كيف تتحكم في الأفكار غير المرغوب فيها؟
“اطرح على نفسك هذه الأفكار المهمة: حاول ألا تفكر في دب قطبي، وسترى أنَّ هذا الحيوان اللعين سيتبادر إلى ذهنك كل دقيقة”
فيودور دوستويفسكي.
يعد التحكم في الأفكار غير المرغوب فيها أمرًا صعبًا. كما تذكرنا بذلك التجارب الفكرية ”الدب الأبيض“ أو ”الفيل الوردي“، عندما يُطلب من الناس صراحة عدم التفكير في الفيلة الوردية أو الدببة القطبية البيضاء، فمن المرجح أن يفكروا في هذه الحيوانات. ومن ثم، فإن ما يسمى بـ ”مشكلة الدب الأبيض“ تمثل كيف أن المحاولة المتعمدة لقمع الأفكار غير المرغوب فيها تجعلها أكثر عرضة للبقاء في قمة اهتماماتنا.
في الثمانينيات، قاد عالم النفس دانيال فيجنر سلسلة من التجارب مدتها 5 دقائق، طلب فيها من المشاركين عدم التفكير في دب أبيض -وإذا فعلوا ذلك فعليهم أن يدقوا جرس ما بجانبهم. ومن المفارقات، أنه كلما حاول الناس بجد عدم التفكير في الدب الأبيض، كان عليهم في كثير من الأحيان قرع الجرس لأن الدببة القطبية البيضاء كانت كل ما يمكنهم التفكير فيه.
مفارقة قمع الأفكار
بعد إثبات التأثيرات الضارة لمحاولة قمع الأفكار، طور فيجنر نظريته عن ظاهرة الأفكار غير المرغوب فيها، والتي من المرجح أن تظل في صدارة العقل عندما يحاول شخص ما جاهدًا قمعها. إذن، ما هي أفضل طريقة للتغلب على ”مشكلة الدب الأبيض“ والتحكم في الأفكار غير المرغوب فيها؟ تشير دراسة جديدة، أن التفكير الاستباقي هو أفضل طريقة للسيطرة على الأفكار غير المرغوب فيها. نُشرت هذه الدراسة في 14 يوليو في المجلة العلمية المرموقة والمراجعة من قبل الخبراء الآخرين (PLOS Computational Biology).
كان السؤال البحثي لهذه الدراسة: ”هل يمكننا منع فكرة غير مرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذهن، بالمثل كما يمكننا تجنب سلوك غير مرغوب فيه؟“ للإجابة على هذا السؤال، قام الباحثان إسحاق فرادكين وإيران إلدار بتجنيد 80 بالغًا يتحدثون الإنجليزية للمشاركة في دراسة، وقاما بتعريضهم لأفكار غير مرغوب فيها.وباستخدام التحليل الحاسوبي، قارن الباحثان فعالية التفكير التفاعلي مقابل التفكير الاستباقي ووجدا أن الأخير أكثر فاعلية في السيطرة على الأفكار غير المرغوب فيها.
الفرق بين التفكير التفاعلي والاستباقي
عادةً ما يتضمن التفكير التفاعلي رفض الفكرة واستبدالها بفكرة أخرى بعد وصولها إلى الوعي. في المقابل، يتضمن التفكير الاستباقي الحفاظ على فكرة غير مرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذهن قبل أن تترسخ وتبدأ في السيطرة على وعي شخص ما كجزء من حلقة تفكيره.
من الجدير بالذكر أنه، استنادًا إلى مفارقة ”الدب الأبيض“ في قمع الفكر، فإنك إذا حاولت عن قصد قمع فكرة معينة، فعليك حتما التفكير فيما تقوم بقمعه، مما يبقيه في قمة اهتماماتك.
على الرغم من أنه من الممكن نظريًا منع الأفكار غير المرغوب فيها من الدخول إلى الوعي، إلا أن ذلك ليس بالأمر السهل. استخدم معظم المشاركين في الدراسة التفكير التفاعلي لقمع الفكر غير المرغوب فيها بعد وصولها إلى الوعي.
يوضح الباحثان: ”تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الأفكار تعزز نفسها بنفسها. التفكير في فكرة ما يزيد من احتمالية تذكرها وتكرارها في عقلك“. “بعبارة أخرى، في كل مرة يتعين علينا فيها أن نرفض بشكل تفاعلي فكرة غير مرغوب فيها، فمن المحتمل أن يزداد الوضع سوءًا. ولكن بشكل حاسم، وجدنا أيضًا أنه باستخدام التفكير الاستباقي يمكن أن يتأكد الأشخاص من أن هذه الأفكار تتبادر إلى عقولهم بأقل قدر ممكن“.
قال فرادكين في مدونة دورية (PLOS) في يوليو 2022 حول هذه الدراسة الأخيرة: ”على الرغم من أن المشاركين في الدراسة لم يتمكنوا من تجنب الأفكار غير المرغوب فيها، إلا أنهم يستطيعون التأكد من أن التفكير في فكرة غير مرغوب فيها لا يزيد من احتمالية أن تتبادر هذه الأفكار إلى الذهن مرة أخرى“.
إتقان فن التفكير الاستباقي
على الرغم من أن فرادكين وإيلدر لا يعطيان نصائح محددة لتحسين قدرة المرء على منع الأفكار غير المرغوب فيها من أن تتبادر إلى الذهن بشكل استباقي، فقد تم على مر السنين تطوير بعض الحيل للتغلب على هذه الأفكار.
عند تصفية ذهنك بشكل استباقي من فكرة غير مرغوب فيها، لا تحاول بالقوة إبعادها. بدلاً من ذلك، إقبل أن الأفكار غير المرغوب فيها ستظل تطفو دائمًا في عقلك ولا تضيع طاقتك في محاولة منعها من التطفل على الإطلاق. بدلًا من ذلك، إذا ظهرت فكرة غير مرغوب فيها، فلا تجعلها محور انتباهك وفكر في شيء آخر.
إذا تمكنت من منع عقلك عن فكرة غير مرغوب فيها لبضع ثوانٍ، فسوف تذوب تدريجيًا في تيار الوعي.
عندما تلاحظ فكرة غير مرغوب فيها تتسلل في الأفق أو تتدلى في محيط عقلك، تخيلها تنزلق بعيدًا. عندما تشعر أنها تلاشت في تيار وعيك، أعد تركيز انتباهك بسرعة على شيء آخر ولا تعطي الفكرة غير المرغوب فيها ثانية أخرى، لا تركز أو تسترسل في التفكير فيها.
فكلما حاولت قمع فكرة ما بالقوة، كلما أصبحت أكثر إزعاجًا، وكان من الصعب قمعها. دع الفكرة تأتي دون خوف أو ذعر وتعامل معها ببراعة.
مصادر:
https://journals.plos.org/ploscompbiol/article?id=10.1371/journal.pcbi.1010285
https://medicalxpress.com/news/2022-07-probes-people-unwanted-thoughts.html?utm_source=TrendMD&utm_medium=cpc&utm_campaign=MedicalXpress_TrendMD_1
https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037%2F0022-3514.53.1.5
https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037%2F0033-295X.101.1.34