هل ينحاز العقل للعاطفة؟
يبدو السؤال للوهلة الأولى غريباً أو على الأقل مخالفاً للمعتقد الشائع الذي يقول إن العقل عدو العاطفة وأنه ثمة صراع شرس قائم بينهما، ومن المعروف أنه ينقسم الناس إلى ثلاث فئات أمام هذا الصراع: فئة تمنح العقل السلطة الأكبر للتحكم بالعاطفة،وفئة تغالي في منح العاطفة قيمة أكبر مما تستحق بحيث تتحكم العاطفة في قراراتها الحياتية، وفئة أخرى تعطي لكل ذي حق حقه، تارة تمنح العقل السلطة وتارة أخرى تمنح العاطفة السلطة على العقل حسب السياق والظروف التي تقتضي ذلك.
في هذا المقال سنسلط الضوء على جانب آخر من علاقة العقل بالعاطفة، بعيدا عن العلاقة التنافسية بينهما. فماذا لو كانت هناك علاقة مختلفة غير شائعة بين العاطفة والمنطق؟ بعيدًا عن تسلط طرف على الطرف الآخر، طغيان وجود طرف على الطرف الآخر أو تحقيق التوازن والتكامل بين الطرفين؟ ولماذا قلما نسمع أو نقرأ عن مثل هذه العلاقة لا سيما من يدعون العقلانية ويحتكرون الحقيقة للعقل بشكل مطلق؟
تاريخ المشاعر
تعد العواطف جزءًا أساسياً ومهماً من التكوين النفسي للفرد ومؤشراً على استجابته للمحفزات الخارجية والداخلية النفسية. تخبرنا العواطف بطريقة أو بأخرى بوجود خطر ما قادم يستوجب التصدي له .
يعود أول استعمال للفظ “مشاعر” إلى القرنين السابع والثامن عشر وهي ترجمة للمفردة الفرنسية التي تقابلها بالإنجليزية “emotion “، يرتبط لفظ “العواطف أو المشاعر” عند الإغريق بمصطلحات وكلمات معينة مثل الشغف والمعاناة والظروف النفسية التي تؤثر سلبا على الفرد، أما بالنسبة لـ ديكارت (René Descartes) فالمشاعر هي كل الوظائف التي تتعلق بالروح بعيدا عن أفعال الجسد. (1)
وعنده المشاعر تتلخص وتُختزل في خمس (الحب، والكره، والرغبة، والفرح، والحزن)، على الرغم من أن ديكارت يرى أن المشاعر تمثل مصدراً أساسياً للبهجة والرضا، إلا إنه -كمعظم الفلاسفة- يرى أنها تناقِض العقلانية ولا بد من السيطرة عليها للحد من تأثيرها المحتمل على العقل. (2)
المشاعر ليست مجرد تغيرات جسدية وبيولوجية، بمعنى: الشعور بالغضب لا يلازمه فحسب تسارع في نبضات القلب، ليست هذه هي الوظيفة الوحيدة لعاطفة الغضب، فالغضب إشارة على وجود نوع من الخطر أو خطأ على وشك الوقوع والغضب بمثابة استجابة نفسية وعاطفية بل وعقلية أحياناً لأنه يحفزك على التصرف بطريقة ما لحل مشكلة معينة، وبينما يوجد هناك غضب لاعقلاني، يوجد في المقابل غضب عقلاني (سأتحدث عن الفرق بينهما بالتفصيل في فقرات المقال القادمة).
