مكانة المرأة قبل النظام الأبوي
تعريف النظام الأبوي
يُعرف النظام الأبوي بأنه تكوين اجتماعي وثقافي ينتج عن ظروف حضارية وتاريخية ويتميز بخصائص معينة في كل مرحلة من مراحل التاريخ فيما يتعلق بطرق التفكير والسلوك وأنماط التنظيم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يجعل الرجل على رأس الهرم فيصبح المحور الذي تدور حوله العائلة والعمود الفقري في المجتمع (1)، ساد الاعتقاد لفترة طويلة بأن النظام الأبوي هو الشكل الوحيد للأسرة والمجتمع عبر التاريخ إلا أنه مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت نظرية حق الأم لباخوفن لتُغير نظرتنا حول مكانة المرأة التاريخية.
نظرية حق الأم
في كتابه “حق الأم” يرى المؤرخ السويسري باخوفن أن المرأة على الرغم من كونها أضعف من الرجل من الناحية الفيسيولوجية إلا أنها في مرحلة من مراحل التاريخ احتلت مكانةً عاليةً في العائلة والمجتمع والسلطة وانتصرت على قوة الرجل الفيسيولوجية وأهم ما يميز تلك المرحلة هو الانتساب إلى الأم وما نشأ عن ذلك من علاقات وحقوق اجتماعية واقتصادية مختلفة مثل حق الأم بالاحتفاظ بأبنائها عند الطلاق أو أن الأولاد يرثون أمهم لا والدهم وغيرها مما يبرز سلطة النساء بالمجتمع ويعتقد باخوفن أن مكانة المرأة وسيطرتها في تلك الفترة يعود إلى العلاقات الجنسية غير المنظمة أو كما سماها بـ”الإباحية الجنسية” وهي مرحلة كانت فيها المجتمعات متحررةً جنسيًا ونتج عن ذلك انتساب الأولاد إلى أمهم لعدم القدرة على تحديد الأب بسبب غياب نظام للعلاقات الجنسية، هذا الوضع الاجتماعي أدى في الأخير إلى سيطرة النساء على المجتمع وعلى السلطة الدينية والاقتصادية.
اعتمد باخوفن في نظريته على دراسة المجتمعات القديمة من خلال الكتب التاريخية والبحوث الإثنوغرافية والقصص والأساطير وفي السطور التالية سنتناول بعض المجتمعات التي تدعم نظرية باخوفن سواء في الانتساب إلى الأم أو حول المكانة العالية للمرأة قبل النظام الأبوي.
مجتمع الأمازونيات
حسب الرواية الإغريقية الأمازونيات نساء مُحاربات ينحدرن من شواطئ البحر الأسود ويَعشن بمحاذات بلاد الاغريق وقد أسسن عدة مدن تحكمها ملكة، وكانت عبادتهن للآلهة أرتميس في مجتمع خالٍ من الرجال، فعندما يُردن الإنجاب يأتين إلى البلاد المجاور فيضاجعن رجالها ويرحلن وعند الولادة يحتفظن بالإناث ويرمين أو يقتلن الذكور وتخضع البنت في طفولتها لتكوين عسكري لتعلم فنون القتال والاستعداد للمشاركة في اللصوصية والغزو. ومن عادات الأمازونيات أنهن يقطعن الثدي الأيمن لتسهيل الحركة بالقتال، وذكرهن أفلاطون بقوله: “إنني أعلم بدون شك أنه حتى هذا اليوم يوجد بجوار البحر الأسود عدد عجيب من النساء يسمين “السورمات” اللواتي يتدربن لا أكثر ولا أقل من الرجال، لا على امتطاء الخيول فحسب وإنما أيضًا على الرمي بالنشاب وعلى كل الأسلحة” (2). ولقد تم العثور على الكثير من التماثيل في منطقة أغير بالساحل الشمالي من الأناضول أطلق عليها “تماثيل أمزونيا” أظهرت أهمية ومكانة المرأة الاجتماعية وصورت ما أعتقد أنها بطولات الأمازونياتفي الحروب والغزوات.
مجتمع الإروكيزن
أحد مجتمعات الهنود الحمر في مقاطعة نيويورك بأمريكا الشمالية الذي يسير فيه النسب على خط الأم، جميع قبائل الإروكيزن ينتسبون إلى أم واحدة تدعى “الأم الأولى”. وقد درس الأنثروبولوجي لويس مورغان إحدى قبائل الإروكيزن وهي قبيلة سينيكا التي تضم ثماني عشائر، لا تحكمها سلطة سياسية مركزية، ولا توجد بها طبقات اجتماعية، وجميع أفرداها متساوون. لكل عشيرة ممثل أو زعيم بدون سلطة فعلية يمثل العشيرة في مجلس القبيلة. وكان الزواج لدى عشائر الإروكيزن أحاديًا ويحرم على النساء كما الرجال الزواج من داخل العشيرة. ويكون الطلاق بناءً على رغبة أحد الزوجين. وعلى العموم كانت للنساء بقبائل الإروكيزن مكانةً قويةً ليس بالبيت فحسب، بل في المجتمع أيضًا؛ فقد كن يتمتعن بالمقدرة على عزل زعيم ما وإنزاله إلى مرتبة محارب بسيط!
مجتمع أسبارطة
الأسبارطيين نسبة لمدينة أسبارطة وهم أحد سكان اليونان القديمة الذين عُرفوا بنزعتهم العسكرية، في بداية مطلع عهده كان المجتمع الأسبارطي استمرارًا لحق الأم، فقد كانت كان للمرأة الإسبارطة مكانه مهمة وعالية بالمجتمع، ولم تكن مثلًا مطالبةً بالحفاظ على عذريتها قبل الزواج. وكان الأطفال المولدون خارج مؤسسة الزواج يُدعون بأطفال “الميلاد العذري”، ومكانتهم الاجتماعية لا تختلف عن مكانة أطفال مؤسسة الزواج، وقد ذكر المؤرخ اليوناني بلوتارخ أن نساء أسبارطة في بداية عهدها يَعلون على رجالها في كل المجالات العامة والخاصة.
هناك مجتمعات عديدة تدعم نظرية حق الأم أو تبرز المكانة العالية للمرأة بالعائلة والمجتمع قبل انتصار النظام الأبوي، ولا يسعنا في الأخير إلا أن نتساءل بما كتبه روجيه غارودي (3):
هل آن الأوان لتوجيه النقد إلى ستة آلاف سنة من النظام الأبوي والهيمنة التي مارسها الرجال على المجتمع بأسره؟ وإذا لم يكن تاريخ الرجل غير تاريخ عنف وسيطرة واسترقاق، فهل تكون النتيجة أن حركات النساء هي مجرد حركات مطلبية أم أنها تحمل في طياتها تباشير مشروع حضاري كامل لإعادة بناء العالم من جديد وكذلك هويته الإنسانية فيه.
الهوامش: 1الجندرالأبعاد الاجتماعية والثقافية،عصمت محمد حوسو ص 101 2النظامالأبوي واشكاليةالجنس عندالعرب،إبراهيم الحيدري ص 43 3 المرجع نفسه، ص 18 المراجع لغز عشتار ،فراس السواح النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب،إبراهيم الحيدري أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ، فردريك أنجلز الجندر الابعاد الاجتماعية والثقافية، عصمت محمد حوسو