تاريخ نشأة الكوميكس.. مقارنة بين الماضي والحاضر
منذ الصغر اعتادت آذاننا على حكايات الجدات الخرافية ومتابعتها بمزيج محفوف بالشوق والجذل. تطور هذا الشغف إلى متابعة الكوميكس الغربي مع الوقت، لكن هل كانت القصص المصورة التي تواجدت بين أيدينا بصورتها القائمة هي الشكل الوحيد المتعارف عليه للقصة المصورة؟
بدايات الكوميكس
اكتشف العلماء أن تاريخ القصة المصورة يرجع إلى عهد القدماء المصريين، حيث وجدها العلماء في مقابر بني حسن بالمنيا، ويرجح تاريخ رسومها إلى عصر الدولة الوسطى حيث تظهر الرسوم مقسمة إلى شرائط عرضية تمامًا كالقصص المصورة الحديثة، وهناك أيضًا عمود “تراجان” في روما ونسيج “نورمان” من القرن الحادي عشر ووجدت في أعمال مايكل آنجلو في كنيسة “سيستين” ونقوش “ويليام هوقارث” التي تعود للقرن السابع عشر وغيرها الكثير كرسوم ولوحات كهف “لاسكو” وأيضًا في اليابان “المانغا” التي تواجدت في ما قبل القرن الثاني عشر.
ظهور فن المانجا
فن “المانغا” وبالرغم من أن كانت بدايته في القرن الثاني عشر إلا أنه ظهر بقوة في فترة الـ«Edo» اليابانية. وهي الفترة من 1603 و1867 حيث اشتهرت بالنماء الاقتصادي والرخاء العام. ولاحقًا تم استخدام مصطلح “مانغا” لجميع الرسوم التي تحكي قصصًا بداخل اليابان. ولها أسلوب قراءة معين من اليمين لليسار ومن أعلى لأسفل، ففي الأصل الكلمة ترمز لأي عمل صوري-قصصي يُنشر بداخل اليابان، مهما كان منشؤه. ومن أهم مظاهر “المانغا” ظهور قصصها بالأبيض والأسود والحبر ولم يتم إدخال الألوان إلى فن المانغا إلا في أوقات قليلة للغاية، فأبرز ما يميزها هو خلوها من الألوان فهي تعتمد على التحبير بدرجاته لإيصال المعنى.
لكن هل القصة المصورة “الكوميكس” هي مجرد مجموعات من القصص الخيالة غرضها هو التسلية فقط؟
بالطبع لا، فالقصص المصورة مزيج رائع بين ثقافات الشعوب كالحكاوي الشعبية ممزوجة بالتكنولوجيا تارة وبالحكايات الخيالية تارة أخرى، كما تحتوي على العديد من الإسقاطات السياسية مما ساهم في أن تضُمها الصحافة تحت عباءتُها منذ القرن التاسع عشر. لكن أول تطور ملحوظ كان بسبب الفنان التشكيلي الإنجليزي “ويليام هوجارث” الذي قام بعمل قصص من عدة لوحات متتالية في عام 1730 م. ومن بعده السويسري “رودلف تويفر” الذي أعد تقريبًا أول شيء يمكن أن نقول إنه ينتمي لهذا النوع من الفن عندما نشرت “حكايات السيد جابو” سنة 1830 م.
ومن قبلها بأربع سنوات قد بدأ الشكل المعهود والذي نعرفه حتى اليوم للقصص المصورة يأخذ خطوة حقيقية وجريئة، فقد قامت مجلة (Glasgow Looking Glass) بطباعة أول قصة مصورة في عام 1826، وكانت متخصصة في السخرية من السياسة وخطوط الموضة في ذلك الوقت، وكانت توزع طبعاتها على الحانات وأماكن العمل في جلاسكو باسكتلاندا.
وبالرغم من دور “وليام هوجارث” الباز لكن ظل “رودولف تويفر” هو أول من نجح في نشر هذا النوع من الفن، حيث لاقت قصصه نجاحًا واسعًا وروجت في أوروبا وأمريكا، ووضع “رودولف” الخطوط العريضة لفن القصص المصورة حيث ذكر في مقالته علم physiognomies أو علم الفراسة:
“لبناء قصة مصورة، لا يشترط أن تكون بارعًا في الرسوم، وهذا يعني أن ابتكار الرسوم بقلم رصاص ووضع بعض الكلمات لن يحقق هذا الهدف. يجب أن تخترع مسرحية في عقلك، حيث تقوم بترتيب أجزاء من القصة وتشكلها في شكل أحداث متتابعة. الموضوع ليس مجرد نكتة أو مزحة تقوم برسمها”.
