قراءة في كتابيْ “مقدمة للفلسفة السياسية” و“الإطار المفاهيمي للفلسفة السياسية: مقدمة للفلسفة السياسية”
لا تُعَدّ الفلسفة السياسية مجالًا معرفيًّا حديثًا، بل هي قديمة وتعود نشأتها للعصر الإغريقيّ مع الفيلسوف السياسيّ “توكيديدس- Thucydides (1) في القرن الرابع قبل الميلاد.
واهتَّمت الفلسفة السياسية بمجالاتٍ عديدة، من الصَّعب حصر نطاقها ومجالها، إلا أنه يمكن القول. (2) إن الفَلْسَفة السياسيَّة تهتم بوضع إطارٍ نظريٍّ للإشكاليَّات السياسيَّة من قبيل:
- لماذا توجد الدولة؟ وكيف سنكون بدونها؟
- لماذا نلتزم بطاعة الدولة؟
- ما أفضل أشكال الحكومات؟
- لماذا تُمْنَح لنا الحقوق والحُرِّيَّات، وما مقدار الحقوق والحُرِّيَّات التي تُمْنَح لنا؟
وعلى هذا يتولَّد لدينا، وَفْق ما يرى (3) بعض الفلاسفة السياسيين، شكلان للفَلْسَفة السياسيَّة:
- “الفَلْسَفة السياسيَّة المعياريَّة- Normative Political Philosophy”: تهتم الفلسفة السياسية المعياريَّة بوضع نموذجٍ معياريٍّ، بعد نقد وتحليل النماذج السياسيَّة الحالية، بشكلٍ يلهم السياسيّ في بنائه وتطويره لمؤسَّسات الدولة، أي تؤثِّر في رؤيته في حَلّ الإشكاليَّات السياسيَّة.
- “الفلسفة السياسية الوصفيَّة- Descriptive Political Philosophy”: لا تضع الفَلْسَفة السياسيَّة الوصفيَّة أي نموذجٍ سياسيٍّ معياريٍّ يستخدمه السياسيّ من أجل مواجهة الإشكاليَّات السياسيَّة، وإنما تصف الواقع السياسيّ بشكلٍ نظريٍّ فقط.
من هذه الرؤى ينطلق كتاب “جوناثان وولف- Jonathan Wolff” والكاتب “فوريو شيروتي- Furio Cerutti”، في محاولة لوضع مقدَّمة للفَلْسَفة السياسيَّة، هنا مقالة في كتابيهما، التي نعدها محاولة متواضعة في وصف الكتابين بشكلٍ نسعى فيه لنقل رؤى الكاتبين بأكبر قدرٍ ممكن.
أولًا: كتاب جوناثان وولف “مقدَّمة في الفلسفة السياسية”:
يُعَدّ كتاب جوناثان وولف من بين الكُتُب البديعة في هذا المجال، التي يتناول فيها الكاتب مسائل عديدة يسعى للإجابة عنها من خلال تقديم رؤيته ورؤية الفلاسفة السياسيين، ويسعى الكاتب في كتابه الإجابة عن ستة أسئلة متفرِّعة عن سؤالٍ واحد، وهو ما هي الفلسفة السياسية؟ وهذه الأسئلة هي:
– لماذا نحتاج إلى الدولة؟
– لماذا نطيع الدولة؟
– من يحكم؟
– ما مكانة الحُرِّيَّة في الدولة؟
– مـا هي طرائق توزيع الموارد في الدولة؟
– ما الفردانيَّة والنِّسْويَّة؟
وسنحاول مناقشة فصول الكتاب بشكلٍ مختصرٍ كما يلي:
أ- لماذا نحتاج إلى الدولة؟
