اقتصاديات صناعة الأفلام الإباحية
إذا كان حجم محتوى الأفلام الإباحية والفيديوهات الجنسية على موقع “بورن هب” Pornhub الإباحي قد بلغ في عام 2017 ضعف حجم محتوى مكتبة نيويورك العامة التي يبلغ عدد كتبها 50 مليون كتابًا، وإذا كانت معظم هذه المواد الفاضحة تُقدِّم مجانًا هنيئًا للسائلين وابتغاء وجه زائره، وإذا كان من السهل الوصول إلى هذا الموقع الإباحي في ثوانٍ، فإنَّ السؤال المشروع هُنا: من أين تكسب هذه المواقع؟ وما هي موارد هذه الصناعة؟
وللإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى إلقاء الضوء على بعض الجوانب الاقتصادية لهذه الصناعة:
تاريخ صناعة الأفلام الإباحية في عجالة
منذ فجرِ التاريخ، كان الجنس دائمًا موضوعًا مفضلًا للعمل الفني. فقد حفر رسامو الكهوف قبل التاريخ صور الأرداف والثديين والأعضاء التناسلية، وهناك منحوتات لرجل وامرأة يمارسان الجنس من الرُعاة في الضفة الغربية. ومنذ حوالي أربعة آلاف سنة صاغ فنانون مجهولون لوحةً من الطين لرجل وامرأة يمارسان الجنس، وهي ترشف البيرة من خلال ماصة من القش. وكذلك في شمال بيرو توجد جداريّة من العصر الحجري لرجلٍ يجامع إمرأة على السيراميك.
وظلّ الجنس والعري يمثّل موضوعًا مفضلًا لدى الفنانين في اليونان وروما، وبُعث الاهتمام به من جديد في عصور النهضة على أيدي النحاتين والرسامين الأوربيين في روما والبندقية.
الشكل المؤسسي والإنترنت
ومع هذا، فإنَّ انتاج المواد الإباحيّة لم يتحول إلى نشاط مؤسسي إلّا مع إصدار مجلة Playboy وHustler في منتصف القرن العشرين؛ ومنذ ذلك الحين ازدهرت هذه الصناعة لتصبح كيانًا مؤسسيًا متكامل الأركان، وقبل ظهور شمس الإنترنت، فرضت معظم شركات الأفلام الإباحية رسومَ اشتراك على خدمات التلفزيون المدفوع، وثمن ليس بالقليل على إسطوانات الفيديو الخاصّة، غير أنَّه مع ظهور الإنترنت وسهولة عمليات القرصنة وظهور خدمات البث الإلكتروني واليوتويب تحوَّلت هذه الشركات إلى نموذج عمل (business model) أكثر تكيّفًا وقدرةً على تحقيق إيرادات.
ولقد لجأت الشركات إلى عدّة أساليب للتوافق مع المتغيّرات التكنولوجيّة ودور الإنترنت في هذا الشأن وإيجازها فيما يلي:
نموذج العمل Business model ومصادر الدخل
1- تخفيض تكلفة الأفلام الإباحية وتنويع المنتجات
توجّهت الشركات إلى إنتاج الفيديوهات والأفلام الإباحية القصيرة بناءً على البحوث الإحصائية التي أجرتها. ولقد رصد تحليل البيانات أنّ الفرد يقضي عادةً فترة لاتزيد عن العشر دقائق على موقع الـ Pornhub وتحديدًا نحو 9 دقائق في المتوسط، وذلك أرخص بكثير من إنتاج أفلام طويلة – والتي تقدَّم من خلال خدمات التلفزيون المدفوع في أوروبا وأمريكا – بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وأجور الممثلين. والأكثر من ذلك أنَّ هناك محتوىً يرفعه المستخدمون أنفسهم (هواة).
2- الاشتراكات والقدرة على صياغة المحتوى المميّز الذي يناسب أدق رغبات الفرد.
