أفول نجم: قراءة في كتاب فقدان الإشارة قصة البلاك بيري
لم أكن أرى “البلاك بيري Blackbery ” إلَّا في أيدي رجالِ الأعمال ورؤساء مجالس إدارة البنوك، وكنت أراه دومّا في يد مديري يعصره بقوَّة كبيرة تعكس على ما يبدو الخوف من أن يفلت هذا الهاتف القيَّم من يده في أقرب فرصة.
كنت أكره هذا الهاتف، ربَّما لصعوبةِ لوحةِ مفاتيحه، وربَّما لارتباطه بفئةٍ وأشخاص يتحدَّثون عن أرقام لا نفهمها، ويصدعون روؤسنا دومًا عن خطط واستراتيجيات.
شاهدته على قمة اختيارات الكبار، ثم اختفى، لم أعد أراه في أيدي أحد، ولم يعد يملأ فترينات بيع الموبايل في القاهرة. فرِحت لاختفائه!، ولكن الأمر ظلَّ لغزًا يحيُّرني إلى أن عثرت بين كتبي الرقميَّة على هذا الكتاب المعنْوَن بـ (Losing The Signal , The Untold Story Behind The Extraordinary Rise And Fall Of Blackbery) ليجيب على أسئلتي، ويقصُّ عليٌَ حكاية صعود وسقوط النجم الساطع.
بدايةٓ ، فإنَّ كتاب “فقدان الإشارة: القصة الخفية وراء صعود البلاك بيري وسقوطه” الصادر سنة 2015 من تأليف صحفيِّين في صحيفة “وول ستريت”: جاكي ماكنيش، وشين سيلكون، ينقسم الى جُزئين: الأوَّل في ثماني فصول) ، والثاني في تسع فصول، وسوف أحاول عرضه في نقاطٍ قليلة:
حكاية صعود البلاك بيري
تأسَّست RIM عام 1985 في كندا بشراكةٍ بين مايك لازاريديس مهندس حالم و طموح، والمهندس دوجلاس فرجين، ثم انضَّم لهما جيم بالسيلي خريج كلية الأعمال من هارفارد، وقد غيَّرت الشركة اسمها الى بلاك بيري في سنة 2013.
نجحت RIM في اختراع جهاز كفي للبريد الالكتروني pager أصدرته في عام 1999، وهو عبارة عن pager بإمكانية تلقي وإرسال يريد إلكتروني، وفي عام 2002 أصدرت أوَّل هاتف ذكي ليصبح المنتج المفضل بين أيدي رجال الأعمال ورؤساء الدول.
اختارت الشركة إسم بلاك بيري لأنَّ الجهاز فعلًا يشبه حبة عملاقة من التوت الأسود، وذلك بناءً على توصية فريقِ التسويقِ الذي لاحظ شكوى العديد من أصحاب الأعمال من التوتُّر وارتفاع ضغط الدم لمتابعة فيضان البريد الإلكتروني الذي قد يصل لكلِّ شخصٍ منهم؛ فاختاروا ثمرة التوت الأسود بسبب أنَّه يخفض ضغط الدم المرتفع بالفعل.
في سنة 2008 كان البلاك بيري يسيطر على معظم سوق الهواتف الذكية، وفي 2015 بلغت حصته 0.01%، أما في سبتمبر 2016 أعلنت الشركة توقُّفها عن الإنتاج وبيعها السوفت وير لشركة آخرى، ليسدل الستار على النجم الساطع.
حكاية سقوط البلاك بيري
في سنة 2007 ظهر الآيفون لتتغير قواعد اللعبة، فأحدث بمفرده ثورة في أجهزةِ الإنصال اللاسلكي من خلال ربطه مع الإنترنت، ونظام لمسٍ جميل، وهاردوير قوِّي ممتاز مع الإتفَّاق مع شركة AT&T للاتصالات، هي العملاق الأكبر في سوق الإنصالات الأمريكية، مما ترتَّب عليه قدرة أكبر على نقل المزيدِ من البيانات مقارنةً بالبلاك بيري.