يرى الفيلسوف سبينوزا (Baruch Spinoza) أن المشاعر تنقسم إلى نوعين أساسيين: الحزن والفرح، وكل المشاعر الأخرى ما هي إلا أشكال وصور منهما. يربط سبينوزا وجود المشاعر بالقوة؛ حيث إنه كلما ازدادت درجة القوة/النفوذ يميل المرء إلى أن يصبح سعيداً أكثر، وعلى النقيض من ذلك إذا قلت درجة القوة التي يتمتع بها يصبح تعيسا.(3)
كان يصور الفلاسفة ما قبل سقراط (Socrates) مثل هيراقليطس (Heraclitus) وإمبديقلس (Empedocles) العواطف كعائق أمام المنطق أو أداة مشتتة له. بينما يرى أرسطو (Aristotle) أن العواطف ليست عيوباً أو فضائل من الناحية الأخلاقية، بل حقائق ضرورية لتحقيق حياة أخلاقية ولم يجد أرسطو أي تعارض بين العاطفة والمنطق، فبالنسبة له كل واحد منهما يلعب دوراً ما وعلينا أن نوجههما إلى الطريق المناسب والصحيح لتأدية مهمتهما كما ينبغي.
حسب أرسطو العاطفة مكونة من عدة عناصر منها البيولوجية التي تتمثل في الشعور بالألم، والعقلية الإدراكية التي تتمثل في التصورات، والفعلية التي تتمثل في النية للقيام بفعل ما استجابة لهذه العاطفة التي أثارها الموقف.
أما الفيلسوف المسيحي والقديس أغسطين (Augustin) فيرى أن المشاعر تأتي على شكل أربعة ( الحب، والخوف، والشهوة، والفرح)، وكان متأثراً بفلسفة الرواقيين وتصوراتهم عن المشاعر، فالمشاعر بالنسبة له جزءاً ليس أساسياً من تكوين الطبيعة البشرية وأقل قيمةً ومنزلةً من العقل، وعنده الحكيم هو الشخص الذي يتجنب أو يتفادى المشاعر العاطفية القوية. أما ديكارت فلم ينكر دور العواطف في تحقيق الرضا للمرء لكنه في الوقت نفسه حذر من احتمالية حدوث صراع بين العاطفة والعقل. (4)
المشاعر والتطوُّر
يؤكد داروين (Charles Robert Darwin) في نظريته عن التطور على أن المشاعر والعواطف ككل الصفات في الكائنات الحية قابلة للتطور وقد خضعت بالفعل للتطور نظراً إلى مساهمتها الفعالة في جعل الكائنات الحية تتكاثر وتنمو، أي تتكيف وتتأقلم في بيئة ومحيط صاحبها، وشمل هذا التطور -في المقام الأول- تعبيرات الوجه التي تُعد من أهم سمات وأدوات التواصل البشري. تُعد العواطف والمشاعر أدوات استجابة أساسية لحماية الكائنات الحية من أي خطر قادم، فمثلاً عندما يستشعر الإنسان وجود خطر ما يستجيب له إما بالهرب أو المواجهة. (5)
العقل تابع أم متبوع؟
“العقل أنتجته الطبيعة لخدمة إرادة الفرد و قد أعد فقط لمعرفة الأشياء طالما هي دوافع للإرادة لا أن يبحث عنها ليدرك حقيقة وجودها”.
شوبنهاور (Arthur Schopenhauer) (6)
للفيلسوف ديفيد هيوم (David Hume) التصور ذاته عن العلاقة بين العقل والعاطفة حيث يقول: “العقل خادم العاطفة”، ويقصد بذلك أن قناعات الفرد العقلية تتأثر بشكل كبير بالعاطفة وأن للعاطفة قوة تأثير تفوق المنطق والعقل. قد يبدو هذا الكلام صادماً للكثيرين أو في أسوأ الأحوال متناقضاً، إذ كيف للعقل بصفته مصدر الحقيقة الأول أن ينصاع للعاطفة التي تخالفه في جوهرها و ماهيتها ؟
يقول نايجل رودجرز (Nigel Rodgers) و ميل ثومبثون (Mel Thompson) في كتابهما “جنون الفلاسفة”: “يجب أن يدرك أولئك الذين يسعون في الفلسفة أنه على الرغم من أن الفلسفة يمكنها أن تمنح الاستنارة، يمكنها أيضا أن تضلل و تخدع. إن تصرفات الفلاسفة الخاصة السيئة حيناً والمُحزِنة حيناً آخراً، والمجنونة في أحيان أخرى، ربما لا تكون تماما “مجموعة من الذكريات الشخصية اللاإرادية”، لكنها من النادر أن تكون مفصولة تماما عن تفكيرهم. إن حياتهم تؤثر وتساهم بتشكيل أفكارهم علي وجه مباشر أحيانا”. (7)
ربما من الصعب أن نجيب عن السؤال المذكور آنفاً، على الأقل بطريقة مباشرة وجازمة، لكن لنحاول إسقاط مقولة هيوم على حياة أحد أشهر الفلاسفة الذين عاشوا تجربة شخصية أثرت بشكل أو بآخر في فكرهم ورؤيتهم للعالم.
