ألعاب غير ممتعةٍ: أشهر حيل التلاعب النفسي

حيل التلاعب النفسي ليست بريئةً أبدًا، تهدفُ إلى تغيير نظرة الشَّخص إلى العَالَم، وإعادة تشكيل أفْكَاره وقناعاته بما يتناسبُ مع مقصدٍ مُحدَّد. التَّلاعُب النَّفسيّ إذا حَدَثَ مرَّة، لا بُدّ له أن يتكرَّر، فهو ليس أداة للاستعمال مرَّة واحدة.

التَّواصُل الاجتماعيّ الطبيعيّ:

إذا كانت المسافة بين البشر تُقَاس بالأمتار، وترددات أصواتهم التي يتبادلون بها الكلام تُقَاس بالهرتز، فإن وحدة التَّواصُل الاجتماعيّ التي تُقيَّم بها أي عَلاقةٍ بشريَّة، هي “المعاملة”.

المعاملة كلعبة شدّ الحبل، فيها طرفان بينهما تأثير متبادل، الجذب والإرخاء كعاملين مؤثِّرين. يخلقان تبعية لأحد الأطراف تجاه الآخر. وعند هذه النقطة تظهر حِيَل التَّلاعُب النَّفسيّ ضمن قوالب اجتماعيَّة كأفراد الأسرة والأصدقاء المقرَّبين.

لوحة التحكُّم في حيل التلاعب النفسي:

لا أحد يستطيع ركوب ظهرك ما لم تكن مُنحَنيًا، ولا قوَّة تستطيع التلاعب بأرضيتك النفسية، ما لم تُسلِّمهم لوحة التحكُّم بمشاعرك.

المُمَارِس للحِيَل النَّفسيَّة في الغالب ليس شخصًا غريبًا عنك، بل هو فرد ضمن الدائرة الضيقة المحيطة بك، ولا استثناء لأحدٍ من الوالدين إلى الأخوة، ثُمَّ الأصدقاء والأزواج في المرحلة اللاحقة.

إعلان

الألاعيب النَّفسيَّة تحتاج إلى احتكاكٍ شُعُوريٍّ وانحيازٍ في الأحاسيس، ولا يمكن أن تنجح دون هامشٍ من الابِتِزَاز العاطفيّ. لها ثلاثة من السيقان، تقفُ على قوائمها كحيوانٍ خبيثٍ ماكرٍ هي:

الشُّعُور بالخِزْي والعَار:

الخطأ جزءٌ من الفِطرة البشريَّة، هذه الحقيقة هي ما تُبقينا أحياء وفعَّالين ورافعي الهامات. إنسانيَّتك هي تذكرة نهوضك من أي كَبْوَةٍ، ومُبرِّرٍ منصف لعدم اكتمالك.

تسكب بعض حِيَل التَّلاعُب النَّفسيّ وقود الانتقاص على أفعالك، وتُقلِّل من شأنك من خلال إشعارك بالعَار، لتفقد ثقتك بنفسك وتصبح أكثر قابلية للانْصِيَاع.

الخزي وهو الدرجة المرضية والأكثر سلبيَّة من الإحراج، قد لا يكون على أمرٍ فعلته مؤخَّرًا، بل يستخدم المُتلاعِب ضِدَّك أمورًا لربما حدثت في طفولتك، كتأخُّرك بالنطق أو تعلُّم استخدام الحمام.

وربما يستخدم أمورًا قدريَّة لا يَدّ لك فيها، كتأخير نصيب الزواج أو عاهة خِلْقيَّة ولدت بها للتقليل من ثقتك بذاتك، وتسليم ناصية أمرك إلى أهدافه واختياراته.

الشُّعُور بالذَّنْب:

لن يُوقِظ هذا الشُّعُور فيك إلا شخصٌ قريبٌ منك، وكلَّما ازدادت حميميَّة العَلاقة وترابطها، ازدادت معها سهولة الابتزاز العاطفي، وخاصة من قِبَل شخصيَّات ذات الفضل، كالأم والأب.

