معضلة السامري الصالح
وردت قصّة السامري الصالح لأوّل مرة في العهد الجديد وبالتحديد في إنجيل لوقا. وتحكي القصة عن شخص يهوديّ اعتدى عليه اللصوص، وجرّدوه من ملابسه وأصابوه بجروح عديدة وأخذوا كلّ أمواله تاركين إيّاه بين الحياة والموت، فمرّ بجانبه أحد الأحبار ثمّ أحد الأقارب وأشخاص عديدون من اليهود فلم يهتمّ به أحد.
لكنّ رجلًا من السامريين كان مسافرًا من القدس إلى أريحا توقّف عند اليهودي واعتنى به وأركبه على حماره وأوصله إلى فندق قريب ودفع له مصاريف العلاج والإقامة. ويُذكر أنّ هناك عداوة شديدة بين السامريين واليهود.
ذاعت هذه القصة وصار تعبير السامري الصالح مرادفًا لمن يساعد الغير والغرباء دون أن يعرفهم أو ينتظر منهم جزاءً ولا شكورًا، إلى أن أتت السبعينيات من القرن العشرين ومعها جيمس بيوكانن.
السامري الصالح في الاقتصاد
رأى عالم الاقتصاد الأمريكي جيمس بيوكانن الحاصل على جائزة نوبل التذكارية في الاقتصاد في هذه القصة إشكالية تثير الحيرة في قراراتنا الفردية والجماعية. وتتعلَّق هذه الإشكالية الكبرى بفكرة المساعدات الخيرية أو الصدقات، حيث قد تؤدِّي أحيانًا إلى تقليل دافع الأفراد وحوافزهم للتغيير من أوضاعهم بما يمكِّنهم من الاعتماد على أنفسهم.
ولقد ذكر بيوكانن في مقاله “معضلة السامري الصالح” أنَّ كلّ سلوك ينطوي على إيثار للغير هو حافزٌ للاستغلال من قِبَل المستفيد من ذلك السلوك، وأنَّ السامري قد يعاني من خسارة في أمواله وجهده مقارنة بما كان من المفترض حدوثه، لو لم يتصرَّف المستفيد بشكل أناني.
وإذا حاول السامريّ أن يعاقب المستفيد على استغلاله فإنّه يستطيع لأنّ هذا العقاب يترتّب عليه إنزال الضّرر بفئة كبيرة تضمّ بداخلها من يستحقون المساعدةَ فعلًا، والذين يسعون جاهدين إلى تغيير أوضاعهم.
وبيّن بيوكانن باستخدام نظرية الألعاب أنّ الاختيار الاستراتيجي للمستفيد هو استغلال السامري (الحصول على الأموال + دون مجهود)، آخذًا في الاعتبار يقينه أنّ السامري لن يتوقف أبدًا عن كونه سامريًّا.
والحقيقة أنّه عند تقديم المساعدة أو الهبة أو التبرّع أو الصدقة أو الزكاة، يكون لدى المتلقي خياران: إما استخدام “المعونة” التي حصل عليها لتحسين وضعه، أي ( أموال من السامري+ جهد من جانب المستفيد) ويسمى هنا “المستفيد النشط، أو استهلاكها فيما لا يفيد أو لتحقيق منفعة لحظية (أموال + كسل)، ويسمى هنا المستفيد السلبي.
لا تقتصر الأمثلة على معضلة السامري الصالح على مجال الاعمال الخيرية فقط ، و لكنها تتمتع بتطبيقات كثيرة بداية من النظم الاقتصادية الى التعليم ، و التربية حتى سياسات مواجهة الكوارث الطبيعية، وذلك كما يلي :
معضلة السامري الصالح في النظم السياسية
وتستخدم كثيرًا الحجة ضدّ فكرة الصدقات والأعمال الخيرية كحجة شائعة ضد الشيوعية والاشتراكية على أساس أنّ ما تقدّمه الحكومات إلى شعوبها من دعم وتعويضات للبطالة يماثل في آثارها “الصدقات”، ومن ثمّ فإنّ المستفيدين من هذه المساعدات سوف يصبحون كسالى ومهملين في حقّ المجتمع.
والمحزن أنّه كلما زادت المساعدات التي يحصل عليها الفرد، كلما قلّ احتمال قيامه بالبحث عن حلٍّ دائم لمشكلته.
معضلة السامري الصالح في تربية الأطفال والتعامل مع الجيران
يخشى الآباء مثلًا إذا تعاملوا بطيبة وتسامح مع أخطاء أبنائهم ولبّوا احتياجاتهم المستمرّة أن يستغلّ الأبناء هذا الضعف الأبوي ويكرّرون السلوك المرفوض في المستقبل، وفي نفس الوقت يخشون إذا رفضوا أن يمثّلوا ضغطًا على أولادهم ويؤدي إلى ظهور تشوهات نفسية تعذّب نفس الطفل في المستقبل.
وبالمثل مما ذُكر آنفًا، هل ينبغي أن يسمح فرد ما لأحد الجيران باستعارة مواد غذائية أو أدوات منزلية، الأمر الذي قد يترتب عليه استسهال الجار لهذه الوسيلة دون أن يفكِّر مرَّة أنه لو اشترى طبقًا أو ملعقة شاي سيخفف من عدد مرات طرقه على باب جاره طالبًا للمساعدة؟
معضلة السامري الصالح في نظم التعليم
أحيانًا يلجأ المعلمون في المجال الأكاديمي إلى مايعرف بدرجات الرأفة، وأحيانًا إلى زيادة درجة الطالب الذي يتقدم بشكوى وطلب لفحص أوراقه. وقد يؤدِّي هذا إلى ركون الطلاب إلى فكرة الحصول على درجات الرأفة في بعض المواد بدلًا من بذل جهد دراسي حقيقي في المذاكرة، بل وأحيانًا تزداد أعداد الشكاوي للمطالبة بإعادة التصحيح لأن ذلك يمثل ضغوطًا على المدرسين لمنح درجات أكثر عند إعادة الفحص. ولا شكّ أنّ هذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المستوى التعليمي نفسه.
الحقيقة أنّ هناك أمثلة عديدة أخرى على هذه المعضلة، والتي على الرغم من صعوبة حلّها لعدم قدرتنا على التنبؤ بردّ فعل المتلقي لعمل الخير أو المساعدة، ولكنّ الأمر يستدعي متابعة الشخص أو المؤسسة التي تحصل على المساعدة وإلزامه أو إلزامها بالتصرف وفقًا لشروط معينة، أو من ناحية أخرى يمكن أن تأخذ المساعدات صورة غير نقدية تساعد المتلقي، سواء الفرد أو الدولة، على تحسين أوضاعها وتقليل مستوى الاعتماد على الخير.