فخ المثالية (بين من تكون وما يُفترض بك أن تكون)
ماهي المثالية
هي سمة عنوانها التطلع إلى الكمال، صورة نموذجية غير واقعية يتم من خلالها تقييم الفرد لنفسه وللآخرين.
الباحث عن المثالية تجده دائمًا رافعًا لشعار ما زال هناك الأفضل، لن تجده مُشبَعًا على الدوام دائمًا ما يضع سقف توقعات لم ولن يطوله، شيء ما ينقصه دائمًا، بالنسبة له لا يوجد مكان للخطأ ولا يؤمن باحتمالات الفشل ولا يثق بطبيعة المنحنيات. لن يجيد أبدًا شرح ما يريده وستسمع دائمًا جملة “من المفترض أن أكون”.
ينظر للمثالية على أنها غاية يبذل في سبيلها كل غالٍ ونفيث بدءًا من راحة باله واستقراره وهدوئه النفسي مرورًا بأمواله وكل مايلزم لموافقة المعايير سواء كانت معايير وضعها لنفسه أو وضعها الآخرون.
نعم إنها المثالية وهو لا يريد سواها.
وهم المثالية
هل أنت من وضعت المعايير أم بطريقة ما تم تورطك بها ؟ هل توارد إلى ذهنك من قبل من أين جاءت تلك الأفكار إلى ذهنك كيف عصفت بك أفكارك إلى سجن اللهث وراء ما لا يمكن تحقيقه؟ هل تساءلت يوما هل ما أنا عليه ينتمي إليك أم أنك جزء من كينونة الآخرين؟ أم أنها خطة محكمة تم وضعها ووضع قوانينها وأنت فقط مجرّد برهانٍ ملموس على نجاح تلك الخطة؟
بإمكانك الإجابة عن هذه التساؤلات فقط إن نظرت في مجلات الموضة أو شاهدت التلفاز
ستعرف مايفترض بك أن تأكل وتشرب وتلبس وستجد كتالوجًا لاختيار أماكن المسكن والخروج، ستعرف مايفترض عليك فعله كي تبقى ضمن كثيرين، كي لا تسير وحيدًا أو بالأحرى كي لا تصبح منبوذًا.
بطريقة ما أنت وأنا وُضعنا في خطة محكمة لجني المليارات وتسويق المشاريع وترويج الإعلانات. ستجد كل اللافتات حولك تصدر لك صوتًا واحدًا كيف تصبح مثاليً ستُسقى معاييرهم بالملعقة على أنها معاييرك الخاصة وستصبح ما أرادوا لك أن تكون بكامل إرادتك. فأنت لست مبتغاهم إنما ما سيحصدونه من كونك نفذت مخططاتهم.
أخبرني كيف ستنجح مساحيق التجميل إذا لم يخبروك أنك بدونها لن تصبح جميلاً؟ وكيف ستنجح عمليات شفط الدهون ونحت الجسد إذا لم يخبروك أنك لن تبدو مقبولاً اجتماعيًا بدونها؟ كيف ستنجح مشاريع الإعمار والإسكان باهظة الثمن إذا لم يخبروك أنك ستكون عشوائيًا إن لم تعش في مدن الجمال؟
يتم الترويج دائما لكل شيء يبقيك في لهث خلف مايبقيك مفعولاً به.
سجن المثالية
حين تلعب دور المفعول به في اختياراتك ومعاييرك الشخصية فماذا تعني الحرية بالنسبة لك؟ أنت سجين أفكار ومعتقدات ومقاييس افتراضية لا تمت للواقع بصلة ولم يصلها أحد قبلك ولن يصل. وهم المثالية الخادع جعلك تصدق بأن أي شيء لايوافق المعايير معيوب.
جعل من الصعب جداً أن تجد شخصًا معاييره نبعت من داخله ولم يساق إليها، ستجد مثلاً بنوداً معينة للجمال وضعوها وجعلوك تشعر بأنها معاييرك أنت، وإن لم تفي جميع البنود ستشعر بأن بك خطب ما “ينقصك شيء”.
