خمس روايات من حول العالم ذات أفكار غير اعتيادية
البعض يقول أنّنا نقرأ لنهرب من الواقع والبعض يقول أنَّ القراءة مُتعة مكثَّفة أو وسيلة لتوسيع الأُفق، قد نختلف لماذا نقرأ ولكن نظلّ نبحث عن الأعمال الممتعة أو ذات الأفكار التي لم تمر علينا، شخصيًّا أُحب استكشاف القصص الصغيرة التي تبثُّ لي حياة شخص يعيش في جزيرة أو في قمة جبلية، وأستمتع بالنظام المعيشي المختلف على الرغم من أنها ليست رواية خيال علمي ولكن تظل متعة قراءة الفكرة الجديدة. في هذا المقال أسْتَعرِض خمسة روايات من حول العالم في أفكارٍ فريدةٍ من نوعها سواء أن تكون الفكرة خيالية بحتة أو بيئة مختلفة وحتى أسلوب عرض جديد لقضيةٍ ما، الأعمال الخَمس هي وجبة متنوعة دوليًّا وفكريًّا.
راوية الأفلام / إيرنان ربيرا (تشلي )
تحكي الرواية عن طفلة تترعرع في تشيلي في قرية صغيرة شديدة الفقر؛ إذ كان من مظاهر الترف ابتياع تذكرة سينما واحدة كل اسبوعين!
“لأنّ النقود في البيت كانت تتسرب كما لو أنها على حصانٍ يعدو ونحن نمضي مشيًّا على الأقدام”.
تتجمع أغلب خِصال الشقاء لدى الأُسرة الصغيرة المكوَّنة من خمسة أبناء والأب المُقعَد بعد أن هجرتهم الأم.
بطلة الرواية هي راوية بارعة تتقن حكي الأفلام ليس بمجرد نقل الصورة بل بالحوار ،الاغاني، التفاصيل ونبرات الصوت المتغيرة.
تستفيد الأُسرة نسبيًا من العروض التي تقدمها الطفلة في البيوت وتصل إلى سر نجاحها فالأمر لم يكن متعلِقًا بالكُلفة القليلة التي تتقاضاها مقارنةً بعروض السينما بل بتعلّق الناس بالخيال هربًا من الصحراء والفقر.
أخذت القصة في النهاية طابع كئيب عندما بدأت الطفلة تكبر لتُدرك أنّ المُقدَر هو عدم استمرار أحلامها مثل ما حصل مع الأُم وتزامنت نهاية أحلامها بوصول أول جهاز تلفزيون الذي حوَّل خيال الناس إلى شكلٍ محدَّد ومنظم لا يمكن تعديله ولا تغيّرُه.
أُسلوب السرد بسيط وبه بعض العقلانيّة يليق بطفلة تعمل في بيئة صحراوية، واعتمد الكاتب على إبراز المشاعر من خلال أحداث بسيطة متقطعة وليس من خلال الحوار بين الشخصيات، ولكن خُصِّصَ الحوار كاملًا لحياة الطفلة وخيالاتها عن الأُم وأحلامها، وقد عمد الكاتب إلى إظهار التشابه بين حياة الأم وحياة الطفلة رغم التناقض الكبير بينهما.
وفي النهاية تعتقد الراوية نفسها قطعة مُمَزقة من أحلامها في توصيل لذّة الخيال إلى الناس لتكون نهاية قصة الراوية بشكل غير قاطع بل مبتور باعتبارها الساكنة الوحيدة الصامدة في البلدة الصحراوية.
سندريلات مسقط / هدى حمد (سلطنة عُمان )
بدايةً الرواية غريبة بالحديث عن الجنيّات والسحر والسيدات المكتئبات اللاتي يتحولن إلى سندريلا مرةً كل شهر، ليلةً بلا ضغوطات وأطفال وأزواجٍ وهموم من الماضي، هذا اليوم حيث يطغى سحرَهُن على المدينة فلا تحزَنَّ ويراقِبَهم العبارون في حسد لجمال وصفاء لم يجدوه يومًا إلّا في حكايات الأطفال، يقولون: لم يعُد هناك جنيّة في مسقط لأنها استخدمت كلَّ سحرها لتحويل مجموعة بائسة إلى سندريلات يبعثن البهجة في قلوب الكل، ولكن ما لا يعلمه الكل أن سحر السندريلات نابعٌ من قصصهن المختلفة التي يُخْرِجنها لتصبح نفوسهن خفيفةً مُحَلِّقة، حينَ ينسجمن في الحكايات و ينسَون واقعهن.
طابع الرواية هو قصصهم بسردٍ مختلف أي أشبه بمجموعة قصصية متصلة الموضوع، نحن نتحدث عن مسقط عُمان في الوطن العربي إذ لم أسمع لشهادة امرأة من هناك يومًا وإن كنت لا أرى اختلافًا كبيرًا في القضية العامة، عدا أنها ليست كوارث كبيرة كالتي يمكن أن نقرأها عن الحرب أو الهجرة بل أبسط من ذلك حتى لتوشك أن لا ترى المشكلة لأنها رواسب نفسية من حوادث الطفولة التي قد تجعلك متوترًا ولا تقدر على الهروب ونسيانها والتظاهر كأن شيئًا لم يؤثر بك.
