سمير حنا صادق … فارس الثقافة العلمية المجهول!
“التجاهل هو قدر ومصير كل من يكتب في فلسفة العلم أو الثقافة العلمية أو تبسيط العلوم. بالطبع أقصد من يكتب في مصر، لأن هؤلاء في الغرب وفي الدول التي تعرف قيمة العلم مكرمون معززون، يتم الاحتفاء بهم وتكريمهم ووضعهم في مآقي العيون”.
هكذا كتب د. خالد منتصر في مقدمة مقاله الذي يرثي به صديقه د. سمير حنا صادق.
فمن هو د. سمير حنا صادق؟
طبعًا الاسم غريب علينا، ويكاد يكون مجهولًا لكثيرٍ من القرّاء، وهذا هو حال أغلب روّاد نشر الثقافة العلمية في مجتمعاتنا العربية!
لذا أنا في هذا المقال أحاول أن أقدِّم نبذة تعريفية عن د. سمير حنا صادق ذلك الكاتب المجهول.
بداية الرحلة
خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عثرت على كتابين في تبسيط العلوم في المكتبة العامة بمدينتي (إب)، وهما: دردشة عن العلم وحكايات عالِم عجوز، والكتابان من إصدارات مكتبة الأسرة المصرية، هذان الكتابان عرفاني بكاتب اسمه د. سمير حنا صادق ، ذي أسلوب جذاب وواضح في تبسيط المادة العلمية، مما شدني لكي أتعرف أكثر حول هذا الكاتب؛ فانطلقت في ثبج شبكة الإنترنت باحثًا حتى تحصلت على 6 كتيبات إلكترونية له، رغم أني لم أجد عنه لا صفحة على موسوعة (الويكيبيديا) ولا مدونة خاصة، ولا شيء! اللهم صفحة -بائسة- على موقع المعرفة أنشأت في 29/9/2004م، تكاد لا تتجاوز عدَّة أسطر بدون أي توثيق للمادة المعروضة فيها، وحتى صفحة هيئة التدريس في كلية طب جامعة عين شمس -حيث كان يعمل د. سميرحنا صادق – لم تمدني بمعلوماتٍ أكثر مما كُتب في نهايات كتبه الإلكترونية والورقية المتوفرة لدي.
جمعت كل ذلك، وعدت لكتبه المتوفرة منقبًا فيها، علِّي أخرج بسيرةٍ أو شبه سيرة ذاتية للكاتب؛ فخرجت بهذه المعلومات:
أ– سنة مولده
جاء في مقال (يوميات) الذي كُتب في أغسطس 1995م -كما هو مدوَّن في آخره- ضمن كتاب (رحيق السنين): “بلغتُ التاسعة والستين، وهذه أول مرَّة في حياتي يكون سني فيها التاسعة والستين (هاهاها)”.
بحسبةٍ بسيطة يكون تاريخ ميلاد د. سمير هو عام 1926م.
ب- التحاقه بالجامعة وما بعد ذلك
يقول د. سمير حنا صادق في إحدى مقالاته: “رأيتُ اسم (بول غليونجي) لأول مرة عام 1943م، كنتُ في هذه السنة طالبًا بالسنة الأولى بكلية طب جامعة فؤاد الأول (القاهرة) الآن”.
أما عن تخرجه فيقول في مقالٍ آخر: “كنا أربعة قُبض علينا عام 1948م، أثناء مؤامرة مضحكة لعمل انشقاق في إحدى المنظمات السياسية: وليم رزق الله — طالب بنهائي طب وحاليًا أخصائي أمراض نساء، عبد المنعم الغزالي — حاليًا خارج القطر، حسين الغمري طالب هندسة وبعد ذلك د. حسين الغمري أحد أهم المشتغلين بإدارة الصحف، وقدر توفي إلى رحمة الله منذ أعوام قليلة، وكنت طالب بنهائي طب”.
