على رسم مخطط، فأنت في حقيقة الأمر لم تفهم أي شيء . (مقتبس من نيتشر).
لهذا فكوننا نستطيع التأثير على مسار سلوك من أجل تغيير جذري بالسلوك فهذا ممكن نظريا ولكننا بعيدون عن تحقيقه الان ، وبعيدون أكثر عن رسم خريطة سلوكية لكل منا ، فرسم هذة الخريطة سأحب أن اسميه DNA الشخصية ، حيث لكل منا سيكون له خريطته الخاصة به ويمكن تحديد أبعاد شخصيتك منها بدقة كبيرة … ولكن هذا مازال بعيد المنال .
إعلان
لهذا تسعى مارتا زالاتيك عالمة متخصصة في هذا المجال بدراسة يرقات ذبابة الفاكهة ، فبدماغ يحتوي على 15 ألف خلية عصبية ينتج حوالي 30 حركة فقط يمكن دراسة وتحديد المسارات العصبية لهذا الدماغ ورسم خريطة لها .
ولكن مايهمنا هنا أن لكل سلوك وأسلوب تفكير مسار عصبي له في الدماغ ، ويمكن للجينات أن تحدد لك سلوكيات كنت تظن أنك تعلمتها ولكنها غريزية بك ولدت معك …
والسلوك هو عبارة عن تفاعل عصبي بين الخلايا العصبية ليشكل مسار خاص به عصبيا إن كان مكتسبا أو جينيا…
ولكن كلمة (تفاعل بين الخلايا) نحتاج لسنين فك طلاسمها .
كيف نستطيع التمييز بين ما إن كان هذا السلوك مكتسب أو جيني ؟
طبعا دراسة DNA تفيد بلاشك كتجربة بناء الأعشاش التي ذكرناها الجزء الماضي ، ولكن أيضا بمقارنة السلوكيات بين أبناء العائلة البايولوجية الواحدة نستطيع تحديد ما إذا كان هذا السلوك وراثي بيننا أي ورثناه عن أسلافنا أو خاص بنا فقط …
ولنقارن أنفسنا مع أقربئنا البايولوجيين من الرئيسات وقد لفت نظري السلوك الجنسي كثيرًا … حيث أننا نحن البشر مازلنا حتى اليوم نعتقد أن الجنس في الطبيعة فقط للإنجاب والتكاثر وأننا نحن فقط من نمارسه للمتعة ولكن هذا خاطئ .
الجنس ليس فقط للتكاثر بل أيضا له عدة أدوار ومنها دور أساسي في الحفاظ على الاستقرار بين الشريكين وبالتالي ستجد أن أكثر الكائنات ميولا للاستقرار العاطفي هي أكثرها استخداما للجنس لأغراض شخصية وليس إنجابية وهذا تمامًا الحاصل .
فالرئيسات عموما والإنسان والبونوبو والتشيمبانزي والغوريلا خصوصا تمارس الجنس للمتعة والحب ، ويبدو أننا ورثنا نفس السلوكيات الجنسية حتى وليس فقط نفس الهدف من الجنس ، أي تقريبا نمارس الجنس بنفس الطريقة من ناحية المغازلة والتقبيل والمداعبات وحتى الوضعيات …. مما يعطي دليلا على أن دوائرنا العصبية المنتجة لسوكيات جنسية محددة جدًا لدينا هي مسارات موروثة وليس من إبداعات البشر .
وهنا ستجدون فيديوهات حيية للحياة الجنسية عند بعض الرئيسات وبوضعيات كنا نعتبرها بشرية مكتسبة ، يعني تخيل أن الغوريلا تستمتع بوضعية 69 التي يبدو أنها وضعية موروثة بيننا وليست من اختراعنا
الفيديو :
وان البونوبو يعيش حياة جنسية ماتعة
وللمفارقة هناك قبائل بشرية تعيش حياة شبيهة جدا جدا بحياة البونوبو سندرس هذا عندما ناتي لدراسة الثقافة و البيئة وصناعتهما للمنطق والسلوك العصبي ….
في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك
صراع فلسفي :هل القلب مكمن الشعور والروح ، أم أنه مجرد مضخة ؟
جائزة نوبل 2017 للطب والفيسيولوجي .. اكتشافات حول الساعة البيولوجية
الميتوكوندري .. مشروعك الطاقي و مصنعك الخاص
إعلان