شوبنهاور
يُعد شوبنهاور من أبرز الفلاسفة المتشائمين والسوداويين، ويصنف تشاؤمه كتشاؤم “عقلي” أي أنه مبني على نظرة ورؤية عقلية للحياة والعالم، ولكن بالنظر إلى حياة شوبنهاور الاجتماعية والعاطفية نلتمس أثراً واضحاً لحياته الشخصية على فكره ونظرته الفلسفية التشاؤمية للحياة.
لقد عاش شوبنهاور وحيدا بدون أصدقاء أو عائلة أو زوجة أو حتى عشيقة، وعلى الرغم من أن كان لديه الكثير من العلاقات العاطفية، إلا إنه فشل في جميعها، ولعل أهمها علاقته بكارولين داغرمان المرأة الوحيدة التي شعر بانجذاب وشغف كبير تجاهها، لكنها رفضته، وسبب هذا الرفض عقدة نفسية كبيرة لديه وجرحاً عميقاً في نفسه.
لم يفشل شوبنهاور في علاقاته العاطفية مع النساء فحسب بل فشل أيضاً في علاقته بوالدته التي كانت تعامله بشكل سيئ، لقد عانى شوبنهاور من والدة تكره أطفالها، ليس طفلها شوبنهاور وحده الذي عانى من سوء معاملتها، بل أيضا أخته أديل التي عاشت حياة قاسية مع أمها. دارت بينهما سجالات وشجارات كثيرة انتهت بخروج شوبنهاور من منزل والدته التي سئمت من تصرفات ابنها وتدخلاته في شؤونها الشخصية، وانتقل بعدها شوبنهاور إلى دريسدن (dresden) ومنذ ذلك الحين انقطعت صلته بعائلته بشكل كلي ( 8)
أثر حياة شوبنهاور على فلسفته ورؤيته للحياة
بالنظر إلى حياة الفيلسوف الشخصية وحالته العاطفية والاجتماعية التي كان لها سمة خاصة، يلتمس المرء أثراً لها على رؤية شوبنهاور الفلسفية والعقلية للعالم والتي بخلاف ظاهرها لا تبدو رؤية عقلية صافية تماماً من أي شوائب نفسية أو عاطفية، بل هي نتاج تجارب نفسية واجتماعية خاضها الفيلسوف وبنى عليها رؤيته ونظرته للحياة -إلى حد ما-؛ فالمرء ابن تجربته الشخصية، كل فكرة أو رؤية فلسفية لشوبنهاور سنجد لها جذراً ومصدراً عاطفياً يتعلق بتجاربه الشخصية في حياته.
ازدرائه للنساء على سبيل المثال ونعته لهن بأشنع الأوصاف والألقاب له ارتباط وثيق بإخفاقاته العاطفية وعلاقته السيئة بوالدته.
