كانت روما تترنَّحُ.. ثم اندلع بركان على بعد 6000 ميل
ربط بعض العلماء بين حالات عدم الاستقرار السياسي تاريخيًا وعدد من الانفجارات البركانية، آخرها انفجار بركاني في جزر ألوتيان بجزر هاواي.
كدَّرت الفوضى والصّراعات حوضَ المتوسّط خلال القرن الأوّل قبل الميلاد، وعلى خلفيّة المجاعاتِ وانتشارِ الأمراض واغتيال يوليوس قيصر وغيره من القادة السّياسييّن، انهارت الجمهورية الرومانية ، وبزغت الإمبراطوريّة الرّومانيّة لتحلّ محلّها، لا شكّ أنّ القلاقلَ الاجتماعيّة الكاسحَةَ قد أسهمت في هذا التَّحوّل؛ فالسّياسة قادرةٌ على نزعِ مفاصل المُجتمع، وإنْ كانَ شيءٌ أكثرُ ضخامةً قادرٌ على ذلك أيضًا.
أعلنَ بعضُ العُلماء يوم 22/6/2020 عن أدلّةٍ تؤكّدُ على انفجارٍ بركانيّ في جزر ألوتيان التّي تبعدُ حوالي 6000 ميلًا عن شبهِ الجزيرةِ الإيطالية، أسهم في اضمحلالِ الجمهورية الرومانية ، فقد لعب ذلك الانفجار -كما لعب غيره من قبل ومنذئذ- دورًا في تغيير مسار التّاريخ.
وخلال السّنوات الماضية عمل علماء الجيولوجيا والمؤرخون وعلماء الآثار على توحيد جهودهم لدراسة الآثار المجتمعيّة النّاجمة عن انفجاراتٍ بركانيّةٍ هائلةٍ، واعتمدوا في ذلك على تشكيلةٍ من السّجلاتِ تتضمّن عيناتِ الجليدِ، والسّجلات التّاريخيّة، ونمذجة المناخ، وذلك لتحديدِ تأثير البراكين في عددٍ من الحضاراتِ، من الجمهورية الرومانية إلى مصرَ البطلمية إلى أمريكا الوسطى ما قبل كولومبوس.
ويقول جوزيف مانينج، وهو مؤرّخٌ بجامعة ييل قام بدراسة سقوط الأُسرِ المصريّةِ، أنّ مثل هذا العمل يتطلّبُ الدّقّة، “فليس الأمر مُجرّدَ انفجارٍ بركانيّ ثمّ يذهب مجتمعٌ ما إلى الجحيم”، ولكنَّ التّحديّات تستحقُّ المجهودَ، ويضيفُ: “نتمنَّى في نهايةِ الأمر أنْ نخرج بتاريخٍ أفضلَ، وفهمٍ أفضلَ لما يحدثُ لكوكب الأرض حاليًا”.
هناك حوالي 1500 بركان قد يكون نَشِطًا حاليًا، بمعنى أنّهم قد انفجروا في نقطةٍ ما خلال العشرة آلافِ سنةٍ الماضيةِ، وبينما يتمتَّعُ العلماءُ اليومَ بأدواتٍ متقدّمةٍ لمراقبة البراكين، فإنّ الغالبيَّة العُظمى من الانفجارات التَّاريخيّةِ لم يتم تسجيلُها، أو على الأقل لم يتم تسجيلُها بالأدواتِ العلميّة الحديثة، كما أنَّ استكشاف مثلَ هذه الانفجاراتِ يتطلَّبُ الصّبر والبراعةَ، والاستعداد للتّعامل مع الكثير من الجليد.
وليس غريبًا أن تجدَ في معهدِ دراساتِ الصّحراء برينو، ولاية نيفادا، باحثين يرتدون السُّتراتِ المُنتفخةَ والقبعَّاتِ الصُّوفيَّة، لدراسة قطع الجليد في “غرفة باردة” لا تزيدُ درجةُ الحرارة فيها عن -4 درجات فيرهنهايت، فقطعُ لبِّ الجليد، والتَّي تمّ حفرُها عاموديًا من أنهار جليديَّةٍ، تُخفي قطعًا من المادّةِ البركانيَّةِ التّي انهمرت من انفجاراتٍ بركانيّةٍ في سالف الزّمن لتتخفّى بين طيّاتها.