وعن تعيينه معيدًا في الجامعة يقول: “في عام 1951م، كان (غليونجي) رئيسًا لوحدة الغدد الصماء بكلية طب جامعة إبراهيم باشا (جامعة عين شمس الآن)، وعُينت في ذلك الوقت معيدًا بقسم الكيمياء الحيوية بالكلية”.
والمذكور عن دراساته العليا أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة العلوم الطبية من جامعة لندن، ويحدِّد موقع المعرفة ذلك بتاريخ 1960م.
ج- الزمالة والتفرغ
جاء في النبذة المختصرة في نهايات كتبه أن د. سمير حنا صادق حاصل على زمالة الكلية الملكية للباثولوجيين بإنجلترا عام 1970م، كما حددها موقع المعرفة.
أما عن عمل د. سمير فيقول هو في أحد مقالاته: “غني عن البيان أن مؤلف الكتاب -يقصد كتاب نشأة العلم في مكتبة الإسكندرية القديمة- هو مجرد أستاذ جامعي في أحد فروع الطب (الكيمياء الإكلينيكية)”.
وجاء في النبذة المختصرة أنه الرئيس الأسبق لأقسام الباثولوجي الإكلينيكية بكلية طب جامعة عين شمس، ويضيف موقع المعرفة “عمل رئيس قسم الطب العلمي -الأصح المعملي- 1987م”
أما عن التفرغ فأغلب كتبه الأخيرة تقول نبذاتها المتخصرة: “أستاذ غير متفرغ بكلية طب بجامعة عين شمس”، في حين يذكر موقع الجامعة وموقع المعرفة أنه “أستاذ متفرغ”، بل ويضيف موقع المعرفة: “وهو الآن أستاذ متفرغ بقسم الطب العلمي -الأصح المعملي- بجامعة عين شمس منذ عام 1987م”.
والأقرب للصحة أنه متفرع نظرًا لفترة الخدمة التي قضاها في الجامعة.
د- لجنة الثقافة العلمية وإضافات أخرى
كُتب في نهايات كتبه الأولى أن د. سمير حنا صادق “عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة”، في حين مكتوب في نهايات كتبه الأخيرة “مقرر لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة”، أما موقع المعرفة “رئيس لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة”، لكني لم أجد هذه المعلومة “رئيس” فيم توفَّر بين يدي من مراجع، لذا سنثبتها (مقرر) كما جاء في كتبه المتأخرة، وأغلب مقالاته المنشورة في الأهرام.
ومن المعلومات الأخرى عنه:
- نائب رئيس الجمعية المصرية للطب المعملي.
- عضو المكتب الاقتصادي لحزب التجمع.
- عضو اتحاد الكتّاب.
- عضو شعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجالس القومية المتخصصة.
هـ – تاريخ وفاته
غير موثق مثل تاريخ ميلاده، وليس هناك سوى احتفائية المجلس الأعلى للثقافة التأبينية (الأربعينية) له يوم 26/11/2011م كما نشرت الصحف، وكذلك ما كتبه محمد القصبي في صحيفة الوطن: “كان عالمًا كبيرًا ومفكرًا عظيمًا، ومهتمًا بنشر الثقافة العلمية، ولقد رحل عن دنيانا خلال شهر أكتوبر الماضي”!
الواقع ليس في أكتوبر بل في سبتمبر 2011م، ويشهد بذلك مقال د. خالد منتصر حول رحيل د. سمير والمنشور في صحيفة المصري اليوم، بتاريخ 28/9/2011م، وكذلك بالتواصل مع الدكتورة سها سمير -ابنة د. سمير-؛ حيث حدَّدت يوم 20 سبتمبر 2011م هو تاريخ وفاة والدها.
وكذلك حصلتُ على صورةٍ شخصيةٍ يتيمة للدكتور سمير حنا صادق ، بعد أن عجزت أن أجد له صورة شخصية واحدة في ثبج الإنترنت المليء بمليارات الصور!