قررت شركة RIM حسم المنافسة سريعًا فطوَّرت سمارت هاتف جديد خلال تسعة أشهر!. ونظرًا للسرعة التي ظهر بها Storm (المنتج الجديد)، فقد ظهر به عيوب كثيرة، بل وكان كارثة كبرى على الشركة.
ثم جاء فوق كلِّ ما حصل الآيباد IPad.
لم تستكن شركة آبل للضربة بل سارعت بإصدار الـ IPad فحقَّق بدوره نجاحًا كبيرًا مثل التليفون ووضع قواعد اللعبة في سوق اللوحات الالكترونية، وجلب مثل هذا النجاح مزيدًا من الضغوط على شركة RIM، فانخفض عدد عملائها وتراجعت أباحها.
قرَّرت شركة RIM إصدار جهاز تابلت منافس اسمه الـ Playback، ولكنَّه كان مليء بالمشاكل، فضلًا عن اعتماده على الارتباط بالهاتف الذكي Blackbery. وهو الأمر الذي جعل من عملية تلقِّي البريد الألكتروني أمرًا معقَّدا، مما أصاب مستخدميه بالإحباط، وأصبح السوق جاهزًا لإعلان وفاة البلاك بيري.
أسباب نجاح البلاك بيري
1 – السبق في سوق التكنولوجيا حيث كانت أوَّل شركة تنتج جهازا كفيًّا pager قادرًا على إرسال وإستقبال البريد الإلكتروني.
2- سياسة تسويقيَّة رائعة ركَّزت فيها على قطاع الأعمال خاصة المديرين التنفيذيين، ومخاطبة حبُّ التميُّز الذي لديهم و الرغبة في التواصل المستمٌِر على الشركة، وكانت البداية الناجحة من “ميريل لينش” حيث بدأ أوَّل طلب على البلاك بيري في سنة 1999، و بعدها تصاعد الطلب على الجهاز كالنار في الهشيم.
3- تلاعبات ادارية غير نزيهة : خوفًا من دخولِ شركاتٍ كبرى في هذا السوق مثل نوكيا، اتفٌَقت بلاك بيري مع نوكيا على أن تنتج (Blackbery connect)، حيث تقدِّم فيه شركة RIM السوفت وير، أما نوكيا فتوفِّر المعدات أو الجهاز نفسه.
أخذت RIM تعطٌٓل و تؤخر في تنفيذ اتفَّاقها حتى نجح البلاك بري في الاستحواذ على حصةٍ قوية في السوق. كما خسرت نوكيا أيضًا فرصة كان يمكن أن تُطوِّر فيها السوفت وير الخاص بها، وتضعه على جهازها.
أسباب سقوط البلاك بيري
1- السباقُ في مجال الابتكار ليس له خطَّ نهاية، للأسف عادة ما يؤدي النجاح إلى إنتهاج سياسات متحفِّظة للحفاظ عليه، والركون إلى الدعة والخمول (conservatism) و(complacency)، ومثل هذه السياسات في سوق تكنولوجيا الإتصالات تؤدي إلى نتائج كارثية فلم يستطع البلاك بيري اللحاق بالآيفون.
2- الثقة المفرطة في النفس: راهن ” لازاريديس” على فشل الآيفون حيث توقَّع أن تؤدي عمليات الدخول على اليوتيوب، وتحميل الأغاني والكتب؛ الضغط على شبكات الخدمة والجهاز نفسه، مما سيفقد الجهاز ميزته. وكان رهانًا خاطئًا أهمل سرعة تطوُّر واتسَّاع خدمات مقدِّمي خدمات الاتصال.
3- الخلافات التي نشأت بين مديري الشركة حول صلاحيات كل منهما.