الجهاد الأخضر: هل يستطيع الإسلام إنقاذ البيئة
تحت شعار “الجهاد الأخضر”، وقف الخطيب الشاب يدعو أمة الإسلام إلى أن تكون خير أمةٍ أُخرجت للناس عربًا وعجمًا، مسلمين وغير مسلمين، وقال مخاطبًا الشباب المتحمس الجالس أمامه: آن الأوان أن يلقي المجاهدون بسيوفهم التي أعدّوها ضد الكفار والظالمين والضالين ويهجروا ساحات الموت والخراب.
وتوقف هنيهة ، ثم صدح بالآية الكريمة “ظهر الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” ، وأضاف أن: القرآن هنا يتحدث عمّا حاق بالأرض والبحر من دمارٍ بيئي على أيدي الناس، وأن إصلاح أمر الناس جميعًا لا يأتي إلا بإصلاح البيئة وإيقاف تدهورها وإعلان الحرب على كل الملوثات. ثم كبر وكبر:
الله أكبر الله أكبر، حي على الجهاد الأخضر!!!
وبهذه التكبيرة، اختتم الخطيب خطبته داعيًا إلى حماية البيئة، واتّباع تعاليم القرآن الكريم وأحاديث رسول الله التي تدعو إلى الاستمرار المحموم في زراعة الشجر حتى ولو قامت القيامة، وتُدخل النار من يؤذي حيوانًا أو يقطع شجرة.
********************
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها على اليوتويب دعواتٍ مناصرة للبيئة من رجل دين، فقد استمعت إلى خطبٍ مماثلة من رجال دين يهود ومسيحيين وبوذيين وهندوس، لكنها كانت المرة الأولى التي أستمع فيها لمثل هذه الدعوة من رجل دينٍ مسلم، وهي دعوة عالمية حديثة طرحت نفسها من خلال فكرٍ متكامل أسماه رجال الدين “الإيكوثيولوجيا” أو اللاهوت البيئي، أو الجهاد الأخضر، وأود أن أشارككم ببعض المعلومات السريعة عنها في مقالي هذا.
ما هي الإيكوثيولوجيا؟
هي نوع من الدراسات التي يجمع بين علوم البيئة أو الإيكولوجي (دراسة الكائنات الحية والبيئة الحيوية التي تحيط بها) والدين، ويبحث أصحاب هذا الفكر في كيفية الحفاظ على الخلق والحياة بوصف البشر خلفاء الله على الأرض ويتحملون المسؤولية أمامه في كل ما يلحق بها، هذا إلى جانب العلاقة بين الدين والبيئة، وكيف تؤثر معتقداتنا الدينية على فهمنا للإيكولوجيا والبيئة وسلوكنا تجاههما، ولا تقتصر مواضيع بحث الإيكوثيولوجيا (أو الجهاد الأخضر بالمفهوم الإسلامي) على استكشاف العلاقة بين الدين والطبيعة من تدهور الطبيعة، بل تمتد لتشمل إدارة النظام البيئي بشكل عام، وعلى وجه التحديد، لا يسعى اللاهوت البيئي فقط إلى تحديد القضايا البارزة داخل العلاقة بين الطبيعة والدين، ولكن أيضًا إلى طرح الحلول الممكنة.
هل نحتاج إلى الدين لحماية البيئة؟
لا شك أن النشاط البشري قد أدى إلى إحداث تغييرات كثيرة النظم الحيوية والبيئية على كوكب الأرض، وهناك أدلة علمية قوية على حجم واتساع التأثيرات المدمرة لهذا النشاط الإنساني، وعلى الرغم من اتفاق معظم البشر على هذه الحقيقة المرعبة، إلا أن الإجماع حول ما يجب القيام به حيال ذلك محدود للغاية.
ويرى البعض من الناس أن العلم وزيادة الوعي بهذه القضايا بمفردهما لن يكونا قادرين على إلهام وحثّ البشر على اتخاذ التغييرات اللازمة في السلوك البشري والمؤسسي لمعالجة قضايا البيئة، ناهيك عن عجز المؤسسات السياسية نفسها عن اتخاذ الخطوات اللازمة، وذلك بدوافع أنانية أو لفساد أو جهل مطبق، هذا فضلًا عن أن العديد من النظريات الاقتصادية والمصالح المالية تدعم الأنشطة التي تُدمر البيئة، وعلى هذا يرى البعض أن الدين بطبيعته الروحانية قادرٌ على لعب الدور الروحاني (الجهاد الأخضر) الذي يسعى إليه من خلال التركيز على مواجهة الأزمة البيئية.