و- كتبه
جاء في موقع المعرفة كلامًا كأنه تصريح للدكتور سمير نفسه، يقول فيه:
“في فترة السنوات العشر الماضية أصدرت اللجنة -يقصد لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة- مئات من الكتب المترجمة والمؤلفة ونالت بعضها إعجابًا وإقبالًا شديدًا، ويكفي أن أُوكِّد أن د. أحمد مستجير له ما يزيد على 50 كتابًا تم نشرهم من خلال اللجنة، فضلًا عن عدد من الكتب لكل من د. نبيل علي ود. أحمد شوقي ود. مصطفى فهمي ود. رؤوف حامد وغيرهم، بالإضافة إلى 25 كتابًا قمت بإصدارها، فضلًا عن الدوريات والنشرات والمجلات؛ ولكن المشكلة أننا شعب لا نقرأ كثيرًا ولم تعطِ وسائل الإعلام عناية كافية لهذه المطبوعات، ولذا يكون توزيع هذه المطبوعات ضعيفًا ولا يتجاوز الـ 2000 نسخة”.
وهنا أسماء هذه الكتب كما استخلصتها من التعريفات له في نهايات كتبه:
- عصر العلم – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1992م، فاز هذا الكتاب بجائزة أحسن كتاب عن العلم في اليوبيل الفضي للهيئة عام 1992م.
- رحيق السنين – كتاب الأهالي رقم 55 – يناير 1996م.
- رحلة البيجل – المجلس الأعلى للثقافة – 1997م.
- العلم في مكتبة الإسكندرية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1998م.
- بين العلم والدجل – الهيئة المصرية العامة للكتاب -مكتبة الأسرة- 1998م.
- عبق العلم – المجلس الأعلى للثقافة – 1998م.
- هكذا تحدث كارل ساجان – قراءة في كتب ثلاثة للعالم المشهور – سلسلة كراسات عروض- المكتبة الأكاديمية – 1999م.
- دردشة عن العلم – دار العين للنشر – مكتبة الأسرة – 1999م.
- صبي الساحر: نماذج من العلم الرديء – سلسلة كراسات عروض- المكتبة الأكاديمية – 1999م.
- دردشة في السياسة – دار الثقافة – 2000م.
- مستقبل المرض -ترجمة- دار الثقافة – 2000م.
- العلم ومستقبل العالم – دار العين للنشر– 2000م.
- الإيمان والتطور -سلسلة كراسات عروض- المكتبة الأكاديمية – 2001م.
- الثقافة العلمية والقيم الإنسانية – سلسلة اقرأ – دار المعارف – 2001م.
- طبيعة العلم غير الطبيعية -ترجمة- المجلس الأعلى للثقافة – 2001م.
- العلوم الطبيعية – خواصها وملامح تاريخها وبعض أعلامها – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2002م.
- حكايات عالم عجوز – دار العين للنشر – مكتبة الأسرة – 2003م.
- هكذا تحدث ناعوم تشومسكي – قراءة في ثلاثة أعمال مفكر أمين -سلسلة كراسات عروض- المكتبة الأكاديمية – 2003م.
- 11/9 تشومسكي يتحدث عن إعصار سبتمبر -سلسلة كراسات عروض- المكتبة الأكاديمية – 2003م.
- نشأة العلم في مكتبة الإسكندرية القديمة – دار العين للنشر – 2003م.
- التقاء الإنسانيات والعلوم الطبيعية -سلسلة كراسات عروض- المكتبة الأكاديمية – 2004م.
- تنينات عدن – تأملات في تطور ذكاء الإنسان -ترجمة- المجلس الأعلى للثقافة – 2005م.
- سحرة وصبية: نعم، ليس لدينا نيوترونات – ترجمة – المركز القومي للترجمة – 2005م.