ينطلق الكاتب في كتابه للإجابة عن سؤال لماذا نحتاج إلى الدولة من خلال عرض النظريَّات التي سعت إلى الإجابة عن هذا السؤال، ومن بينها نظرية “توماس هوبز- Thomas Hobbes”. يجيب توماس هوبز عن هذا السؤال (كما هو الحال بالنسبة إلى بقية فلاسفة العقد الاجتماعيّ) بتصور حالة افتراضيَّة، وهي حالة الطبيعة تلك الحالة السابقة على وجود الدولة. يتصوَّر توماس حالة الطبيعة بكونها حالة حَرْب أو استعداد للحَرْب، وذلك بسبب طبيعة البَشَر الميَّالة إلى مصالحهم الذَّاتيَّة والميَّالة إلى الهيمنة على الغَيْر، هذه الحالة ستدفع الأفراد لعقد من أجل إنشاء دولة. وأما “جان جاك روسو– Jean Jacques Rousseau” فلديه تصوُّر معقَّد عن حالة الطبيعة، إذ يرى أن حالة الطبيعة هي حالة انتهت ولن تعود، إذ هي مرحلة من مراحل تطوُّر الحضارة، يبدأ الأفراد متساوين ومسالمين، ولكن ما إن تتطوَّر الحضارة، فتنشأ الفروق، ومن الفروق تنشأ الحروب، ولكن سرعان ما تهيمن بعض الطبقات بفضل إمكانيَّاتها الماديَّة وبمعاونة الدِّين على الدولة. أما “جون لوك- John Lucke”، فيرى أن حالة الطبيعة هي حالة تتسم بالسلم المحكوم بقانون الطبيعة، مع وجود بعض الأفراد الذين يخالفون أحكام قانون الطبيعة(4).
ب- لماذا نطيع الدولة؟
بتعبيرٍ أدق لماذا ندين للدولة بالتزامٍ سياسيٍّ، يختلف الفلاسفة في الإجابة عن هذا السؤال، إذ يرى بعض الفلاسفة أن سبب وجود الالتزام السياسيّ هو الخشية من الفوضى والاضطرابات السياسيَّة، ويُمثِّل هذا الاتجاه ميكافيلي، وتوماس هوبز. أما الفلاسفة النفعيون، فيرون أن المنفعة التي تعود على الأفراد والمجتمع هي التي تبرر الالتزام السياسيّ الذي يكنه الأفراد تجاه الدولة. أما فلاسفة القانون الطبيعيّ فيرون أن سبب التزامنا السياسيّ تجاه الدولة، هو أحكام القانون الطبيعيّ نفسه، إذ نلتزم تجاه الدولة لأن قواعدها تستند إلى القانون الطبيعيّ، التي هي معيار للالتزام السياسيّ، أي أن الدولة لو شرَّعت قوانين تنتهك أحكام القانون الطبيعيّ، فينتهي هنا التزامنا السياسيّ إزاء الدولة(5).
ت- من يحكم؟
يبدأ الكاتب هذا الفصل بالإشارة إلى نقد أفلاطون للديموقراطيَّة، إذ يرى “أفلاطون- Plato” أن النظام الديموقراطيّ لا تنشأ عنه حكومات خيِّرة، إنما تنشأ عنه حكومات غبية وغير حكيمةٍ، ويقترح أفلاطون نظامًا سياسيًّا شيوعيًّا يحكمه الملك الفيلسوف. وهنا يثير الكاتب إشكاليَّة برؤية أفلاطون تتمثَّل في كيف يمكن أن نحمي الفيلسوف من الفساد؟ وكيف نضمن قبول العامة له؟ ثُمَّ يطرح الفيلسوف أشكال الحكومات الديموقراطيَّة التي تكون إما تمثيليَّة (غير مباشرة) أو ديموقراطيَّة شبه مباشرة، يكون في الأخيرة تمثيل الشَّعب واشتراكه فيها على نطاقٍ واسعٍ جدًا مقارنة بالأولى، وخاصة في العملية التَّشريعيَّة. ينتقد جوناثان وولف الديموقراطيَّة شبه المباشرة، لسببٍ بسيطٍ، وهو أن زيادة اشتراك الشَّعب في العمل السياسيّ تقود إلى نتائجٍ غير عمليةٍ بالمرَّة. ويُفضِّل الكاتب الديموقراطيَّة التمثيليَّة التي يوجد فيها نواب يمثِّلون الأفراد في مجال التَّشريع. إذ كيف من المُتَصوَّر مشاركة الأفراد على نطاقٍ واسع في العمل التَّشريعيّ، خاصة مع انشغالاتهم اليوميَّة؟ أليس من الأفضل تكريس أشخاص لهذه المهمة الحسَّاسة؟(6)