الجهاد الأخضر: الحركة البيئية الإسلامية
نظرًا لأن التغير المناخي يهدد العالم الإسلامي بأسره؛ لجأ بعض الناس إلى الإسلام نفسه كملهمًا للحركة البيئية التي تسعى إلى إنقاذ الأرض من فسادٍ ألحقه الطمع الإنساني بالبيئة ونظام الحياة بمجمله على الأرض، وهناك مشروعات بيئية عديدة قامت بها مؤسسات دينية إسلامية وكان لها نتائج جميلة أذكر منها:
تجربة المجلس الإسلامي في أوغندا
أشار الشيخ شعبان رمضان موباخ، مفتي أوغندا، في أحد أحاديثه التليفزيونية إلى تجربة المجلس الإسلامي في أوغندا، وذلك من خلال مشروع ديني تربوي وتوعوي بخصوص البيئة، أطلقوا عليه “الجمعة الخضراء”، ويقوم هذا المشروع الذي انطلق في 2010 على تخصيص الجمعة الثانية من رمضان بكل سنة للحديث عن البيئة والحثّ على المحافظة عليها في خطب الجمعة بمختلف مساجد البلاد، والقيام عقب الصلاة مباشرةً بزرع الأشجار المثمرة في محيط المسجد والبيوت، وقال الشيخ أنه بعد خمس سنوات تحديدًا في عام ٢٠١٥ وصل ما قام المسلمون بزراعته إلى نحو 250 ألف شجرة، والآن يأكل الأوغنديون من هذه الأشجار فواكه مختلفة، وعلى الرغم من أن المشروع لم يحقق العدد المنشود بعد، لكن لا زال حافز الاستمرار قويًا.
تجربة المركز الإسلامي في النرويج
أعلن الإمام إبراهيم سعيد بالمركز الإسلامي بالنرويج حربه المقدّسة على تغيرات المناخ من خلال الندوات والحلقات الدراسية، والصوم أيضًا، ويقول الشيخ: الجهاد الأخضر هو أن نحمي الأرواح وننقذها، ونجعل الناس واعين بضرورة التعاون فيما بينهم، وأن يدركوا مخاطر التغيرات المناخية، وضرورة الكفاح من أجل عدالةٍ بتغيير العالم إلى كوكب أخضر، خلقه تعالى ليكون كذلك.
دعاة حركة الجهاد الأخضر
وفي مقدمة هذه الحركة النبيلة يأتي الدكتور عودة رشيد الجيوسي، وهو أكاديمي فلسطيني يبلغ من العمر نحو ٥٨ عامًا، ويعمل في الفريق الاستشاري العلمي والتقني في الأمم المتحدة، هو من المهتمين بموضوع اللاهوت البيئي أو الإيكوثيولويجا، وهو أحد الفروع الدينية التي تركز على البيئة، ويتخذ تلاميذ هذه الفكرة -الجهاد الأخضر- من آيات القرآن الصديقة للبيئة نبراسًا يعبؤون بها شباب الأمة للنهوض بها لحماية الأرض والبحر، ويدعون لنبذ الجهاد الأحمر -جهاد الدم-.
واستفاد الدكتور الجيوسي من منصبه في الأمم المتحدة منذ عام 2015 لتعبئة جمهورٍ كبير لتأييد دعوة الجهاد الأخضر، ودعا الجيوسي المجتمع الدولي إلى إنشاء صناديق إسلامية للوقف والهبات لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ولقد اكتسب عمله سلسلةً من الاستشهادات الأكاديمية، واستضافته العديد من الدول في المنطقة، بما في ذلك قطر والإمارات العربية المتحدة، في مؤتمرات ومعاهد بحثية مكرّسة للعلاقة بين البيئة والإسلام.
وإنني أدعو أصدقائي بشدة للاستماع إلى سلسلة الحلقات الجميلة هذه للدكتور الجيوسي وعنوانها “فليغرسها” على “الساوند كلاود”.
خاتمة
لن أخفي عليكم إعجابي الشديد بهذه الحركة، ودورها في إعادة تشكيل مفهوم الجهاد في الإسلام ليصبح حربًا ضد التدهور البيئي وكفاحًا للحفاظ على نعم الله في كونه، وإنني لأضم صوتي إلى صوت المجاهدين في ساحات البيئة في دعوة المجتمع المدني في العالم الإسلامي إلى الجهاد الأخضر، من خلال دعم وتنمية طريقة خضراء للحياة، صديقة للبيئة، تماشيًا مع النظرة الإسلامية العالمية التي تسعى لضمان التوازن والانسجام بين البشر والطبيعة.