ويعملُ جوزيف ماكونيل، وهو عالمُ مناخٍ بالمعهد، مع معاونِيْهِ في البحث عن هذه الأنقاضِ، فباستخدامِ أداةٍ قاموا بتصميمها وبنائها يعملون على إذابةِ الجليدِ، ثم يوجّهون المياه في أنابيب عبرَ مجموعةٍ من مجسّاتِ الاستشعارِ، وعلى الرَّغم من أنّ مئاتِ الأقدام من الأنابيب قد تبدوا فوضويَّةً إلّا أنّها تمتاز بالحساسيّةِ الشّديدةِ، فالمجسّات تحدّدُ الكثيرَ من الموادِ، بما في ذلك حوالي ثلاثين عنصرًا مختلفًا، وذلك من خلال التقاطِ نفحاتٍ ضئيلةٍ للغاية.
ويقول د. ماكونيل: “إنها تتمتع بحساسيات أجزاء من الكوادريلون”، فالرماد البركاني، الذي يُعرف باسم “تفرا” tephra، يخفيه أحيانًا الجليد، ويُعد هذا اكتشافًا رائعًا لأنه يمكن إنسابه إلى بركان بعينه، فيوضح مايكل سيجل، الكيميائي بجامعة برن بسويسرا والذي يتعاون مع د. ماكونيل قائلًا: “إن التفرا تتأتى من “الصهارة” magma، فهي تحمل تكوين الصخور”.
كما أن الكبريت يعد أيضًا مؤشرًا للانفجارات السابقة، فثاني أكسيد الكبريت، وهو غاز ينتج بشكل عام مع اندلاع البراكين، يتفاعل مع الماء في الجو لتتكون كبريتات الغبار الجوي، ويمكن لهذه الجزيئات الضئيلة أن تعلق بطبقة الغلاف الجوي العليا -الستراتوسفير- لسنوات، حيث تحملها تيارات الرياح، لكنها مثلها مثل الرماد تعود عاجلًا أو آجلًا للاستقرار على الأرض.
كما أن الجليد يحمل طابعًا زمنيًا، فيبحث د. ماكونيل وزملاؤه عن تنوعات من العناصر، مثل الصوديوم، والذي نجده في يم مياه البحر والذي تحمله الرياح موسميًا إلى اليابس، ومن خلال حساب التنوعات السنوية لهذه العناصر، يسهل تتبع مضي الزمن، فيصبح الأمر، كما يوضح د. ماكونيل “أشبه بسجل جذع الشجر وحلقاته”.
فقام د. ماكونيل وزملاؤه مؤخرًا بتحليل ست من قطع لب الجليد المأخوذة من حفرٍ في القطب الشمالي، وفي طبقات من الجليد التي تماثل الشهور الأولى من عام 43 ق.م وجد الباحثون عصي طويلة من الكبريت، بل وبعض قطع المواد التي كانت على الأرجح تكوّن تفرا، وهي الأكثر أهمية، وما لفت انتباه العلماء كان التوقيت.
وكان بعض الباحثين قد سبق أن افترضوا وجود مثير بيئي ما ساعد على حدوث سلسلة من حالات هلاك المحاصيل، والمجاعات، والاضطرابات المجتمعية، التي ابتُليت بها منطقة حوض المتوسط آنذاك، وتعلق جيسيكا كلارك، وهي مؤرخة للجمهورية الرومانية بجامعة فلوريدا الحكومية لم تشارك في هذه الأبحاث، أنه حتى الآن “لم تتوفر تلك النوعية من البيانات التي جاء بها هؤلاء الباحثون حتى نتمكن من تعميم هذه النظريات”.
أما جيل بلانكيت، وهي عالمة حفريات في جامعة كوينز بمدينة بيلفاست، فانطلقت في عملية تنقيب، وبعد استخراج 35 قطعة من التفرا من الجليد، أخذت في فحص كيمياء الصخور للبراكين المشتبه بها: بركان أبويك في نيكاراجوا، وبركان جبل إتنا بإيطاليا، وبركان شيفيلوتش في روسيا.
أما البركان الأقرب فكان بركان أوكموك في جزر ألوتيان، أو هكذا بدا على الورق، فالتأكد من الأمر كان يتطلب فحص عينتين إضافيتين من التفرا -إحداها من الجليد والأخرى من بركان أوكموك- باستخدام ذات الأداة.
