هل يمكننا تحسين الأخلاق بالتدخُّلات الطبية؟ (مترجم)
كثيرٌ من الناس كانوا متحمّسين للغاية عندما ظهرت الدراسات الأولى على هرمون الأوكسيتوسين. إنه ليس سهل الاستعمال فحسب، بل إنّه يؤثر أيضًا على السلوك الاجتماعي بطرقٍ عميقة، لدرجة أن تمّت تسميته ”الجزيء الأخلاقي“؛ والسبب في ذلك هو ما ذكرته مجلة (Nature) في دراسةٍ أجريت عام 2005م بأن زيادة مستويات الأوكسيتوسين في الدماغ تزيد من الثقة والتعاون الاجتماعي.
دفعت هذه التأثيرات بعضَ الناسِ إلى التفكير فيما إذا كانت التدخُّلات الطبية الحيوية قد تنجح حقًا في فعل ما لم يكن من الممكن القيام به من قبل، بسرعةٍ وفعاليةٍ يمكنك جعل البشر أخلاقيين. في الواقع، ومع وجود العديد من المشاكل الناجمة عن السلوك غير الأخلاقي، كسلوكيات ”المرضى النفسيين“، كانت جاذبية ”الإصلاح العصبي“ كبيرة، كما تم النظر في عقاقير أخرى، مثل المنبهات العصبية، لتعزيز هذا الهدف، وكذلك أجهزة تحفيز الدماغ، بما في ذلك التحفيز الكهربائي المباشر عبر الجمجمة، والتحفيز العميق الداخلي للدماغ.
في حد ذاتها، تقوم فكرة تحسين الأخلاق على نوايا جديرة بالثناء. ومع ذلك، هناك سؤالان رئيسيّان يجب معالجتهما قبل أن يصبح ذلك ممكنًا، وهما: هل الوسائل الطبية الحيوية الموجودة حاليًا بين أيدينا أكثر فعالية من الطرق التقليدية؟ وهل الأهداف واضحة أم مضللة؟
لنبدأ بالوسائل. على الرغم من أن العديد من التدخُّلات المقترحة يمكن أن تؤثر في الواقع على السلوك ذي الصلة من الناحية الأخلاقية، إلا أن التأثيرات إما أنّها ليست تحسينات أخلاقية حقيقية، أو أسوأ من ذلك، فهي سلبية بشكلٍ واضحٍ من حيث السلوك أو الآثار الجانبية، مثل الإدمان. لتوضيح هذه النقطة، فإن الزيادة في الثقة والتعاون الاجتماعي المصاحبين للأوكسيتوسين يقتصران على أفراد ”القبيلة الواحدة“، ومع ذلك، فإن المجتمعات الحديثة لديها أكثر من مجموعة عرقية ودينية واحدة؛ لذلك من المقلق للغاية أن ندرك أن الأوكسيتوسين يقلل بالفعل من الثقة والتعاون مع الغرباء. والأسوأ من ذلك، أنه يحفز بشكلٍ انتقائيّ النزعةَ العِرقية، والمحسوبية، وضيق التفكير، وحتى العدوان تجاه أولئك المختلفين عنك. في دراسةٍ قدّتُها مع زميلي إريك راسين، نُشرت مؤخرًا في مجلة (Bioethics)، وجدنا أن الآثار السلبية لجميع التدخلات المقترحة، سواء كانت عقاقير أو أجهزة لتحفيز الدماغ تفوق الآثار الإيجابية.
لكن ماذا عن الأهداف؟ حتى لو لم تكن الوسائل موجودة بعد، إذا كانت الأهداف جيدة، فقد يوفر التقدم العلمي الوسائل في الوقت المناسب. حسنًا، هناك مشكلة أيضًا، يُظهر بحثي السابق والمستمر أن الحكم الأخلاقي يعتمد على وجود توازن بين تقييمات بديهية محددة . في أي موقف، نقوم بسرعة بتقييم الأشخاص المعنيين، والأفعال التي يحاولون القيام بها، والعواقب التي قد تجلبها هذه الأفعال للآخرين. قد تؤدي إمكانية تعديل أو تحسين أي جزء محدد من عملية الحكم الأخلاقي إلى حدس أخلاقي غير متوازن.
ضَع في اعتبارك بعض الأمثلة. نحن نتّفق بشكلٍ عام على أن بعض الأفعال، مثل الكذب، خاطئة، وأن بعض الأشخاص التاريخيين، مثل يسوع المسيح، كانوا فاضلين، وأن بعض النتائج، مثل إنقاذ الأرواح، جيدة. ولكن إذا تم تعزيز أي من الأجزاء المكونة للحكم الأخلاقي بحيث يهيمن على الأجزاء الأخرى، فقد ينتج عن ذلك أحكام أخلاقية غير متوازنة ومختلة. لذلك، إذا استخدمنا وسائل علم الأعصاب لتعزيز تقييمنا لفعلٍ معين، فقد ينتهي بنا الأمر بحكمٍ يتجاهل الجوانب الأخلاقية الأخرى ذات الصلة، ونستنتج أن الكذب على قاتل متسلسل حول مكان وجود ضحيته المقصودة سيكون خطأ. أو إذا تم تعزيز تقييم العواقب (وهو ما قد تفعله بعض أجهزة تحفيز الدماغ)، فقد ينتج عن ذلك حكم بأن قطع الكلى والرئتين والقلب والكبد من أحد المارة الأصحاء لإنقاذ خمسة أشخاص سيكون أمرًا جيدًا.
في الواقع، هناك أدلة تشير إلى أن هذا هو المكان الذي تسوء فيه الأمور مع المرضى النفسيين، يهيمن على حكمهم تقييم العواقب؛ مما يؤدي إلى استنتاجات مقيتة للأشخاص العاديين، أي أولئك الذين لديهم توازن حدسي. يؤدي كل هذا إلى استنتاجٍ مفاده أن ”التعزيز الأخلاقي“ هو خيال علمي وليس حقيقة علمية، ففي الواقع قد يكون استخدام الوسائل الطبية الحيوية في تعديل الأخلاق أمرًا خطيرًا.
بشكل عام، يبدو أن التدخلات التقليدية تتمتع بفرصٍ أفضل بكثير من الأدوية وأجهزة تحفيز الدماغ، فمخاطر هذين الأخيرين كبيرة، ومن المحتمل أن تسبب ضررًا أكبر من النفع؛ لأنها تعرض توازن الحدس الأخلاقي للخطر.
اقرأ أيضًا: فلسفة الأخلاق وكون المرء صالحًا
المصدر