صناعة المواطن المنشود: الفكر، الدولة، والإسلام في تركيا (مترجم)

لقد حوّلت تركيا نفسها مؤخرًا من الديمقراطية العلمانيّة تحت وصاية عسكريّة، إلى نظام حكم إسلاميّ تحت حكم “رجب طيب أردوغان”. في كتابه الجديد صناعة المواطن المنشود، يُناقش “إحسان يلماز” أوجه الشبه المتعدّدة التي تتشاركها فترتا الحكم هاتان، على الرغم من نظرة العلمانين الأتراك، والإسلاميين، كلاً منهم إلى الآخر، على أنّهما قطبين مختلفين. إلا أنّ سياسة المواطنة التركيّة قديمة العهد، تأتي في مركز التشابهات بينهم، موجّهة كل جهودها للقضاء على الهويات المتعدّدة. بالنسبة لـ يلماز، فإن هوس الدولة التركية في خلق مجتمع مُتجانس عرقيًا ودينيًا، يعتبر السبب الرئيسي في متانة سلطتها.   

في كتابه صناعة المواطن المنشود، يؤكّد يلماز على ثلاث نقاط متشابهة بين العلمانيين والإسلاميين الأتراك. الأولى، أنّ في كلا الفريقين تتواجد شخصية البطل (التي تصل حد العبادة)، في “أتاتورك” بالنسبة للعلمانيين، و”أردوغان” بالنسبة للإسلاميين. الأمر الثاني، يمتلك كلا الفريقين دوافع غير عقلانية، تشمل الخوف، ونظريات المؤامرة، والحنين إلى التصالح، مما يؤثِّر في أداء سياساتهم. أخيرًا، يرغب كلا الفريقين في مجتمع متجانس، على الرغم من أنّ كلاً منهم لديه مفهومه الخاص عن المواطن المثالي.

 وبين 2002-2012م، أقام أردوغان تحالفًا مع أتباع فتح الله غولن، والأكراد، والمثقفين الليبراليين. ومع ذلك، في العقد الماضي شكّل تحالفًا مع العلمانيين المتطرفين وأطلق على جميع أتباع فتح الله غولن، ومعظم القوميات الكردية، والليبراليين المثقفين؛ إرهابيين. إنّ الشراكة الحالية بين أردوغان وبعض العلمانيين هي أمر محيّر، ولكن تحليل يلماز يوضح ذلك بصورة أكثر فعالية. تعتمد هذه الشراكة على مشاريع متداخله بين العلمانيين والإسلاميين، لصناعة مواطن منشود، وعدائهم المشترك لكل من أتباع فتح الله غولن، والأتراك، والمثقفين الليبراليين، والغرب. بيد أن  هذه أيضًا شراكة مهترئة. فوفق ليلماز، فإنّ لدى كلا من العلمانيين والإسلاميين وجهات نظر متناقضة تجاه المواطن المنشود. فبالنسبة للعلمانيين، المواطنون المثاليون هم الأتراك (يجب استيعاب الكُرد)، والمسلمون السنّة (في حين يشكّل غير المسلمين والعلويين، مشكلة)، كما يتبنَّون أسلوب حياة علماني (في حين يُعتبر المسلمون المحافطون، الذين يمتنعون عن تناول المشروبات الكحوليه؛ متخلّفين). وأما بالنسبة للإسلاميين، المواطنون المثاليون، هم أيضا الأتراك، والمسلمون السنّة، ولكنّهم يتبنّون أسلوب حياة محافظ، على سبيل المثال، النهي عن تناول الكحوليات.

هناك قضية توضح وجهتي النظر المختلفتين، هي مركز مديرية الشؤون الدينية (Diyanet)، والتي تتحكّم في إدارة حوالي 80 ألف مسجد. حتى الآن، يحاول العلمانيون استخدام هذا المركز (Diyanet) لتقييد الدور العام للإسلام. كما أنّهم أيضًا يقومون بتوظيفه في الدعوه للوحدة الوطنية وطاعة الدولة. على الرغم من ذلك، وتحت حكم أردوغان اكتسب مركز الشؤون الدينية (Diyanet)، مكانة أكثر حزمًا في الترويج العلني لأسلوب حياة محافظ، و دعم الأجندة السياسية للدولة. بتحليل العقدين الماضيين من خلال خطبة يوم الجمعه في المسجد، يوثق يلماز لكيفية قيام الـ (Diyanet) مؤخراً بالتأكيد على الغزو، النزعة العسكرية، الاستشهاد.

لديّ نقدان رئيسيان لهذا الكتاب المهم، الذي جاء في الوقت المناسب. أولاً، أنّه يركز بشكل حصري على الحالة التركية. في حين أن يلماز، كان بإمكانه أن يضع تركيا في سياق أوسع بمقارنتها ببعض الدول الأخرى. إن الإصدارات الأخرى لـ يلماز توضح مدى معرفته الوثيقة ببعض القضايا الغربية وغير الغربية. وبالتالي، افتقار الكتاب لبعد المقارنه؛ يبدو فرصة ضائعة. ثانيًا، على الرغم من أنني أتّفق مع وجود بعض التشابهات المؤكدة بين أتاتورك وأردوغان، فأنا ما زلت أرغب بأن أرى تأكيدًا على اختلافٍ وحيدٍ وكبيرٍ بينهما: فقد ترك أتاتورك خلفه أيدولوجية، تعتمد معظمها على القومية، العلمانية، واللّحاق بركّاب ما يُسمى بالتجديد في الغرب، فضلاً عن بعض المؤسسات، بجانب الحزب السياسي (حزب الشعب الجمهوري) والروح العسكرية للجيش. أما  فترة حكم أردوغان، فهي فترة عملية بدرجة كبيرة، وقصيرة النظر، بحيث لا يمكنها أن تُنتج أي أيدولوجية أو مجموعة من المؤسسات بوصفها إرثًا طويل الأمد.   

إعلان

لقد نجح كتاب صناعة المواطن المنشود في تحليل كيفية استخدام المواطنة في تركيا، كأداة في سياسة الهندسة الاجتماعية للدولة. وينبغي على المهتمين بدراسة السياسات التركية قراءة هذا الكتاب.  

إحسان يلماز مراجعة للكتاب من قبَل Ahmet T. Kuru)) أستاذ العلوم السياسية بجامعة سان دييغو، منشورة بموقع psqonline.org

مصدر الترجمة

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: بيسان صلاح

تدقيق علمي: عمر العجيمي

ترجمة: محمد يادم

اترك تعليقا