تعريفات ترامب الجمركية: تأثير مدمّر على الاقتصاد العالمي | زينب الشريف

شاهدتُ مؤخّرًا فيلم «السعي نحو السعادة – The Pursuit of Happyness»، ذلك العمل الإنساني الذي خلّد رحلة “كريس جاردنر” في سعيه العنيد نحو النجاح، رغم الفقر والتشرد والظروف الاقتصادية القاسية. كانت معركته شخصية، تدور في أروقة البطالة وأسواق العمل المحلية.

لكن العالم اليوم يواجه معركة من نوع آخر؛ فالتحديات الاقتصادية لم تعد نابعة فقط من الداخل، بل باتت تُغذَّى بصراعات تجارية عالمية، وقرارات كبرى تهزّ الأسواق وتقلب موازين التجارة، كما يحدث الآن في ظل تصاعد الحرب الجمركية بين الولايات المتحدة والصين.

من منا لم يُتابع الأخبار التي تحدّثت عن الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على السلع المستوردة؟ وما هي الرسوم الجمركية؟ وكيف تؤثّر في أسعار السلع التي نقتنيها؟

دعونا نستعرض في هذا المقال ماهية تلك الرسوم ومدى تأثيرها على الأسواق المحلية والعالمية، وكيف تتداخل مع الحياة اليومية للمستهلكين والشركات.

ما هي الرسوم الجمركية؟

هل سبق لك أن دخلت متجرًا لتشتري هاتفًا أو جهازًا إلكترونيًا، وفوجئت بأنّ سعره ارتفع كثيرًا عن آخر مرة رأيته فيها؟ قد تظن أنّ السبب هو ارتفاع سعر الصرف أو نقص في المعروض، لكن هناك عامل آخر خفي يؤثّر في الأسعار دون أن نراه مباشرة، وهو الرسوم الجمركية.

إعلان

ببساطة، الرسوم الجمركية هي ضريبة تفرضها الدولة على السلع المستوردة من الخارج، أي أنّ كل سلعة تدخل البلاد تُحمَّل بتكلفة إضافية تذهب للحكومة.

لكن لماذا تلجأ الدول إلى هذا النوع من الضرائب؟

السبب الأوّل هو حماية الصناعة الوطنية، فعندما تكون السلع المستوردة أرخص من المنتجات المحلّية، تصبح الشركات الوطنية في خطر، ولذلك تُستخدم الرسوم لخلق توازن في الأسعار وتشجيع الإنتاج المحلي. السبب الثاني هو أنّ هذه الرسوم تُعدُّ مصدرًا مهمًا للدخل الحكومي. والسبب الثالث هو أنها أحيانًا تُستخدم كسلاح سياسي للضغط على بعض الدول.

تختلف الرسوم الجمركية في طبيعتها وطريقة احتسابها بحسب نوع السلع المستوردة، وسياسات كل دولة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

الرسوم الجمركية النسبية: وهي التي تُحتسب كنسبة مئوية من قيمة السلعة المستوردة. فمثلًا، إذا كانت الرسوم 10% على الهواتف المحمولة، وتم استيراد هاتف بقيمة 1000 دولار، تُضاف عليه رسوم بقيمة 100 دولار. فيُصبح السعر النهائي للهاتف المستورد بقيمة 1100 دولار.

الرسوم الجمركية النوعية: وتُفرض كمبلغ ثابت على كل وحدة مستوردة، بغض النظر عن سعرها، مثل فرض 5 دولارات على كل كيلوجرام من القمح.

الرسوم المُركبّة: وهو مزيج من النوعين السابقين، حيث تُحتسب جزءًا كنسبة مئوية من السعر، وجزءًا آخر كمبلغ ثابت.