“النساء مؤهلات لأن يكن ممرضات و معلمات في طفولتنا؛ لأنهن أنفسهن طفلات على وجه التحديد وسخيفات وقصيرات النظر وهن بكلام مختصر، طفلات كبيرات طوال حياتهن”. (9)
من المعروف أن الوحدة والعزلة لفترات طويلة ومتواصلة تؤثر سلباً على الحالة النفسية للمرء وتغرس في ذهنه أفكاراً سلبية وسيئة قد تؤدي في أحيان كثيرة إلى الاكتئاب أو القلق الشديد.
لا يعني هذا أن شوبنهاور عانى من الاكتئاب أو أن تشاؤمه العقلي نتاج اكتئابه ومرضه النفسي، لكن لا شك أن حالته النفسية والمزاجية التي عاشها في فترات وحدته وعزلته لعبت دورا كبيرا في تشكيل رؤيته وأفكاره الفلسفية.
عقلانية المشاعر
يقول فيتجنشتاين (Ludwig Wittgenstein): “فعل التفلسف يرتبط بنظرة الفرد و تصوراته الشخصية”.
لعل السؤال الذي نحتاج بصدق إلى الإجابة عنه: ما علاقة التفكير الفلسفي بالحالة المزاجية للفرد؟ هل من الممكن أن يؤثر الثاني على الأول؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصل درجة التأثير هذه؟
يمكن للشعور أن يكون عقلانيا أو غير عقلاني، للوهلة الأولى قد يبدو هذا الكلام صادماً للقارئ أو مغالطاً ومخالفاً للمنطق، لكن الحقيقة أنه يمكننا بالفعل أن نميز الفرق بينهما من خلال الملاحظة والوعي اللازمين لإدراك سمات الشعور العقلاني.
أولا: الاستنباط والتنبؤ بشعور ما أو تحفيزه وخلقه من خلال موقف معين.
على سبيل المثال: عندما نسمع عن قصص أناس مناضلين ومحاربين ضحوا بأرواحهم في سبيل أوطانهم، لاإراديا ينتابنا شعور بالاحترام والتبجيل لهؤلاء؛ لأنهم مخلصون لوطنهم ويذودون عنه بأغلى ما يملكون، كذلك حين يسمع أحدهم بخبر وفاة عزيز عليه، فمن الطبيعي أن تنتابه مشاعر الحزن والأسى. إذن هذا النوع من المشاعر عقلاني، لأن الشعور هنا تحصيل حاصل، شعورمضمون، يضمنه الموقف الذي أثاره؛ شيء منطقي أن يحزن المرء على وفاة عزيز عليه، لأن هذا العزيز له مكانة خاصة في قلبه، ولا بد أنه قضى معه أوقاتاً ممتعة أو كان له فضائل كثيرة عليه، لا بد وأنه أحب هذا الشخص لصفاته الحميدة والحسنة والآن الموت يغيب هذا الشخص، فلن يلتقي به بعد اليوم سوى في أحلامه -ربما- أو خياله وبالطبع ذاكرته التي لن يفارقها.
إذن نحن نتحدث هنا عن سبب ونتيجة حتمية غالباً، ومن هنا يمكننا القول إن ما يميز الشعور العقلاني عن الشعور اللاعقلاني هو ضمان حدوث ردة الفعل التي يثيرها الموقف. (10)
ثانيا: يكتسب الشعور سمة المصداقية والعقلانية عندما يكون أقرب للحقيقة الموضوعية في لحظة تشكله.
ثالثا: مساهمة العواطف والمشاعر في تشكيل سلوكياتنا وتصرفاتنا:
تشكل بعض المشاعر كالحب، الغضب والكراهية عناصر أساسية في عملية اتخاذ القرار بخلاف ما هو شائع عن أنها تلعب دوراً في تشويه وتضليل الفكر والحقيقة.