قد تظن أنَّ أفضل مصدر يمكنه أن يجمع بيانات زبائنه الخاصّة بأذواقهم ورغباتهم والمنتج الذي يمكن ان يدفعوا في مقابله نقودًا ليشاهدوه هم عمالقٌة البث الرقمي streaming مثل شركة نيتفليكس Netflix أو أمازون برايم amazon prime video أو هولو hulu. الحقيقة ليس هؤلاء كلهم ، بل مواقع الأفلام الإباحية التي تتابع كل حركة تقوم بها وتقيس المدة التي تتوقف عندها لمشاهدة نوع من الإباحية، هذا الى جانب طبيعة المحتوى، والأشياء التي يستعيد الزائر مشاهدتها، وتحديد احتمالية كونك أحد العملاء الذي يمكنه أن يشترك في الخدمة المفتوحة، ومن ثم ملاحقته بعروض سعرية مختلفة يسيل لها اللعاب.
3- الإعلانات الناتجة من حركة المرور على الموقع
تعتمد هذه المواقع على المكسب الوارد من حركة المرور على هذه المواقع. انظر إلى Pornhub على سبيل المثال، حيث يستقبل نحو 23 مليار زيارة شهريًا، وترتيبه السابع والعشرين في قائمة أكثر المواقع شعبية على الإنترنت حسب عدد الزيارات بينما يحتل نتفليكس الموقع السادس والعشرين، ولينكدن الموقع التاسع والعشرين. أي (بورن هب ) يسبق لينكدن! LinkedIn لا تستغرب الجنس والأفلام الإباحية أهم من العمل.
ويقضي المستخدم العادي نحو 10 دقائق على Pornhub يقضي أقل من 6 دقائق على لينكدن. ولعلَّك تلاحظ أنَّ أيّ نقرة (كليك) في هذا الموقع تنقلك إلى مواقع إباحية أخرى ومواقع المواعدة، وحالت بيع الأدوات الجنسية، ومواقع القمار، وغيرها في دائرةٍ لا تنقطع من الذهاب والعودة والتنقل ويقتسم الجميع الربح من عدد الزيارات والإعلانات المتبادلة.
4- الإندماج
مع انتشار عدد المواقع لتتجاوز الألوف والتي تبث وتتنافس على بثِّ الأفلام الإباحية، واضطرار الجميع إلى تقديم محتوىً مجاني لم يكن هناك حلًّا أمام هذه الشركات والمواقع إلّا الاندماج في ظل كيانات كُبرى أو ترك العمل (مثلما حدث مع بورن هب ورد بورن). بل ظهر وظهر إلى حيز الوجود شركة احتكارية عملاقة اسمها شركة MindGeek وهي أكبر شركة لعرض الأفلام الإباحية والمواد الجنسية عمومًا في العالم، وهي شركة قابضة تمتلك عدَّة مواقع ترفيه للكبار فقط وعدد من شركات الإنتاج بما فيها شبكة Pornhub. ويمكن النظر إلى هذه الشركة على أنها شركة وسائط متعددة تسيطر على تتدفق نوع من المعلومات التي تذهب إلى المستهلكين والمشاهدين وتمثِّل المشتري الأول لمنتجات استديوهات الأفلام الاباحية، وتتولّى هي بيعه وتوزيعه من خلال الإنترنت.
تعليق ختامي
إنَّ صناعة الأفلام الإباحية مثلها كأيِّ صناعة لها أُصولها وخصومها ونموذج عملها وسلبياتها وإيجابياتها، والحديث عنها يحتاج إلى دراسات مطوّلة. ولكن ما أريد أن ألفِت النظر إليه هو الدروس التي يجب أن نتعلَّمها من هذه الصناعة من حيث قدرتها على مواكبة التغيرات التكنولوجية، ونيران المنافسة، والعبقرية في تسويق منتجاتها من خلال بحوث تسويقية عالية الكفاءة.
ويمكننا القول أنَّ هذه الصناعة هي قصة النجاح الأولى للاقتصاد والتسويق على شبكة الإنترنت.