المُتلاعِب يضعك في محكمةٍ عاطفيَّة، وعليك دومًا الدفاع عن نفسك وتبريرها. إيقاظ الإحساس بالذَّنْب قد لا يكون بطريقةٍ واضحة، ربما من خلال نظرة انكسار أو تباكٍ مُبرمَج.

المتلاعبون -في قريرة أنفسهم- يعرفون أن مطالبهم تفوق حقوقهم، لذلك يلجأون إلى مُمَارَسة حِيَل التَّلاعُب النَّفسيّ، لضمان مكسب واستمرار تقبُّل واهتمام.

الشُّعُور بالخَوْف:

الخَوْف أقدم شُعُورٍ عَرَفه الإنسان، ودرعه الأوَّل الذي جعله متنبِّهًا، وحفظه من الأخطار الأولى في حياته البدائيَّة، فكان خوفًا إيجابيًّا يحملُ اليَقَظَة والتطوُّر. الخَوْف السَّلبيّ، على العكس، يعيقُ نُضج الإنسان، ويقيِّده في عَوالِم القلق والبؤس.

السُّلطات الحَاكِمة على مَرّ التاريخ استخدمت الخَوْف، لتثبت من خلاله سَطْوَتها، نسجتهُ كحبالٍ صارمة قيَّدت بها شُعُوبها. وكذلك من يُمَارِس الألاعيب النَّفسيَّة، يُغذِّي الخَوْف ليُحقِّق هدفه ويستمر بتحكُّمه وسيطرته.

 

أشهر حيل التلاعب النفسي:

حيل

حَرْبٌ نفسيَّة عظيمة تنتظرك ما لم تتزوَّد بدروع المعرفة، فالمُتلاعِبون يستخدمون كل ما هو مهم بالنسبة لك ضِدَّك، يُقلِّبون الحقائق كالبهلوان في السِّيرك.

لن يكفيك أن تفتح عينيك، أو تنعزل في ركنٍ بعيدٍ مكوَّر الأطراف، عليك أن تبصر وتخلق نورًا من الوعي، أن تفتح حواسك على أبرز أنواع حِيَل التَّلاعُب النَّفسيّ.

التَّعزيز الإيجابيّ الكَاذِب:

التَّعزيز الإيجابيّ هو نمط من أنماط العِلاجات المعرفيَّة السُّلُوكيَّة، المُتلاعِب يُقدِّمه لك بهدف إرباكك والسَّيْطرة عليك، ويحوّله إلى شكلٍ من حِيَل التَّلاعُب النَّفسيّ.

هل تعلم أن المَدْح يُحفِّز في دِماغك ذات الاستجابة العصبيَّة التي يُحفِّزها النيكوتين؟ يخلقُ لك احتياجًا واعتيادًا يدفعك باتجاه المزيد منه.

المُتلاعِب سيغمرك بالمَديح، ويُقدِّم لك ظهرًا تستند عليه، وكتفًا تريحُ رأسك في حيزه. تعتاد حالة الارتكاز عليه، وتبدأ أقدامك بفقدان الأرض الثابتة، ثُمَّ تجده فجأة يُعَامِلك ببرودٍ وتحفُّظٍ، ويُجَوِّعك لجُرْعَة التَّفخيم المُعتادة.

يلعب على وَتَر العَار والخِزْي، لتسأل نفسك ماذا فعلتُ حتى خسرتُ هذا الاستحقاق؟ ويعبث بوَتَر الخَوْف، فتخشى خسارته وتنصاع إلى رغباته، وخاصةً عندما تكون من النمط الذي يُعاني من انخفاض في تقدير الذَّات، يجب أن تحصلَ على التَّقدير من الخارج لترضى عن نفسك.