فعملت د. بلانكيت على تسليم بعض التفرا أثناء انعقاد مؤتمر في مدينة دبلن، كما حملت كريستي والاس، زميلة من مرصد بركان ألاسكا، أربع عبوات من تفرا بركان أوكموك في حقيبة سفرها الصغيرة، وكان التطابق تامًا كما قالت د. بلانكت، وأضافت: “هناك بعض الأحيان التي قد تكون شائكة، أما في حالة أوكموك، فلا يوجد ما يشبهه”.
وقد خلص د. ماكونل وزملاؤه أن هذا الانفجار البركاني كان واحدًا من أعظم الانفجارات التي تقع خلال الألفيات القليلة الماضية، واستمر غبار الكبريتات الجوي عالقًا في الطبقة العليا للغلاف الجوي لعدد من السنوات، ولعل هذه الجزيئات تعكس أشعة الشمس بشكل جيد، أي أنها قادرة على تغيير مناخ الأرض بشكل مؤقت.
وتوضح جيسيكا بال، عالمة البراكين بمرصد البراكين في كاليفورنيا، والتي لم تشترك في هذه الأبحاث، قائلةً: “لقد خلقت هذه الجزيئات حالات تبريد عالمية، وإن كانت قصيرة الأمد”، فهناك شواهد دالة على أن نصف الكرة الشمالي كان أكثر برودًا عن الطبيعي عام 43 ق.م، وكانت الأشجار في أرجاء أوروبا تنمو بشكلٍ أكثر بطأً في ذلك العام، كما أن غابةً من أشجار الصنوبر في أمريكا الشمالية قد شهدت حالة تجمد غير معتادة في فصل الخريف، وباستخدام نماذج مناخية لمحاكاة أثر انفجار بركان أوكموك، يُقدر د. ماكونيل وزملاؤه أن أجزاء من حوض المتوسط، التي تبعد حوالي 6000 ميلًا، على الأرجح قد شهدت انخفاضًا في درجة الحرارة يصل إلى -10 درجات مئوية (13.3 درجة فارنهايت).
ويقول د. ماكونيل: “لقد كانَ الطَّقسُ باردًا للغايةِ”، وكشفَت النّمذَجةُ أنَّ أنماطَ تساقُطِ الأمطار تبدَّلت هي الأُخرى، حيث شهدت بعض المناطقِ طفرةً تصلُ إلى 400% من منسوبِ هُطولِ الأمطار المُعتادِ.
ولعلَّ هذه الصَّدمة المناخيَّة جاءت بالتّحديدِ في الوقتِ الخطأ، كما تقولُ د. كلارك: “لقد كانت تلك فترةٌ من الاضطّراباتِ السيَّاسيَّة والاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ بامتدادِ حوض المتوسِّط”.
ويقول د. ماكونيل وزملاؤه: لا شكَّ إنَّ ظروفَ الجوّ القاسيةِ هذه من بردٍ وأمطارٍ قد أدّت إلى هلاكِ المحاصيلِ، فتسجّل السّجلات التّاريخيّةُ التّي وضعها الكُتَّاب والفلاسفةُ الرُّومان حدوثَ عجزٍ في الموادّ الغذائيّةِ ومجاعاتٍ، واضطّرَ مارك أنتوني، القائدُ العسكريّ الرّومانيّ، وجيشُه عام 43 ق.م للاكتفاءِ بالفاكهةِ البريّةِ والجذور ولحاءِ الأشجار، بل “وبعضِ الحيواناتِ التّي لم يسبقْ لهم أكلُها”، طِبقًا لما أورده الفيلسوفُ بلوتارك.
وخلص الباحثون إلى أنَّ مثل هذه الظُّروفِ القاسيةِ، والتَّي أصابت مُجتمعًا مُترنّحًا في أعقابِ اغتيال يوليوس قيصر خلالَ العامِ السّابقِ، على الأرجحِ قد أدّت إلى تفاقُمِ القلاقلِ الاجتماعيّةِ، بل إنّها ربّما كانت نقطةَ البدايةِ لانتقال السُّلطة السيّاسيّة، ممّا أدّى إلى صعودِ نجمِ الإمبراطوريَّةِ الرّومانيّةِ.
ويقول د. ماكونيل الذّي عَمِلَ على نشرِ نتائجِ بحثِ الفريقِ في منشوراتِ الأكاديميَّةِ القوميَّةِ للعلوم: “إنّها لصدفةٌ غريبةٌ أنْ يحدثَ هذا في ذاتِ السّنواتِ التّي شهدت اضمحلالَ الجمهورية الرومانية عندما كان الانهيارُ سيَّدَ الموقفِ”.