الانفجار للكوميكس
الانطلاقة الكبيرة أو ما يسمى بالانفجار للكوميكس صاحب بداية القرن العشرين تحديدًا في ثلاثينات ذلك القرن في أوروبا ببلجيكا، فكانت قصاصات (مغامرات تان تان) التي كتبها “هيرجيه” نقلة في عالم القصص المصورة والتي تحولت بعد ذلك إلى قصص كاملة في مجلدات، فساعدت على انتشار هذا الفن وانتقلت إلى أوروبا كلها ولاقت نجاحًا كبيرًا.
وفي عام 1938 بدأت مجلة Action Comics في الانتشار وعلى غلافها صورة للبطل “سوبر مان”، والذي انتشرت قصصه كرصاصة أصابت هدفها وقام بإبداعها “جيري سيجل JERRY SIEGEL” و “جو شاستر JOE “SHUSTER ، وظهور باتمان أو الرجل الوطواط من إبداع “بوب كين BOB KANE”, مساعدين بذلك فى خلق وتوصيف الكومكس الأمريكى المعروف بقصص الأبطال الخارقين” “SuperHeroes.
ولازمها في ذلك الوقت صحوة في “المانغا” اليابانية تزعمها “اوساموا توزوكا” الذى قام بنشر قصص تصل الى مئات الصفحات للقصة الواحدة، متبنيًا منظور سينيمائى للأحداث في رسوماته، وكان الموضوع أشبه بحرب تنافسية بين أمريكا واليابان كالتي قامت على أرض الواقع.
ظهور الروايات المصوّرة
مع بداية الخمسينات و ظهور العظماء الأربع في عالم الكوميكس “ستان لي STAN LEE” و “ستيف ديتكو STEVE DITKO” و “جاك كيربي JACK KIRBY” الذين قدموا “سبايدرمان وشخصيات أخرى مذهلة بدأت المرحلة الثانية في عالم الكوميكس كما نعرفه ولاقت نجاحًا مبهرًا أكثر من سابقيها، وازداد عدد المتابعين و المعجبين بعالم القصص المصورة، فكان لابد من نقل هذا الفن لمرحلة أخرى أكثر نضجًا و تقديمه في كتاب، وقام بذلك العبقري الأمريكي “ويل آيزنر” الذي قدم لأول مرة مصطلح “جرافيك نوفل” أو الروايات المصورة، فقدم رواية “عقد مع الرب” و استمر فى نجاحاته حتى مات وحتى الآن أهم جائزة للكومكس في أمريكا تقدم باسمه.
بالانتقال الى حقبة العصر الفضى فى السبعينات بدأ الخارجون عن كل نظام محافظ أمثال “روبرت كرمب ” يأسسوا لطريقة جديدة عن طريق رسم وكتابة مجلاته من الغلاف للغلاف، وجد الناس فيها مواضيع يومية حقيقية و رسوماته جعلتها أقرب للشباب من رسومات الصناعة الضخمة و لأنه كان يبيعها ف محطات المترو سموها (الأندرجراوند) على اسم محطات مترو أمريكا.
الفن التاسع
مع الوقت تحولت القصص المصورة من كتب هزلية تُقدم للأطفال إلى فن يقدّره الجميع بل لُقب بالفن التاسع حتي صارت شركات مثل “دي سي” و “مارفل” علامات مميزة يعرفها الجميع بأمريكا و في جميع أنحاء العالم، فعندما فُقِد العالم “ستان لي” – وهو مدير شركة ” مارفل” كوميكس- فقدنا عقل إبداعي خارج عن المألوف فما كتبه “ستان لي” ليس مجرد قصصات هزلية فهو أول من جعل من أبطاله الخارقين أبطالًا لا يتحلون بالكمال بدلًا من خلق أبطال بصفات كاملة ومثالية، وخلق عوالم كاملة تعتمد على الفانتازيا الممزوجة بالتكنولوجيا والخيال العلمي و الأساطير و في نفس الوقت تبرز المشاكل السياسية و الإجتماعية في إسقاطاته على أبطاله والعوالم التي يمتزجون بها.
وعلى كل حظي فن القصة المصورة بما يستحقه اخيرًا من تقدير، فهو فن لا يكف عن تطوير ذاته، واقترانه بالسنيما بشكل كبير منذ أوئل القرن الحادي والعشرون أضاف إليه جاذبية جديدة لمن لم يهتم بقراءة القصص المصورة فأصبح له ثقل أكثر من القرن السابق ولا أعتقد أنه سيكف عن إبهارنا في المستقبل. .
المصادر: comics gate مقالات أستاذة غادة مصطفي ناقد فني و أستاذ منتدب بجامعة الزقازيق مقالات منوعة عن الكوميكس استاذ فريد أبو ذكري من موقع arageek.com