مدى إحساسنا وتأثرنا بتعابير وجه الآخرين تجاهنا يساعدنا على تقدير حالتهم الشعورية، وبالتالي توقع التصرفات التي ستصدر عنهم، وبناء على ذلك نبني تصرفاتنا وتتشكل أحاديثنا معهم طبقاً لذلك . (11)
طريقة أخرى للتمييز بين الشعور العقلاني واللاعقلاني هو مدى قدرتنا على فهم الموقف بدقة وتقييمه على نحو دقيق، بحيث يساهم في تحقيق أهداف وطموحات الفرد، قد تحفز مثلا مشاعر الغضب أو الألم الفرد على مواجهة مصاعب ومتاعب الحياة . (12)
الغضب على سبيل المثال بخلاف ما هو شائع أنه شعور متهور ولاعقلاني، يمكن أن يكتسب سمة العقلانية في حال كان يخدم قضية ما. الغضب في مواجهة الظلم على سبيل المثال يحفز المظلوم أو المناصر للمظلوم لمحاربة هذا الظلم وتحقيق العدالة، إذن نحن بصدد مشكلة (الظلم) ويتم توظيف العاطفة (الغضب) لحل هذه المشكلة (تحقيق العدالة). (13)
من الجدير هنا أن نعيد تعريف ومفهوم العقلانية حتى لا تختلط الأمور علينا، فليس كل ما يرتبط بالعقل يتسم بالعقلانية وليس كل ما يرتبط بالعاطفة يتسم بالاعقلانية بالضرورة، المهم هنا هو العلاقة التي تربط العاطفة بالحالة التي تنتج عن توظيفها واستعمالها في موقف ما.
هل تميل الحقيقة إلى العقل أم العاطفة؟
أي حديث عن علاقة الأفكار والحقيقة بالعقل والعاطفة يجرنا إلى نظريات المعرفة لا سيما نظرية لوك التجريبية المادية وديفيد هيوم الحسية والنظرية المثالية لجورج بيركلي.
لكل واحد من هؤلاء الفلاسفة رؤية ونظرة خاصة عن مصدر الأفكار و المعرفة، ديفيد هيوم على سبيل المثال يرى أن الأفكار مصدرها حسي، أي أن أفكارنا تولد من التجارب التي نخوضها وجون لوك يقسم مصادر المعرفة إلى نوعين: تجريبية وحسية أو كما يسميها أفكار أولية وأفكار ثانوية . السمات الأولية هي صفات موضوعية داخل الشيء نفسه كشكل وصلابة وحجم التفاحة، أما الصفات الثانوية فهي صفات توجد داخلنا، أي مستقاة من حواسنا.
رائحة التفاحة على سبيل المثال ولونها هي صفات ثانوية (ترتبط بحواسنا)، بينما صلابتها وحجمها هي صفات أولية موضوعية في التفاحة نفسها.
عارض بيركلي نظرية لوك معللاً أن حواسنا لا تعدو عن كونها منافذ للمادة وخواصها؛ إذن لا يوجد معنى أو مغزى من فصل الصفات الأولية عن نظيرتها الثانوية من وجهة نظر بيركلي؛ إذ أنهما في النهاية يصبان في الاتجاه نفسه ألا وهو أنه لا وجود مستقل قائم بذاته للمادة بدون العقل والحواس؛ فالذهن لا يعرف الأشياء مباشرة، بل يدركها بواسطة ما يملكها من معان عنها. (14)
العاطفة كرؤية عقلية وواقعية
الحياة كالبندول تتأرجح بين الألم و الملل.
صحيح أن لتشاؤم شوبنهاور جذوراً نفسية وعاطفية، لكن أي شخص عقلاني واقعي يستطيع أن يميز جيدا تلك النبرة الواقعية الواضحة التي تتميز بها رؤية شوبنهاور الفلسفية وكتاباته الفلسفية. ربما يسعى الكثير منا جاهدين إلى نبذ الأفكار السوداوية والتشاؤمية ومقاومتها لأنها تعيق المرء عن المضي قدماً في حياته، أو ربما لأنهم ببساطة لا يجيدون التعامل معها جيداً أو استغلالها كما فعل شوبنهاور؛ لكن شئنا أم أبينا فالتشاؤم يخرج من رحم الواقع الذي نعيشه وليس محض خيال ينسجه المتشائمون في أذهانهم.