التأثيرات الإيجابية للتعريفات الجمركية

رغم الجدل الكبير الذي يثار حول الرسوم الجمركية، فإن لها العديد من التأثيرات الإيجابية التي تجعلها أداة مهمة في يد صنّاع القرار الاقتصادي. يُعد أوّل هذه التأثيرات هو حماية الصناعات المحلية، حيث تساعد هذه الرسوم على تقليل المنافسة مع المنتجات الأجنبية الأرخص سعرًا، مما يمنح الشركات الوطنية فرصة للنمو والتطور، ويوفر بيئة آمنة للاستثمار المحلي.

كما تُساهم الرسوم الجمركية في توفير وظائف جديدة، فكلما ازداد الاعتماد على الإنتاج المحلّي بدلًا من الاستيراد، زادت الحاجة إلى العمالة، مما يساعد في تقليل نسب البطالة. بالإضافة إلى ذلك، تُعدُّ الرسوم الجمركية وسيلة فعالة لـتعزيز الإيرادات الحكومية، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات، حيث توفّر هذه الرسوم مصدرًا ثابتًا لدعم ميزانية الدولة وتمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة.

الأضرار والتأثيرات السلبية

على الجانب الآخر، لا يمكن إنكار أنّ للرسوم الجمركية آثارًا سلبية قد تظهر على المدى القريب أو البعيد، خاصة إذا لم تُستخدم بحذر أو وُضعت بشكل عشوائي. أولى هذه الآثار هي ارتفاع أسعار السلع للمستهلك النهائي، مما يُثقل كاهل المواطن العادي ويقلل من قدرته الشرائية.

كما أنّ هذه الرسوم قد تؤدي إلى تراجع تنوّع المنتجات في الأسواق، حيث يصبح استيراد بعض السلع مكلفًا أو غير مجدٍ اقتصاديًا، ما يقلّل من الخيارات المتاحة أمام المستهلك. بالإضافة إلى ذلك، قد تُسبّب احتكاكات تجارية بين الدول، فإذا فرضت دولة ما رسومًا مرتفعة على واردات دولة أخرى، قد ترد الأخيرة بإجراءات مماثلة، ما يؤدي إلى ما يُعرف بـ”الحرب التجارية” التي تضر بجميع الأطراف. كما أنّ بعض الصناعات المحلّية قد تصاب بـالركود على المدى الطويل نتيجة غياب المنافسة، مما يُقلّل من جودة المنتجات ويُضعف الابتكار.

الصراع الحالي بين الولايات المتحدة والصين

تُعتبَر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أبرز الأمثلة الواقعية على استخدام الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي. بدأت هذه المواجهة في عام 2018، خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين قررت الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية مرتفعة على مئات السلع المستوردة من الصين، بحجة وجود عجز كبير في الميزان التجاري الأمريكي، وممارسات صينية تتعلق بالحقوق الفكرية -رأتها إدارة ترامب غير عادلة. وردّت الصين سريعًا بإجراءات مماثلة، وفرضت رسومًا على منتجات أمريكية كالسيارات وفول الصويا.

أدّى هذا التصعيد إلى اضطراب كبير في الأسواق العالمية، وخلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين، كما تضرّرت الشركات والمستهلكون من كلا البلدين نتيجة ارتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على بعض المنتجات. ومع الوقت، اتّسعت دائرة التأثير لتشمل دولًا أخرى تعتمد على سلاسل التوريد العالمية التي تمر عبر الصين أو أمريكا. ورغم توقيع اتفاق “المرحلة الأولى” بين البلدين في بداية 2020، إلا أن التوتر لم يختفِ تمامًا، ولا تزال آثار هذه الحرب التجارية تُلقي بظلالها على العلاقات الاقتصادية العالمية حتى اليوم.

وعندما عاد الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في الفترة الحالية، عادت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين لتتصدر المشهد العالمي من جديد. ففي فبراير الماضي، بدأت أمريكا برفع الرسوم الجمركية إلى 10% على مجموعة من السلع الصينية، وردّت الصين سريعًا بفرض 15% على واردات أمريكية حيوية كالنفط والفحم والمعدّات الزراعية.