سيستدعي ذلك الشعور بالخيبة والإحباط ويسوقك التفكير لمزيدٍ من القلق والاكتئاب وستبذل في سبيل النجاة من الألم كل شيء باستطاعتك كان أو لم يكن.
فنحن في سبيل الهروب من الألم نجيد فعل كل شيء يحقق لنا ذلك حتى أننا حين يستحيل الهروب منه نُنكره.
“نحن نسعى لأن نتجتب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة “.
سيغموند فرويد
سجن المثالية جعلك محاصرًا وبدلاً من أن تكسر قيوده كنت دون أن تدري مشاركًا في ترسيخ فكرته عندما كنت امتدادًا له.
جعلك في عنق زجاجة تشعر دائمًا بأنه هناك مايجب فعله وهناك ما لا يجب.
يرسل رسائله بدقة، تصرف بمثالية كي تنجو، كن مثاليًا لتصبح محبوبًا.
رسائل مزيفة وسعي مفرط لن يجوب بشيء ولن تجني ثماره لأنه افتقد واقعيته، فأنت لن تبلغ ما تسعى إليه لأن فرضية وجوده مُعدمة.
فأنت حين تبحث عن كل شيء لن تجني أي شيء شئت أم أبيت فتركيزك على ماتفتقد سيحيطك بحالة مبهمة من عدم الرضا والشعور بالضآلة ستجعلك تفقد استمتاعك بالموجود الذي تملكه حتى أنك لن تراه من الأساس وستظل دائماً في حلقة مفرغة من إثبات شيءٍ ما لنفسك وللآخرين ودوامة من السعي اللا متناهي تأخذك لمزيد من الركض تمامًا كعجلة الهامستر
أنت هنا للركض وإن ركضت فبانتظارك مزيدٌ من الركض.
التحرر من المثالية
“لا تتحدد كينونتي بما سبق وحدث معي ولكن بما أختار أن أصبحه”
كارل يونغ
أعلم مدى الألم الذي يعترينا حين نكتشف أننا كنا مجرد جزء من لعبة، نكتشف أن ماسعينا إليه ماهو إلا سراب هُيِّئ لنا أن الوصول إليه ممكنٌ.
ولكن عزاءنا الوحيد أن للحقيقية بقية، وهي أننا لسنا بالقبح الذي خيِّل لنا وأننا مازلنا نملك حق الاختيار في وضع معاييرنا الخاصة.
تدارك الأمر لن يكون سهلاً ولا تقبُّله سيكون بضغطة زر، فما استغرقنا فيه عمراً لن يتغير لمجرد المعرفة.
ولكن من الممكن أن يخفف من وطأة الصدمة أنك لست وحدك ولم تكن أنت فقط جزءًا من اللُعبة، كنت معك وكثيرون، لم يكن بك خطب ما، بل تلك الأصوات كانت أصواتهم.
سيخفف عنك أن تعلم بأن الألم الذي عشته لم يكن لأجلك فقط وأن سنواتك التي مرت وأنت تركض نحو الكمال كانت هي سنوات ركضي أنا أيضًا وركض غيري.
سَعَيْنا إلى ما فقدنا ففقدنا ماوجدنا وأبدًا لم نمتلئ يومًا ولو أكملنا ذات الطريق لن نكتمل ولو بذلنا سنوات مضاعفة
نحن لسنا مثاليون لأن ليس هناك ما يُدعى بالمثالية ولا هناك مقياس لذلك بل هو فخ، إدراكك للفخ الذي تم الإيقاع بك فيه جزء من تحررك، عليك فقط أن تقرر عن وعي بأنك تملك رفاهية الاختيار وأنك لست وحدك.
فأنت لست مفعولاً به والآخرون لم يملكوا يوماً زر التحكم، فقط كانت اللُعبة.