التَّعزيز السَّلبيّ حِيْلَة من حيل التلاعب النفسي:

الأمر يشبهُ تناولك لمُضَاد الحموضة قبل وجبةٍ حارقة، ضربة استباقيَّة لتجنُّب الحُرْقَة والآلام المَعِديَّة المستقبليَّة. التَّعزيز السَّلبيّ هو استجابة لسُلُوكٍ يهدفُ إلى تفادي نتيجة سَلبيَّة أو مُعَاملة سيئة.

المُتلاعِب يلعب على وَتَر خَوْفك من مُمَارَسَاته، يجعلك دومًا في موقع الدفاع خوفًا من الهجوم، لا يتركك بسلامٍ إلا إذا نفذَّتَ ما يريد.

الصَّمت العقابيّ أسلوب من أساليب التَّعزيز السَّلبيّ. وللأسف، إن الكثير من الأمهات والآباء والأزواح والزوجات يمارسون هذا الأسلوب. الصَّمت عنك كعقوبةٍ إذا خالفت الرَّغبات والتوقعات، فتنفِّذ رغباته طمعًا في الحَدّ الأدنى من العَيْش المُشترك، وهو تبادل أطراف الحديث.

القنبلة أو حركة قَلْب الطاولة:

قلب الطاولة حيلة من حيل التلاعب النفسي

 

حيل التلاعب النفسية لا تكون غبيةً أبدًا، مهما بدت مكشوفة وساذجة، لأنها تصدر من أشخاصٍ شديدي القُرب والتأثير. كلَّما كانت العَلاقة أقرب، كانت إمكانيَّة التَّلاعُب أكبر.

حركة قَلْب الطاولة تتضمَّن الإمْسَاك بنقطةٍ صغيرة، قد تكون نظرة أو نبرة صوت، ثُمَّ تضخيمها وتكبيرها، ورؤيتها بعدسة الاحتيال المُكبِّرة.

يذوب الموضوع الأصليّ في حرارة القنبلة المُسْتحدَثة، ويصبح الشَّاغل الأكبر إيقاف فتيلها المُشْتَعِل، ويتحوَّل النزاع إلى أرضٍ أخرى لها أبعاد جديدة.

الإسْقَاط:

كلٌ يرى الناسَ بعينِ طبعه، ويُحاكِمهم بمقدار ضعفه، ويتوقَّع منهم ما يرجوه من نفسه. الضّحِيَّة لا تصبحُ جلادًا بمحضِ الصُّدفة، بل هو إسْقاطٌ كبيرٌ للقهر والخذلان.

الكاذبُ لا يُصَدِّقُ الآخرين بسُهُولة، والخائن لا يمنحُ ثقته لأحدٍ. البخيل يتهمُ المُخَالفين بالإسراف والتبذير، واللئيم يرى طيبة الآخرين سذاجة.

المُتلاعِب يريدك مرآةً مقلوبةً عن نفسه، ليمنحك صورة مُشوَّهة عن ذاتك كصورته، ويُضْعِف إيمانك وثقتك، فتصبح طوع أمره.

حيل التلاعب النفسي وعِلْم النَّفس الأسْوَد:

حيل التلاعب النفسي جزء من علم النفس المظلم

حتى عِلْم النَّفس أصبحَ له جانبه المُظلِم، وسوء استخدام كأي مجالٍ آخر. فأصبح هناك من ينشرُ حيل التلاعب النفسي هذه، ويروِّج لها كثقافة سيطرة وفَرْد عضلات.

الحقيقة أن مُمَارَسة هذه الألاعيب ليست موهبةً أو فَنًّا، بل تنتج عن أمراضٍ نَفسيَّة وهَوَس التحكُّم. ولا يمكن أبدًا أن ينتج عنها عَلاقة صحيَّة، بل هي مؤشِّر واضح لوجودك في علاقة سامة.

تدقيق: أمل فاخر

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: نادية برادعي

تدقيق لغوي: أمل فاخر

اترك تعليقا