المدرسة: القاتل الصامت للإبداع
“مقعدٌ وسبورة واختبار” مفرداتُ التعليم التقليدي التي وسمت أجيالًا بكاملها، أطفالٌ دخلوا بوابات المدارس وخرجوا شبابًا مع قرعِ الجرس. لو أمسكت أحدهم من ياقته وسألته بتجرُّدٍ عن ما قدَّمت له المدرسة فهل سيكون جوابه مرضيًا لذاته المستقبلية؟ وهل التعليم التقليدي قدَّم له المعرفة والتنمية؟. فما هي إذن سلبيات التعليم التقليدي وكيف تؤثِّر على شخصية الطفل؟
ربما سيكون من المفيد أن ندرك كيف نشأت المدارس بنظامها الحالي، وإذا ما كان التعليم التقليدي قد تمّ تصميمهُ عمدًا ليكون قاتلًا للإبداع.
المدارس مصانع العمال:
يعود نظام التعليم التقليدي إلى العصر الفيكتوري للإمبراطورية البريطانية، وقد شهد هذا العصر الثورة الصناعية الأولى، عندما كانت بريطانيا العظمى في ذروة أمجادها.
مجتمع ما قبل الثورة الصّناعية كان معتِمدًا في اقتصاده على الزراعة والحرف اليدويّة، فكان الإنسان الزّراعي إنسانا موسميا يتبعُ طقوس الفصول من بذرٍ وحصاد. ساعاتُ عمله مرنة ومساحات أداءه مفتوحة، لذلك تطلب العمل في المصانع ترويضا حقيقيا للإنسان وتعديلّا جذريًا في نمط حياته يبدأ منذ الصغر. إضافة إلى كون مجتمع ما قبل الصناعة أشبه بعائلات معزولة ضعيفة الاختلاط فيما بينها.
لقد سُخِرِّت الإمكانات الفكريّة والمادية لتسهيل امتداد الغزو الصّناعي، فقرَّرت الدولة إنشاء مصانع من نوع مختلف، يقدمُ لها الأطفال كمادة خام، فتقوم بتطويعها وثقلها وإخراجها لتوزع على المصانع، وسميت بـ”المدارس”.
قامت الدولة بابتداع الهيكلية التّي ما نزالُ نستخدمها إلى يومنا الحالي، حيث قسَّمت المدرسة إلى صفوف، واشتمل كل صف على فئة عمرية محدَّدة، دون أن يكون هناك رابط بين الأطفال إلا “تاريخ تصنيعهم” أي عام ولادتهم. وهذه من سلبيات نظام التعليم التقليدي، والتي تفترض نفس القدرات والميول لدى جموع الأطفال.
الحاسوب البشري منتهي الصلاحية:
يشرح لنا البروفسور الهندي “سوغاتا ميترا” كيف نشأت منظومة التعليم التقليدي في العصر الفيكتوري، “ميترا” هو أستاذ تقنية التعليم في كلية التربية والاتصال وعلوم اللغة في جامعة نيوكاسل، والرّجل الذي هدم منظومة التعليم التقليدي في العالم وصاحب نظرية “ثقب في الجدار”.
في العصر الفيكتوري كانت المعلومات مكتوبة على ورق وتشحن بالسفن إلى أنحاء العالم، صنع الفيكتوريون حاسوب عالمي بشري وخلقوا آلة بيروقراطية إدارية، هذه الآلة وقودها وقوامها البشر، وحتى يتمّ مدّها بالوقود صنعوا آلة إنتاج أخرى وسموّها المدرسة. كانت وظيفة المدارس إنتاج أشخاص متطابقين على مستويات المعرفة والأداء، يعرفون القراءة والكتابة ويتمتعون بخط يد واضح، يقومون بالعمليات الحسابية البسيطة ذهنيا. وكأي آلة تحترم نفسها فإنَّ صناعة منتج مختلف عن المواصفات المطلوبة يعتبر خطأً شاذًا في خط الإنتاج، بحيث عندما يتمّ شحن المنتج البشريّ من مستعمرة إلى أخرى يكون فعالّا جزءًا من المنظومة مباشرةً.
الحقيقة أنَّ الفيكتوريين كانوا مهندسين بارعين، هندسوا نظام تعليم متين ما يزال موجودا حتّى اليوم، هذا النظام ليس فاشلًا بل منقرض ومنتهي الصّلاحية لم تعد هناك حاجة له. كما السّيوف والرّماح كانت أدوات قتالية مفيدة في آوانها ولكنّها اليوم لن تكسبك أي معركة، وعليه هناك دول طورت منظومة جديدة في التعليم وتعدّ أكثرها نجاحا وشهرة “فنلندا”.