هذه القصص عن امرأة بلا تضاريس وطفلة حلمت بمقابلة أبطال مسلسل مكسيكي وسيدة لم تحب يومًا أبنائها وواحدة غيّرت شائعة حياتها وآخرين كل قصتهم في الحياة أقَل من أن تُحكى ولكن الكاتبة استطاعت أن تضع هذه التفاصيل الصغيرة لتُشعرك بقصص السيدات، القصص ليست فقط مختلفة في السرد بل نقطة البداية أحدثت فارقًا كبيرًا في القصص رغم ظنّي أن بعض هذه القصص لن تعجب الرجال ابدًا.
الإله الصغير عقراب /روبار ايسكرابيت (فرنسا )
الرواية خيالية وممتعة عن إلهٍ صغير ذي قدرات قليلة لا يؤمن به إلا خمسة كائنات ولا تتكون جنته الصغيرة إلا من غرفةٍ واحدة بيضاء مع أريكة، يقرّر الإله عقراب النزول إلى الأرض وزيادة عدد المؤمنين به عن طريق المساعدة بمعجزات قليلة، ينجح عقراب في تكوين مجموعة ابتدائية لديانته متخطيًا مصاعب كثيرة من مريدي الأديان الأُخرى.
الجزء الأول خيالي تمامًا ورغم استعمال كلمات ديانات وإله ومعجزات ألا إن الرواية لم تكن مسيئة لأي دين أو إله؛ بل تطرح أسئلة فقط مثل التسامح بين الأديان أو كيف نصنف الدعاء الجيد والشرير أو ربما أفكار تتبع الاقتصاد أكثر من الدين.
الجزء الثاني مُربك أكثر؛ إذ يزداد عدد المريدين و تكثر مساعدة عقراب قدر استطاعته من المعجزات ليقوم بتجميع كل الآلهة القديمة التي لا يؤمن بها أحد و يفتح حوار مع ممثلي الأديان الكبرى وتنتهي الرواية بنهاية خيالية تمامًا كما بدأت.
وإن كنت أرى أنها تصلح قصة للأطفال لبساطتها في الإسلوب و السرد و الخيال ولكن من الممكن ألّا تناسب الكل.
قلب كلب / ميخائيل بولغاكوف (روسيا )
الرواية عن كلب متشرد مريض يقوم طبيب مشهور برعايته، لاستخدامه في أحد الجراحات التي يقوم بها في مكتبه، عمليات الدكتور مشبوهة وغريبة نوعًا ما ولكن الطبيب على عكس ما يبدو عليه يقوم باستخدام طريقه الإيحاء أو معاملة الكلب بطريقة جيدة بالإضافة إلى إطعامه وتسمينه وعدم التعرض له بالايذاء قياسًا إلى ما كان يحدث من خراب داخل عيادة الطبيب ما جعل باقي العاملين يتعجبون من هذه المعاملة غير المعتادة.
ومن البداية جاءت شخصية الطبيب المشهور مغرورة مليئة بالثقة و الغضب، لسانه لاذع مليئ بالسخرية لدرجة اختلاط السخرية بالرموز الكثيرة التي يمثلها مرضى الطبيب،
يقوم الطبيب بزراعة غدة نخامية وأعضاء أُخرى للكلب لقياس طريقة لإطاله العمر عن طريق أعضاء الكلاب، ورغم توقع فشل العملية ألا إن الكلب نجى ومع الأيام بدأ بالنطق ثم السير وفي النهاية انتقلت له عدوى السخرية اللاذعة وأصبح يخالط إثنان من أفضل الأطباء الحاصلين على الشهادات و يجاريهما في الكلام، ولكن ينقلب الوضع عليهم عندما يبدأ الإنسان الكلب في اتخاذ شخصية خاصّة سيئة و يفكران في التخلُّص منه.
الرواية بسيطة ورائعة بالإضافة إلى رمزيتها التي كانت سببًا في منعها بالإتحاد السوفيتتي لأعوام.
ترجمة بعض المقاطع سيئة وأحيانا تؤدي إلى ضياع بين القائل والمتلقي ولكن الفكرة في المُجْمل مدهشة.
طائفة الأنانيين / إيريك إيمانويل شميت (بلجيكا )
العمل المميز بالنسبة لي ليس في التغير الجذري الذي يضعه الكاتب لخلق عوالم وكواكب، بل ربما خلق فكرة واحدة يكفي في بعض الأحيان.
الحبكة عن شخص يضع فلسفة خاصة به عن كونه مركز وإله الكون وكل ما حوله مجرّد انعكاسات لحاجاته لذلك هي موجودة، أي أن كل الناس موجودة للاشيء، ألا إن لهم دور في إسعاده وظهورهم أمامه يعني منفعة يُريدها عقله، وحتى أي كارثة أو ألم يتفلسف ويحولها لشيء إيجابِي أو دافعٍ ما لإثبات صحة معتقده.
سرد الرواية عبارة عن مخطوطات متفرقة، جزء عن فلسفته العقلية وحِججه وجزء عن تعامل الناس مع الأفكار سواء بالإنبهار أو السخرية، بعض الأجزاء الأُخرى عن سرد هذه الشخصية لوجهة نظره وهو من أهم عوامل الرواية إذ ذكر الكاتب أغلب وجهات النظر وطُرُق عديدة للعرض في نوفيلا صغيرة جدًا.