وتُعلِّق كارين هولمبرج، وهي عالمةُ آثارٍ بجامعةِ نيويوركَ، وتدرسُ الوقائعَ البركانيّة، ولمْ تشارك في هذه الأبحاثِ، فتقولُ: أنّها تجد الدِّراسةَ “مثيرةً ومُقنعةً”، وتضيفُ :للأسفِ السّجلاتُ الأثريّةُ عادةً لا تسجِّلُ الانفجارات البركانيّة، باستثناءِ حالاتِ الانفجاراتِ القريبةِ للغاية، عندما تتوفَّرُ طبقةٌ من التّفرا، لذا فإنّ الرّوابط التّي تخرج بها الدّراسة مرجّحَة لكنّها ليست مؤكَّدة، وتقول د. هولمبرج: “لا يؤكّد الباحثون هذهِ النّتائج بشكلٍ قاطعٍ، ولذا فهذا كلُّ ما في الأمر”.
إيقافُ نهر النّيل
وفي ذات التّوقيتِ تقريبًا، كانت حضارةٌ عظيمةٌ أُخرى تُعاني من آثارِ البراكين، بما في ذلك انفجارُ بركانِ أوكموك، ولكنْ بدلًا من التّرنُّحِ نتيجةَ التغير المناخي، اهتزَّ هذا المُجتمعُ نتيجةً للتّغيراتِ التّي طرأت على مصدرٍ حيويّ آخرَ لديه، ألاَ وهو المياهُ.
ارتكزَ المُجتمعُ المصريّ -في مرحلةِ ما قبل بناءِ سدّ أسوانَ خلالَ النّصفِ الأوّلِ من القرنِ العشرين- سنويًا على فيضانِ النّيل الصَّيفيّ، وعملت هذهِ الفيضاناتُ الصّيفيّةُ التّي تنشأُ عن الأمطارِ الموسميّةِ على مُرتفعاتِ أثيوبيا على توفيرِ الرّيّ والطّميّ، وهما عنصران حيويَّان لمجتمعِ مصرَ الزّراعيّ، ويوضّح د. مانينج من جامعةِ ييل: “كانَ إيقاعُ العامِ بأكملهِ يعتمدُ على الاستجابةِ للفيضانِ”.
إلَّا أنَّ د. مانينج وزملاؤه قد كشفوا مؤخّرًا عن أنّ الانفجاراتِ البركانيّةِ، حتَّى وإنْ كانت تقعُ على الجانبِ الآخرَ من العالم، ربّما أخلَّت بالفيضانِ، وباستخدامِ سجلّات مقياسِ النيل في القاهرة -وهو عامودٌ مرمريّ ثُمانيّ الأضلاع كان يُستَخدَمُ لتسجيلِ ارتفاع منسوبِ فيضانِ النيل من عام 622م وحتى 1902م- وجدَ فريقُ البحثِ أنَّ الفيضانَ كانَ يَنخفِضُ أو يغيبُ تمامًا خلالَ تلك السّنوات التّي كان يقعُ فيها انفجارٌ بركانيّ في مكانٍ آخرَ من العالَم.
ثم انطلقَ د.مانينج وزملاؤه في مُراجعةِ حوالي مئةِ سجلٍ من البرديَّاتِ، وذلك للتَّوصُّلِ إلى تقديرٍ كيفيّ لحجم الفيضان خلال أُسرَةِ البطالمةِ، والتَّي امتدَّت من عام 305ق.م إلى 30 ق.م، ومرَّةً أُخرى وجدَ الباحثونَ أنَّ فيضانَ النّيل كانَ ضعيفًا- إنْ حدث على الإطلاقِ- في فتراتِ وقوعِ انفجاراتٍ بركانيَّةٍ كُبرى.
ولعلَّ المُتهمَ الرّئيس، طِبقًا لرأي فريقِ البحثِ في بحثٍ نُشِر قبل سنواتٍ قليلةٍ، هو البرودةُ التّي نجمَت عن غُبارِ الكبريتاتِ الجويّ، فعندما تنخفضُ حرارةُ الأرض في أعقابِ انفجارٍ بركانيّ هائلٍ، تتغيّرُ أنماطُ دوران الغلافِ الجويّ، ممّا قد يحرّك نقاطَ الالتقاءِ الخفيّةِ للرّياحِ التّجاريّةِ في نصفَيّ الكُرةِ الشّماليّ والجنوبيّ -أيْ نطاقِ التّقاربِ بين المدارين- والتّي تؤثّرُ في تحديدِ مناطقِ سقوطِ الأمطارِ الموسميّةِ، فعندما يَنخفِضُ منسوبُ هطولِ الأمطار على مرتفعاتِ أثيوبيا، حيثُ منابعُ النّيل، فإنّ مياهَ الفيضانِ تقلُّ في ذلك العامِ.