ثم جاء مارس بتصعيد أكبر، حيث أعلنت الولايات المتحدة رفع الرسوم إلى 20%، مما دفع الصين للرد بفرض رسوم 15% على القمح والدجاج والقطن، و10% على منتجات مثل الصويا واللحوم والفواكه، وهو ما اعتبره المحلّلون إيذانًا بدخول الحرب التجارية مرحلة حرجة.

وبحلول أبريل 2025، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجأة بإعلانه رفع الرسوم إلى 125% على السلع الصينية، في خطوة وُصفت بأنها الأعنف منذ بداية التوترات، أعقبه رد الصين برفع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية أيضًا إلى 125%، مما دفع ترامب إلى تعليق مؤقّت لتنفيذ بعض الرسوم لمدة 90 يومًا، لإعطاء فرصة للمفاوضات وامتصاص غضب الأسواق.

ووفقًا لموقع «ستاتيستا – Statista»، فإن النسبة المتوقعة لتغير أسعار المنتجات الزراعية والغذائية المحلية والمستوردة في الولايات المتحدة نتيجة فرض الرسوم الجمركية على الصين والمكسيك وكندا في عام 2025 هي كالتالي:

تأثير الصراع على الدول العربية

رغم أنّ الدول العربية ليست طرفًا مباشرًا في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، إلا أن الانعكاسات وصلت إلينا بطرق متعددة، بحكم ارتباطنا الوثيق بالأسواق العالمية. فالرسوم الجمركية المتبادلة بين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين أدت إلى اضطراب في سلاسل التوريد العالمية، الأمر الذي انعكس على أسعار كثير من السلع المستوردة التي نعتمد عليها في العالم العربي، سواء كانت مواد خام، أو منتجات إلكترونية، أو قطع غيار صناعية. أضف إلى ذلك أنّ حالة عدم الاستقرار في الأسواق العالمية أثّرت على الاستثمارات الأجنبية في المنطقة، وخلقت حالة من الترقّب لدى الشركات والمستثمرين. وحتى الصادرات العربية تأثرت، لأن تباطؤ النمو العالمي الناتج عن هذه الحروب الجمركية، قلّل من الطلب على النفط والمواد الأولية، وهو ما أصاب بعض اقتصاداتنا بالتراجع في الإيرادات.

قد نظن أحيانًا أنّ ما يجري بين القوى العظمى في العالم لا يعنينا، وأنّ معارك الاقتصاد والسياسة تُخاض في عوالم بعيدة عنا؛ لكن الحقيقة أنّ كل قرار يُتّخذ هناك، نجد صداه هنا في تفاصيل يومنا، في أسعار السلع، في فرص العمل، وفي مستقبل أبنائنا. فالرسوم الجمركية ليست مجرد تعريفة تُفرض على سلعة، بل هي وجه آخر لصراع النفوذ والسيطرة في عالم لا يعترف بالضعفاء.

فإن كنا خارج ساحة المعركة، فنحن بكل تأكيد داخل دائرة التأثير. ولذا، فإن فهمنا لهذه الملفات ليس ترفًا، بل ضرورة تفرضها حياتنا اليومية، وطريق لفهم ما ينتظرنا في مستقبل تُرسم ملامحه خلف الأبواب المغلقة.


المصادر:
https://www.reuters.com/business/finance/world-bank-warns-that-us-tariffs-could-reduce-global-growth-outlook-2025-01-16/

https://www.reuters.com/world/wto-says-trade-between-us-china-could-decrease-by-much-80-2025-04-09/

https://www.reuters.com/business/autos-transportation/trumps-tariffs-chinese-parts-cybercab-semi-disrupt-teslas-us-production-plans-2025-04-16/?utm_source=chatgpt.com

https://www.windowscentral.com/news/live/tariffs-2025?utm_source=chatgpt.com

https://www.latimes.com/politics/story/2025-04-09/china-pauses-global-tariffs-escalates-trade-war-china-markets-surge

 

إعلان

اترك تعليقا