و الحديث هنا ليس عن التشاؤم كموضوع بل كمثال، التشاؤم كمذهب فكري وفلسفي هنا هو مثال لوليد أو نتاج تجربة شخصية لم تعد تجرية شخصية تخص صاحبها لوحده؛ فقد اخترقت السياج المحصن الذي يحيط بها وخرجت عنه لتتخذ شكلاً وهيئة مغايرة تماماً عنه، باختصار لقد تجاوزت التجربة ذاتها لتصبح فكراً يعتنقه صاحبها، هذا الحد الفاصل الرفيع والدقيق جدا بين التجربة (عاطفة) والفكرة الفلسفية (عقل) إذا أدركه العقلانيون المتعصبون للعقل والمنطق جيداً وتقبلوه، سنكون قد قطعنا شوطاً طويلاً في حل معضلة العقل والعاطفة وسيدركون أيضاً أنه ليس ثمة معضلة أصلاً، هذه المعضلة بين العقل و العاطفة، الإنسان هو الذي أنشأها إما لتعصبه للعقل أو العاطفة.
كثيراً ما يدعونا العقلانيون إلى التحكم في مشاعرنا وعواطفنا، وبينما هو أمر ممكن الحدوث إلا أنه محدود الإمكان نظراً إلى أنه شيء خارج نطاق سيطرتنا المطلقة؛ فنحن عندما نتحدث عن العواطف والمشاعر وتأثيرها على سلوكياتنا وتفكيرنا، نحن في الحقيقة نتحدث عن آلية عمل نظام حيوي فعال في ذهننا يدعى الجهاز الحوفي وهو مسؤول عن الاستجابة النفسية والسلوكية للمحفزات والتأثيرات الخارجية وبالتالي الحفاظ على استمراريتنا في الوجود. (14)
هذا لا يعني مطلقاً أننا يجب أن نستسلم لسلطة العاطفة استسلاماً مطلقاً، فنحن لا زلنا قادرين على التحكم بمشاعرنا لكن لا بد أن نتقبل تأثيرها الصريح والخفي المتنكر على رؤيتنا للعالم وألا نعد هذا الأمر عيباً أو عائقاً للتفكير العقلاني السليم.
السؤال هنا: هل إدراكنا لتأثير الحالة المزاجية والنفسية للفيلسوف على رؤيته الفلسفية كاف لنحكم على بطلان فلسفته أو فسادها ونقصانها فكرياً؟
الإجابة على هذا السؤال إما أن تحل معضلة وتوقف صراعاً دموياً قائماً منذ الأزل بين العاطفة والعقل، أو تفاقم منهما.
مصادر:
(1) كتاب (by Aleksej kisjuhas reason without feeling )
(2 ) Emotions ( Stanford of Encyclopedia of Philosoghy)
(3) by Clare CarlisleSpinoza : understanding the emotions
(4)كتاب ( by Aleksej kisjuhas reason without feeling)
(5) Evolution of emotions
https://shortest.link/lIzg
(6) كتاب العالم إرادة وتمثلا، آرثر شوبنهاور، ترجمة سعيد توفيق
(7) جنون الفلاسفة ص ١٨، نايجل رودجز- ميل ثومبثون، ترجمة متيم الضايع
(8) المصدر السابق ص 77
(9) المصدر السابق ص 60
(10) kayMcBrett & Kate by The rationality of emotions
Rationality and emotions, pubMed Centre journal (11)
(12) https://shortest.link/lIqv
(13) مصدر المعرفة عند التجريبين، نظرية المعرفة، مؤسسة هنداوي
(14) Article: what do stoics think about emotions