العالِم المَنسي: روبرت غودارد
مؤسس علم الصواريخ الحديث
كل شيء عظيم بدأ بفكرة جريئة أو بحلم كان بعيد المنال، وغزو الفضاء ليس استثناءً.
في العام 1882 ولد العالم الحالم روبرت غودارد في مدينة ورسستر الأمريكية، في زمن ازدهرت فيه الثورة الصناعية وغيرت العالم، وكان ينتمي لأسرة تعمل في مجال الآلات والصناعات، وهو ما جعله عاشقًا للابتكار وصقل حسّه الهندسي الرفيع.
وبحسب مذكراته فإنه كان بعمر الثانية عشر فقط عندما فكر لأول مرة بغزو الفضاء والوصول للمريخ، وهو الحلم الذي سار عليه بقية حياته، ولذلك فقد درس الهندسة ثم درس الفيزياء في معهد العلوم التطبيقية.
كان روبرت غودارد كثير الاهتمام بفكرة التنقل عبر الصواريخ، ولذلك أجرى عشرات التجارب المصغرة وبنى آلاف النماذج الهندسية، كل هذا في معمله الخاص الذي بناه في بيته.
من هذا المختبر المتواضع اكتشف غودارد ما استفادت منه البشرية لاحقًا؛ وهو فكرة أن الفعل ورد الفعل لا تحتاج لوجود وسيط الهواء بل أن اندفاع الصاروخ يمكن أن يتم في الفراغ، وقد صمم نموذجًا مصغرًا لأنبوب مفرغ من الهواء تتم فيه عملية الدفع، ونال عليه براءة الاختراع الأولى في حياته عام 1899.
ربما كان من البديهي أن غودارد لم يلقَ الكثير من الاهتمام رغم أنه نشط في عصر العلم والعلماء الذهبي في القرن العشرين، إلا أن فكرة الخروج من الأرض كانت تبدو فكرة مجنونة أو على الأقل طموحة جدًا، ولذا كان يُعَامَل كباحث عن الشهرة أو متسلق على مجال العلوم!
التفت غودارد نحو صناعة الصواريخ وبدأ ببناء أول صاروخ متعدد المراحل (يندفع مرة تلو الأخرى حتى ينفذ وقوده)، لكن عشرات المحاولات باءت بالفشل وأدت أحيانًا لضيق حاله ماديًا، إذ كان مضطرًا في كل مرة للمخاطرة بالصاروخ الذي يكلف بالتأكيد الوقت والمال.
في النهاية حصل على براءة اختراع لأول صاروخ متعدد المراحل يستطيع التحليق في الهواء، وكان هذا سببًا في لفت أنظار الصحافة الأمريكية إليه.
لكن الصحافة لم تلتفت لدعمه بل للسخرية منه غالبًا، إذ بات يعرف بالمجنون الذي يريد السفر إلى الفضاء بالصاروخ، وعلى رأس تلك الصحف كانت الـ”نيويورك تايمز”!
استمر روبرت غودارد بالبحث عن حلمه وقام بتصميم صواريخ جديدة (بعد أن أثبتت الأولى قلة عمليتها)، وهذه المرة كان هدفه بناء صواريخ تعمل بالوقود السائل “الأكسجين والبنزين السائل”، وذلك بعد أن استطاع الحصول على التمويل للمرة الأولى.
بفضل التمويل استطاع غودارد إجراء تجارب أكثر فاعلية وأكبر حجمًا، حتى تمكن في 1935 من صناعة صاروخ بالوقود السائل ينطلق بسرعة تفوق سرعة الصوت (وهي أعلى سرعة وصلتها آلات البشر حتى ذلك الحين)، وارتفع أول صواريخه لـ 1600 متر في الجو، وحصل على براءة اختراع جديدة فيه، وقام لاحقًا بتطوير الصاروخ مرة أخرى ليصل لارتفاع 2400 متر.
توقفت تجارب غودارد مع انشغال العالم بالحرب العالمية الثانية ودخول أمريكا في الحرب، وذلك حتى توفي في عام 1945م.
صنف غودارد فيما بعد كمؤسس لعلم الصواريخ الحديث، والأب الروحي للصواريخ البالستية.
توفي روبرت غودارد ولم يدرِ أن المهندسين النازيين استفادوا من صواريخه وطوروها ليستعملوها كـصواريخ بالستية “طراز V2” في الحرب، توفي ولم يعرف أن الروس والأمريكيين استفادوا من سقوط النازية وأعادوا بناء صواريخهم وطوروها ليبدأ عبرها سباق الفضاء والحرب الباردة، توفي ولم يشاهد يوم 31 يوليو عام 1957م حين تحقق حلمه عندما أرسل الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي خارج الأرض.
كل حلم يبدو كمزحة حتى يحققه رجلٌ ما، وعندها فقط يصبح حقيقةً مألوفة
روبرت غودارد