ث- ما مكانة الحُرِّيَّة في الدولة؟
يعرض الكاتب المذاهب الأساسيَّة في الحُرِّيَّة وعيوبها في هذا الفصل، ومن بين هذه المذاهب، مذهب “جون ستيوارت مل – John Stewart Mill”، الذي يرى أن الحُرِّيَّة هي ترك المجال للأفراد للتصرُّف بمقدار عدم الإضرار بالغَيْر. ويرفض “مل” مَنْح الحُرِّيَّة للأطفال والهَمَج. ويؤكِّد “مل” أن مَنْح الحُرِّيَّة للأفراد ضروريٌّ، وخاصة في مجال الرأي والتَّعبير عنه، إذ من دون حُرِّيَّة الرأي والتَّعبير عنه، لن نصل إلى الحقيقة مطلقًا. وذلك على العكس من رأي جان جاك روسو، الذي يرى إن إطلاق العنان لحُرِّيَّة التَّعبير عن الرأي، قد تسمح بانتشار آراءٍ تضر الإرادة العامة، مثل الإلحاد. كما يؤكِّد “مل” أن الحُرِّيَّة لا تحمي حقوق وحُرِّيَّات الأفراد من تعسُّف الدولة فحسب، بل ومن تعسُّف المجتمع واضطهاده أيضًا. مهما يكن يقف مذهب “مل” حائرًا أمام إشكاليَّاتٍ جَمَّة تواجه مذهب الحُرِّيَّة، لعل أبرزها: لماذا نُجَرِّم بعض السلوكيَّات التي لا تضر الغَيْر، مثل زنا المحارم؟ يرى جوناثان وولف أن الإجابة عن هذا السؤال لا تكون مرضية في مذهب “مل”، وإنما من خلال الاستعانة ببعض آراء الفلاسفة التقليديين الذين يؤكِّدون ضرورة المُحَافظة على بعض القواعد الأخلاقيَّة العرفيَّة، التي لا يُشكِّل انتهاكها إضرارًا بالغَيْر(7).
ج- ما طرائق توزيع الموارد في الدولة؟
من الأسئلة المهمة التي تواجه الدولة الحديثة اليوم، هي هل يجب أن تُوزَّع الموارد بشكلٍ ينصف الفئات المُسْتَضعَفَة (من الأقليَّات العرقيَّة والدِّينيَّة، والطبقات الفقيرة اقتصاديًّا.. إلخ)، يرى جوناثان وولف أن الإجابة عن هذا السؤال هي نعم، ويستعين الأخير بالإجابة عن هذا السؤال بنظرية “جون راولز- John Rawls” التي تقام على مبدأين وهما:
أ- الحُرِّيَّة المتساوية للأشخاص.
ب- الإقرار بوجود الفوارق بين الأفراد، لكنها ستُنَظَّم بشكل:
– يُحقِّق المساواة في الفُرَص بين الأفراد.
– يمنح امتيازات للأفراد المُسْتَضعَفين(8).
ح- ما الفردانيَّة والنِّسْويَّة؟
وفي الفصل الأخير يسعى الكاتب للبحث عن الأُطُر النظريَّة لمفهوم الفردانيَّة، الذي يتحدَّث فيه عن طبيعة العَلاقة بين الفرد والمجتمع، وكذلك عن الإطار المفاهيميّ وأفكار المدارس النِّسويَّة الحديثة وعن كيفية تحقيق المساواة بين الذكور والنساء(9).