- ثرثرة عالِم عجوز -المجلس الأعلى للثقافة- يونيو 2006م. (ذكر ذلك الأستاذ فاروق شوشة في مقالٍ له في الأهرام).
- العلم والبيولوجيا: عندما ضم العلم البيولوجيا تحت رايته – المجلس الأعلى للثقافة – 2007م.
- الثقافة العلمية وقضايا المجتمع -ترجمة- المجلس الأعلى للثقافة – 2007م.
- من بازلاء مندل إلى الخلايا الجذعية: اكتشاف الوراثة – ترجمة – دار إلياس العصرية – 2008م.
- العلم والخرافة – أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا – 2009م.
وكان د. سمير حنا صادق قد أثبت كتابًا له اسمه (العلم الجيد والعلم الجيد والخرافة) بعبارة (تحت الطبع) في نهايات بعض كتبه الأخيرة، وكذلك أثبت اسمه الأستاذ فاروق شوشة في مقاله المنشور في الأهرام عام 2007م، لكن الموجود لدينا قريبًا من هذا العنوان هو كتاب (العلم والخرافة) الصادر عن أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في عام 2009م، فهل هو نفس الكتاب أم كتاب آخر؟
وكذلك كتاب لم يتم التأكد، هل هو المترجم أم أنه المقدّم لترجمة الكتاب؟
إنه كتاب (سلسلة التفاعلات المتسلسلة: من الميكروسكوب إلى أبحاث الخلايا الجذعية -اكتشاف الطب التجريدي-)، الصادر عن دار إلياس العصرية في عام 2008م.
لقد بذل د. سمير حنا صادق قصارى جهده في إيصال كلمة العلم مكتوبة عبر مقالاته وكتبه المنشورة، ويشهد بذلك الأستاذ فاروق شوشة قائلًا: “ولا نكاد نعرف أحدًا من علمائنا المعاصرين -في أي مجال من مجال التخصص العلمي- أعطى للعلم وقضاياه هذا القدر من التفرغ والاهتمام المتواصل عبر عقودٍ متصلة من الزمان، أصبح للدكتور سمير فيها مدرسته العلمية والفكرية، وتلامذته ومريدوه، والمتحلقون من حوله في مجالسه وصالوناته الثقافية”.
ودعونا نتساءل أخيرًا: لماذا غاب ذكر هذا الرجل؟
أجد الإجابة عن هذا السؤال في إحدى مقالات د. سمير نفسه حيث يقول: “والقضية ببساطة هي أن العلم في بلدنا مُزدرى، وأننا رغم ما نزعمه أحيانًا من تقديرٍ للعلم؛ فنحن كثيرًا ما نقول (علم) ونحن نقصد (تكنولوجيا مستوردة)، بل نحن في أغلب الوقت نقول (علم) ونحن نعني (الخرافة) أو (الخرافة المعلمنة)، وقد استشرت الخرافة في بلدنا واتسع نطاقها إلى أوسع مدى، فعلاوة على وجودها في الفئات الأمية كمصدرٍ سيِّء للمعرفة، فإنها تنتشر بشكلٍ أخطر بين الطبقات المتعلمة، ولعل أخطر أنواع الخرافة ما يتغلف بغطاء من العلم الزائف”.
المصادر: خالد منتصر، "سمير حنا صادق"، المصري اليوم بتاريخ 28 سبتمبر 2011م. موقع المعرفة، "سمير حنا صادق"، 29 سبتمبر 2004م. جامعة عين شمس، "سمير حنا صادق" http://www.asu.edu.eg محمد القصبي، "رحل سمير صادق، هل تعرفونه؟!"، الوطن، بتاريخ 7 نوفمبر 2011م. حفل "تأبين" الدكتور سمير حنا صادق بالأعلى للثقافة، اليوم السابع، بتاريخ 26 أكتوبر 2011م. فاروق شوشة، "ثرثرة عالِم عجوز"، الأهرام، بتاريخ 6 مايو 2007م.