وتكشفُ سجلّات العصرِ البطلميّ أنّ انخفاض منسوب الفيضان هذا كان له عواقبٌ اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، فزادت التَّمرُّداتُ في السّنوات التّي تلت “فشل النيل”، طِبْقًا لما وجده د. مانينج وزملاؤه، كما أنَّ مراسيمَ الكهنةَ التّي تسعى إلى ترسيخِ شرعيّةِ الحُكّامِ الإغريق السيّاسيّةِ أمسَت أمرًا شائعًا.
ويقول د. مانينج: أنَّ تعزيزَ سلطةِ النُّخبةِ خلال فتراتِ الاضطّراباتِ أمرٌ منطقيّ، مُضِيفًا: “إنَّ سوءَ الفيضان كان تفسيره وجودُ ملكٍ فاسدٍ في منصبِهِ”.
انفجارات غامضة
كما تركتِ الانفجاراتُ البركانيّةُ أيضًا بصمتها على مجتمعاتٍ أُخرى، فارتبطت بالانحدار الاقتصاديّ في أمريكا الوسطى ما قبل كولومبوس خلالَ القرنِ السَّادسِ، وخلالَ موجاتِ النُّزوحِ نتيجةً للمجاعةِ في شرقِ الصّين في القرن العاشر.
وعلى الأرجح فقد ساعدت الانفجاراتُ البركانيّةُ على انتشار تفشيّ الأمراض، ومنها على سبيل المثال طاعونُ جوستينيان حوالي عام 540م ، وقبل قرابةِ عقدٍ من الزَّمن ليس أكثر أدَّى انفجارُ بركان إيافيالايوكل في أيسلاندا إلى غلقٍ كاملٍ لرُقعةٍ واسعةٍ من الفضاء الأوروبيّ وكان مُكلفًا للغاية.
إلَّا أنَّ الأسئلة تظلُّ قائمةً، سواءً لعلماء الجيولوجيا أو المؤرّخين أو علماء الآثار، فيقولُ روبرت دال وهو عالِمُ حفريَّاتٍ بجامعة لوثر بكاليفورنيا، والذَّي يَدرسُ الانفجاراتِ البركانيَّةِ: أنَّ الحصولَ على المزيد من سجلَّات قطعِ لُبِّ الجليدِ قد يكشف هويَّةَ الانفجاراتِ اليتيمةِ، إلّا أنّ توقيعاتِها الكبريتيّةِ في قطعِ لُبِّ الجليدِ تظلُّ غيرَ مرتبطةٍ بأصلٍ بركانيّ، “فتظلُّ هناك الكثيرُ من الانفجارات الغامضة التّي لا أصولَ لها حتّى بداياتِ القرن التّاسع عشر”.
كما أنَّه من المُهمّ أيضًا أن نحصل على فهمٍ أفضلَ لبناء المجتمعاتِ وهيكلها، فزيادةُ المعرفة بأنماطِ التّجارة، مثلًا، قد يُلقي الضّوء على أثر هلاكِ المحاصيلِ في منطقةٍ جغرافيّةٍ بعينها في تَناقُصٍ ملحوظٍ في إقليمٍ أوسعَ، ويقول د. دال: “يجبُ أن نفهم كيفيّةَ ترابطِ البشرِ”.
أمَّا اليوم فلدينا حوالي دزينةٌ من البراكين التّي تنفجرُ، وهي على أكبرِ الاحتمالاتِ لا تمثّلُ مصدرَ قلقٍ؛ فعلى الأرجحِ أنّك لم تسمعْ بأيٍّ منها قَطُّ، إلّا أنّه بين الفينةِ والفينةِ قد يحدث انفجارٌ بركانيٌّ هائلٌّ، أمّا كيفيّة تضاعف آثارها في أرجاء العالَمِ فإنَّ هذا أمرٌ يظلُّ قيدَ الدِّراسة.
وتخلُص د. هولمبرج قائلةً: “لم يكن بركانُ أوكموك يعدُّ تهديدًا متعارفًا عليه، إلَّا أنّ بركان إيافيالايوكل أيضًا لم يمثِّل تهديدًا من قبلُ”.