ثانيًا: كتاب “الإطار المفاهيميّ للفَلْسَفة السياسيَّة: مقدَّمة للفلسفة السياسية” لفوريو شيروتي:
تُمثِّل الفلسفة السياسية عند فوريو شيروتي الفيلسوف الإيطاليّ محاولةً لفَهْم البُنَى التي تنشأ من السياسة المُتمثِّلة بالقواعد والمبادئ التي يبرر بها السياسيون تصرُّفاتهم. يختلف فوريو شيروتي عمن سبقه بأنه واقعيٌّ. لا ينطلق الفيلسوف من نموذجٍ معياريٍّ نظريٍّ يكون مقياسًا للواقع في تعريفه للفَلْسَفة ولا باستعراضه للنماذج التاريخيَّة الفَلْسَفيَّة، وإنما من خلال محاولة لوضع إطارٍ نظريٍّ للسياسة كما هي(10).
يستنبط فوريو من التَّعريف الذي وضعه جانبين: موضوعيّ وشخصيّ في السياسة، من خلال تداخل هذه الجوانب تنتج لنا الفلسفة السياسية. يُمثِّل الجانب الموضوعيّ للفَلْسَفة السياسيَّة وجود سُلْطة سياسيَّة تُنظِّم توزيع الموارد (المناصب، الموارد الماديَّة، إلخ) بين الطبقات الاجتماعيَّة المُتَنَازِعَة ( لا يأخذ النزاع المدلول العسكريّ فحسب، بل التنازع الاقتصاديّ والانتخابيّ، صراع ونزاع الهُويَّات داخل المجتمع وأي شكلٍ من أشكال النزاع داخل المجتمع)(11). وبشكلٍ عام تعمل السُّلْطة السياسيَّة في داخل المجتمع على توزيع الموارد وتقرير سُبُل حَلّ الإشكاليَّات. ولا يمكن للسُّلْطة السياسيَّة بشكلٍ عام حَلّ أي نزاعٍ من دون امتلاكها القوَّة الكافية لذلك، وتكون القوَّة إما ناعمة أو خَشِنة (12).
ولا تتخذ السُّلْطة السياسيَّة القرار بالقوَّة فحسب، بل يمكنها اللجوء إلى التواصل أيضًا (13). وقبل إنهاء الفيلسوف للجزء الخاص بالجانب الموضوعيّ، يؤكِّد أنه من دون وجود سُلْطة سياسيَّة ستعم الفوضى والنزاعات غير البنَّاءة داخل المجتمع(14).
وأما عن الجانب الموضوعيّ في السياسة، فهي الشَّرعيَّة والهُويَّة السياسيَّة، بشكلٍ عام تُعرَّف الشَّرعيَّة بكَوْنها الأسباب التي تجعل سُلْطة ما مشروعة، بشكلٍ يقبل فيه الأفراد طاعة السُّلْطة، لكن مشكلة هذا التَّعريف هو أنه لا يُحدِّد ما أسباب كَوْن النظام مشروعًا داخل المجتمع(15).
ومن التعاريف الأخرى للشَّرعيَّة هي ما يجعل من نظامٍ ما مشروعًا داخل المجتمع، وهي تختلف من نظام ٍ إلى نظام ٍ آخر، فبعض النُظُم تستند إلى مشروعيَّتها على العناية الإلَهيَّة وبعض منها إلى القوَّة وغيرها(16).
ومن الشَّرعيَّة إلى الهُويَّة السياسيَّة، فتشير الهُويَّة السياسيَّة إلى الرابطة القوميَّة أو الدِّينيَّة أو المبادئ أو القيم أو مجموعها داخل المجتمع. ينتقد الكاتب المفاهيم القائمة على العِرْق أو القوميَّة لكَوْنهما هُويَّات ذات طابعٍ إقصائيٍّ، فمثلًا تقصي الهُويَّات القائمة على أساسٍ عِرْقيٍّ أي شخصٍ لا ينتمي إلى العِرْق الذي عرفت به الهُويَّة(17).
