الثيوقراطية والمرأة: قراءة في قصّة الخادمة لمارجريت أتوود
أنتم الآن تدخلون كابوسًا فعليًا، فلقد اختفت الولايات المتحدَّة الأمريكية وحلَّت محلها جمهوريَّة “جلعاد”، والحكم الآن ليس للجمهوريين، ولا للديمقراطيين وإنَّما لرجال الدين، فتحوَّل بذلك معقل الحريَّات إلى ثيوقراطيّة.
ستقرأون في رواية “قصة الخادمة” (The Handmaid’s Tale) للكاتبة الأمريكية الشهيرة “مارجريت أتوود” (Margaret Atwood) بعض ملامح هذه الديستوبيا (dystopia) الكابوسيّة، دون التعرُّض بتفصيل كبير لأحداث الرواية نفسها.
ظهور جمهوريّة جلعاد
بدأ نفوذ الجماعة المؤسِّسة لهذه الجمهوريّة في التَّزايد، وأخذ نجمها يسطع جليًا بين الناس كردِّ فعلٍ لعصرٍ أصبحت فيه المواد الإباحية مُتاحة بسهولة أمام الكبير والصَّغير، وعّم البغاء، وازداد العنف وحوادث الاغتصاب ضد النساء.
وعندما أدى التلوُّث البيئي إلى انخفاض معدلات الخصوبة، قامت هذه الجماعة مُستعينة بالجيش باغتيال الرئيس الأمريكي، وأعضاء الكونغرس وشنُّوا انقلابًا على نظام الحكم واستولوا على السلطة، مُعلنين أنَّهم سيتولون السلطة لفترة انتقاليَّة، وقمعوا حقوق المرأة، وحرموا النساء من حق التَّملك وحق العمل. فمثل هذا النظام الاجتماعي في نهاية المطاف يوفِّر للمرأة المزيد من الاحترام والسَّلامة من المجتمع القديم.
والآن لنتناول الشخصية الرئيسية لهذا العمل التي تدعى؛ أوفريد (Offred) وهي خادمة في جمهوريَّة جلعاد، الدولةٌ الشموليَّة التي يحكمها رجال الدين، وأين تكَلَّفُ الخادماتُ بما فيهم أوفريد، بسبب انخفاض معدَّلات الإنجاب إلى مستوياتٍ خطيرة نتيجة للتَّلوث البيئيّ، بمُهمةِ الحمل وإنجاب أطفال للعائلات الغنيَّة التي تُعاني من العقم، وتخدم أوفريد السيد وزوجته (سرينا جوي).
وأوفريد ليس اسم الخادمة الأصلي، والذي لم تكشف عنه الكاتبة طوال الرواية، غير أنَّ كلّ أسماء الخادمات تتكوَّن من “Of” متبوعة بإسم “السيد” وهو (Fred) في هذه الحالة.
إنَّ حريَّة هذه الخادمة مثل بقيَّة النساء مُقيدة جدًا، فهي لا تخرج إلا لقضاء المُشتريات، ولا يمكنها أن تغلق باب غرفتها عليها، ويراقب حركتها البصَّاصون، وفي كلِّ شهر أثناء الفترة المناسبة للحمل منها عند التبويض تُمارس الخادمة الجنس مع السيد دون أيِّ كلمة أو إظهار أي مشاعر على أن تكون الزوجة ممسكة بها أثناء الممارسة.
الردة في حقوق المرأة
في حكاية الخادمة تستكشف مارجريت أتوود التوابع التي قد تترتَّب على حدوث ردة في حقوق المرأة، ففي عالم الكابوس الذي خلقته جيلياد سيطر عالم من المتطرِّفين الدينيين على الدولة وأعادوا النظام والقوانين والحريات إلى ما أسموه “السنن الأصلية” حيث تخضع المرأة كاملًا لسلطان الرجل. ففي جيلياد، النساء ليس لهنّ صوت انتخابيّ، ولا يمكنهنّ العمل أو القراءة! هنَّ فقط أرحام ومبايض،
ومن الغريب أنَّ السلطة كانت تشنُّ حملات توعية مستمِّرة للمرأة، مفادها أنَّ هذا النظام الاجتماعي الذي تطبِّقه الجمهوريَّة؛ يوفِّر للمرأة المزيد من الاحترام والسلامة أكبر بكثير من المجتمع الأمريكي القديم بحرياته المزعومة.
اللغة في قصة الخادمة
تحتوي اللغة المستخدمة في جلعاد على الكثير من المصطلحات الدينية والإشارات للكتاب المقدس، يطلق على الخدم (Marthas)، إشارة إلى شخصيَّة مماثلة في العهد الجديد، وعلى الشرطة “حراس الإيمان”، وعلى الجنود ” الملائكة”، والضبَّاط قادة المؤمنين، ولقد استخدمت هذه الألفاظ الدينية لتخفي وراءها سلطويَّة مقيتة، ولتبيض وجوه الديكتاتورية السياسيَّة من خلال ألفاظ تعكس التَّقوى.
وتذكِّرنا هذه اللغة دائمًا بإصرار مؤسِّسي هذه الدَّولة على العمل وِفقًا لتعاليم الكتاب المُقدَّس، وفي الحقيقة هناك تزاوج بين الدين والسياسة حيث ينامان في نفس المخدع، وحيث يرتفع شعار أن “المباركة الربانيَّة مورد أساسي من الموارد القوميَّة للبلاد”.
رموز الرواية
إنَّ أحد الرموز الصادمة في هذه الرواية كانت جامعة هارفارد، حيث تحوَّلت هذه الجامعة العريقة، إلى سجنٍ لاعتقال النساء الخارجات عن القانون، والذي يديره “البصاصون” المخبرين التابعين للنظام، وتُعلَّق جثث المنشقين على أسوار هذه الجامعة أقصد المركز، وعمليات “الخلاص” أي الإعدامات الجماعية تتم في ساحة هارفارد على أبواب المكتبة، وأصبحت هارفارد رمزًا للعالم الذي حلقته “جيلياد” : مكانا لممارسة القهر والتعذيب بدلًا من طلب العلم والمعرفة.
وفي الختام فإنَّ القصة تنتهي بهروب الخادمة دون أن ندري هل ستنجو أم سيقبض عليها؟.
نرشح لك لماذا تراجع العنف ؟ قراءة في كتاب ” الملائكة الأفضل لطبيعتنا “