عالم الأعصاب الرائد أدريان أوين: الآلاف من مرضى الغيبوبة واعون (مترجم)
في يوليو 2005، صَدمت سيارتان كارول أثناءَ عبورها لطريق مزدحم. نجت؛ لكنَّها عانت من إصابة دماغيّة شديدة، تركتها في حالة إنباتية (Vegetative state) مع القليل من الأمل في الشفاء. لن تعود حياة كارول كما كانت مرَّةً أخرى. سيارتان وإلهاءٌ للحظة أعادا تحديدَ بقيّة حياتها. هذا تذكيرٌ صادم بمدى ضعفنا، وكيف يمكن أن يتغيَّر مسارُ حياتنا في لحظة.
غالبًا ما توصف الحالة الإنباتية بأنَّها ”يقظةٌ دونَ وعي“. يفتحُ هؤلاء المرضى أعينهم وغالبًا ما يكون لديهم دورات نوم واستيقاظ، على الرغم من أنهم يظلّون غير مستجيبين جسديًّا لأيِّ شكلٍ من أشكال التحفيز الخارجيّ. هم في الفضاء غير المحدد بين الحياة والموت. لعقودٍ من الزمان، كان يُفترض أن مثل هؤلاء المرضى يفتقرون إلى أيّ وعي، بما في ذلك من هم، وأين هم، والمأزق الذي هم فيه.
بعدَ عدَّة أشهر من الحادث، وضعنا كارول في ماسح التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي في مستشفى أدينبروك، بكامبريدج، وطلبنا منها أن تتخيل وهي تلوح بذراعيها في الهواء، كما لو كانت تلعب لعبة تنس قوية. بشكل مثير للدهشة، جزءٌ من دماغها يُعرف باسم القشرة الأمام حركية (Pre-motor cortex) ”أضاءَ“ بنفس الطريقة تمامًا كما هو الحال في الأشخاص الأصحاء، عندما طُلب منهم تخيّل نفس ما طُلب من كارول في الماسح.
أخبرتنا هذه النتيجة المذهلة أن كارول يجب أن تكون قد فهمت التعليمات، وعلاوةً على ذلك، تمكَّنت من تحويل هذه التعليمات إلى استجابة؛ أي أنها استجابت للتحفيز الخارجي؛ ليست الاستجابة استجابةٌ جسديّة، مثل تحريك يد أو رمشة عين، ولكن استجابة دماغية واعية أكَّدت بما لا يدع مجالاً للشك أن كارول لم تكن في حالة إنباتية على الإطلاق، ولكنها واعية ويقظة، على الرغم من أنها كانت غير مستجيبة جسديًا لأكثر من خمسة أشهر.
بعد بضع سنوات أخرى من التطور العلمي، ارتقينا بهذه التقنية إلى مرحلة أخرى وتواصلنا بنجاح مع شاب يدعى سكوت كان يبدو وكأنه في حالة إنباتية لمدة 12 عامًا بعد اصطدامه شبه المميت بسيارة شرطة.
بفحص نشاط دماغه على الماسح، تمكَّن سكوت من إخبارنا أنَّه يعرفُ مكان وجوده، والمدة التي قضاها في المستشفى، وما الذي استمتع بمشاهدته على التلفاز، وما إذا كان يعاني من أيِّ ألم أم لا (لم يكن يعاني من أي ألم). ومع ذلك، بقي سكوت بجانب السرير غير مستجيب جسديًّا كلما تم فحصه من قبل أطبائه وطاقم رعايته.
بحلول عام 2016، تم فحص أكثر من ألف مريض حولَ العالم باستخدام تقنية تصوير الدماغ التي طورناها، وخلصت مراجعة علميّة مستقلّة إلى أن ما بين 20 و25% من هؤلاء مثل كارول وسكوت؛ واعون ويقظون، على الرغم من مظهرهم الخارجي الخادع، مقيدون داخل أجسادهم غير المتحركة، ويستمعون بصمت إلى كلِّ محادثة بجانب سرائرهم، وكل قرار تم اتخاذه نيابة عنهم.
بينما لا أحد يعرف بالضبط عدد مرضى الحالة الإنباتية في العالم، (في الولايات المتحدة تشيرُ التقديرات إلى أن هناك ما بين 15,000 و40,000 حالة)، تؤكد هذه الدراسات أن عشرات الآلاف منهم قد لا يكونوا كما يبدون على الإطلاق.
على الرغم من هذه السلسلة المذهلة من الاكتشافات، ما زالت الهيئات التنظيمية المختلفة التي تحدّد ما إذا كانت هذه النتائج ستُستخدم لصالح حياة جميع المرضى الذين يعانون من ”اضطرابات في الوعي“ مثل الحالة الإنباتية، تماطل. في عام 2021، راجعت الكليّة الملكيّة للأطباء إرشادات المملكة المتحدة بشأن التعامل مع هؤلاء المرضى، مشيرة إلى أنه ”بمجرد إصابة المريض باضطراب طويل الأمد في الوعي … فلا يلزم تكرار التصوير الدماغي بشكل روتيني“.
لسنوات عديدة، تم تجاهل المرضى الذين تم تشخيصهم على أنهم في حالة إنباتية، كما تم حرمانهم من خبرة المهنيين الذين يمكنهم تقييم أدائهم العقلي بعناية. ومع ذلك، نحن نعلم الآن أن العديد من هؤلاء المرضى كانوا واعين تمامًا طوال الوقت. هذا يؤرقني للغاية.
إن الفشل في اختبار الوعي باستخدام تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسيّ الوظيفيّ هو حرمان لعشرات الآلاف من المصابين دماغيًّا في جميع أنحاء العالم من منفعة مهمة: فرصة لجعل أنفسهم مسموعين، وللتواصل مع فريقهم الطبي وأقاربهم، وللمساهمة في القرارات المتعلقة بعلاجهم.
من خلال عدم إتاحة هذه الفحوصات، نحن نتخلّى عنهم، فلا صوت لهم، ومع ذلك فقد أنشأنا تقنيات يمكن أن تمنحهم صوتًا. لقد حان الوقت للسماح لهم بالوصول إلى هذه التقنيات حتى يتمكنوا مرة أخرى من أخذ مكانهم بيننا في أرض الأحياء.