وعوضًا عن ذلك، يقترح الكاتب مفهومًا حديثًا للهُويَّة قائمًا على مجموعةٍ متنوعةٍ من العناصر لا تقصي فردًا من دون الآخر، مثل الهُويَّات القائمة على أساس المبادئ والقيم والتاريخ المشترك للدولة الواحدة(18).
من خلال تفاعل هذه العناصر الشَّخصيَّة والموضوعيَّة ينجم لنا:
أ- أساس الالتزام السياسيّ.
ب- النظام.
ت- المؤسَّسات.
ث- الدولة.
ج- الحكومة.
التي سنتناولها تباعًا:
أ- أساس الالتزام السياسيّ:
لا يعني الالتزام السياسيّ بصورةٍ عامة طاعة القوانين بمدلولها الشكليّ، وإنما طاعة القوانين بمدلولها الموضوعيّ، الذي يمتد إلى الأعراف القانونيَّة والمبادئ العامة(19). ولا يتصور بشكلٍ عام استمرار الالتزام السياسيّ من الأفراد تجاه الحكومة من دون كَوْن هذه الحكومة شرعيَّة(20).
ب- النظام السياسيّ:
إن ثاني نتيجة لتفاعل العناصر الموضوعيَّة والشَّخصيَّة للسياسة هي النظام، ويعني النظام بشكلٍ عام، الانتظام في الحياة العامة، ويعني وجود حقوق،التي تُساهِم في الحفاظ عليها مؤسَّسات الدولة وخَلْق الطمأنينة بتطهير النظام السياسيّ من الفوضى(21).
ت- المؤسَّسات:
لا يمكن الشروع بإنشاء أي مؤسَّساتٍ سياسيَّة من دون وجود قوانين تسهم في إنشائها، وهذه القوانين يجب أن تكون نابعة من قيم المجتمع ومتواصلة وغير متناقضةٍ، أي لا يمكن تصور وجود مجتمع قائم على قوانين غريبة عن المجتمع. وكما لا يتصوَّر استمرار المؤسَّسات السياسيَّة ونموها من دون وجود قواعد وأهداف واضحة تساهم في تطويرها(22).
وينوِّه الكاتب بشكلٍ عام عن أن المؤسَّسات السياسيَّة لا يمكن أن تتطوَّر وتستمر من دون وجود عنصر الخوف بمخالفة قواعدها، وهذا الكلام ينطبق على كافة المؤسَّسات، إذ إن الشُّعُور المعنوي بقوة المؤسَّسات يسهم في استقرارها(23).
ث- الدولة:
ومن النتائج الأخرى المباشرة لتفاعل الجوانب الشَّخصيَّة والموضوعيَّة للسياسة هي الدولة، التي تعرف عند “ماكس فيبر- Max Weber” بأنها المؤسَّسة التي تمارس القوَّة على أقليم سُكَّان محدَّد(24). ويرى الكاتب أن للدولة الحديثة، كما نشأت في الغرب وانتقلت إلى العَالَم بأسره، ثلاثة عناصرٍ، وهي:
أ- سيادة القانون.
ب- الأمن العام.
ت- الأمن الاجتماعيّ(25).
ج- الحكومة:
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى الحديث عن النتيجة الأخرى لتفاعل العناصر، وهي الحكومة التي عَرَّفها بأنها المؤسَّسة التي تقود الشؤون العامة للدولة(26).
وبعد الحديث عن عناصر النظام السياسيّ الثلاثة الأولى، ينطلق فوريو شيروتي بالحديث عن أشكال الحكومات، وهو لا ينطلق بتقسيمه من النماذج النظريَّة، بل من وصف الواقع السياسيّ كما هو، واستخراج أشكال النظام السياسيَّة منه. يرى الكاتب أن للنُظُم السياسيَّة حاليًا نوعين(27):
الأول: السُّلطويّ: وهو ذلك النظام الذي لا يحترم مبدأ سيادة القانون ولا والحقوق والحُرِّيَّات الفرديَّة.
الثاني: الديموقراطيّ: وهو ذلك النظام القائم على احترام مبدأ سيادة القانون والحقوق والحُرِّيَّات الفرديَّة(28).
ويرى الكاتب أن النظام الديكتاتوريّ سيئ، وذلك لأن عملية توزيع الموارد وتبادل السُّلْطة غير مستقرةٍ به وممكن أن تتحوَّل إلى نزاعٍ مُسلَّحٍ، على العكس من النظام الديموقراطيّ الذي لا تقود فيه عملية توزيع الموارد إلى نتائجٍ كارثيَّةٍ ونزاعاتٍ مُسلَّحة على الإطلاق(29). وعرَّف الديموقراطيَّة بأنها عملية وجود مؤسَّسات، يتنافس فيها الأفراد على الأصوات من أجل الحصول على المناصب(30).
وبعد بيانه أسباب تأييد الديموقراطيَّة، بيَّن الكاتب الأسباب التي تفضي إلى نجاح الديموقراطيَّة، وهي:
– التسامح مع المعتقدات المعقولة، التي لا تُسبِّب نزاعات مُسلَّحة أو تبث روح التطرُّف بالمجتمع.
– “العدالة التوزيعيَّة- Distributive Justice”، التي من دونها لا يمكن تصوُّر مشاركة الطبقات المُسْتَضعَفة في المجتمع(31).
وقبل الختام في ما يخص النظام الديموقراطيّ، أكَّد الكاتب أن أفضل أشكال النُظُم الاقتصاديَّة هي الرأسماليَّة، لكن أكَّد أن عدم الانتباه إلى آثارها السَّلبيَّة قد يقود إلى كوارثٍ داخل المجتمع، وهي:
– خَلْق جهات تفوق الحكومة قوة.
– تأثير الشركات في الحكومات.
– الأضرار التي قد تسببها للنظام الاقتصاديّ في بعض الأحيان.
– التفاوت الطبقيّ(32).
———————————————-
المصادر:
1. JULIAN KORAB-KARPOWICZ, on the History of Political philosophy, Routledge, First Published, PP. 1-16.
2- جون راولز، محاضرات في تاريخ الفلسفة السياسية، ترجمة يزن الحاج، المركز العربي للدراسات للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، ص ١٠-٣٠.
3- Furio Cerutti, Conceptualizing Political Philosophy an introduction to political Philosophy, Routledge, First Published, 2017, PP. 1-24;
Michael A. Gillespie, et. al, Normative Political Theory and Philosophy, Duke Trinity College of Arts and Science, the link:
(Polisci.duke.edu), Accessed at (08/06/2023).
4- Jonathan Wolff, inturdiction to Political Philosophy, Oxford University Press, First Published, 1996, PP. 6-36.
5- Ibid, PP. 34-59.
6- Ibid, PP. 62-101.
7- Ibid, PP. 104-131.
8- Ibid, PP. 133-176.
9- Ibid, PP. 177-201.
10- Furio Cerutti, Op.Cit, P. 3.
11- Ibid, PP. 3-6.
12- Ibid, PP. 10-16.
13- Ibid, P. 16.
14- Ibid, P. 18.
15- Ibid, P. 25.
16- Ibid, P. 26.
17- Ibid, P. 31.
18- Ibid, PP. 33- 37.
19- Ibid, P. 52.
19- Ibid, P. 33.
20- Ibid, P. 34.
21- Ibid, P.47.
22- Ibid, P. 50.
23- Ibid, P. 51.
24- Ibid, P. 54.
25- Ibid, P. 58.
26- Ibid, P. 89.
27- Ibid, P. 89.
29- Ibid, P. 90.
30- Ibid, P. 91.
31- Ibid, PP. 91-96.
32- Ibid, PP. 99-100.
تدقيق لغوي: أمل فاخر