البكتيريا تضرب من جديد! هل تنتصر علينا؟
لقرون طويلة من عمر البشرية كان المرض شبحًا يُهدِّد بالموت بغض النظر عن نوع المرض، فأبسط الأمراض الجرثوميَّة أو الفيروسيَّة أو المناعيَّة كانت كفيلةً ببساطة للقضاء على حياة الإنسان أو تركه يعاني سنوات قبل ذلك! وكان على الإنسان أن يسلِّم بموت أحبائه وأقربائه ببساطةٍ دون أن يُفكِّر حتى في احتمال نجاتهم.
لكن البشر رفضوا الاستسلام لهذا الوضع، ولهذا جنَّدوا العلم والعلماء لمواجهة شبح الموت الذي استباحهم بمختلف الأشكال والطرق، ويومًا بعد يوم بدأوا بالقضاء على الأمراض ومسبباتها واحدًا تلو الآخر، وكان من بين تلك الفتوحات الطبية أن اكتشف أحد المحاربين واسمه (الطبيب أنطوني فان لوفاك)، في العام 1676، أحد أخطر مسببات الأمراض؛ ألا وهي البكتيريا “الجراثيم”.
ما هي البكتيريا؟
البكتيريا: كائنات دقيقة وحيدة الخلية لا ترى إلا بالمجهر، لها ملايين الأنواع والأشكال والتصنيفات، وكان لها الأسبقية على جميع الكائنات الحية في استيطان الأرض إذ يُقدَّر عمرها بأربعة مليارات سنة (عمر الأرض 4.5 مليار)، وهي تعيش في كل مكان من التربة إلى الماء إلى أجسام الكائنات الحية، ولها القدرة على الاستمرار في أصعب الظروف الحيوية؛ إذ وجدت بعضها في أعمق نقطة على الأرض (خندق مارينا)، أو ضمن الصخور في أعماق المحيطات، أو حتى في مركبات البشر في الفضاء.
وليست جميع أنواعها مسبِّبة للأمراض؛ بل إن بعضها يساهم في دورة الحياة أو في عمليات غذائية معينة.
تتواجد عادة بشكل “عضيّات” صغيرة وبأعداد هائلة، وهي تتكون من شريط حمض نووي يحيط به البروتينات ومواد أخرى ضرورية، ويجمعها كلها غشاء خلوي، وتتغذى بحسب نوعها؛ إما بالتطفل أو التعايش أو غيره، وتتكاثر لاجنسيًّا بالتأكيد.
المضادات الحيوية:
رغم اكتشاف أنواع بكتيرية مسببة للأمراض على يد (أنطوني) ومن ثم (لويس باستور) وغيرهم، إلا أن العلاج لم يتواجد إلا بعد 300 سنة من هذا الاكتشاف؛ حين قام (بول إيرليك) بتصميم أول علاج قادر على القضاء على البكتيريا المسببة لمرض الزهري، وقد حصل إيرليك على جائزة نوبل للطب 1908؛ لأهمية اكتشافه وفعاليته.
وكان هذا الحدث بمثابة فتح بوابة المواجهة المباشرة بين البشر والبكتيريا؛ إذ كثرت وتعدَّدت بعدها أنواع الأدوية واللقاحات والعلاجات، والتي سميت في عالم الطب “بالمضادات الحيوية“، وانتشرت بشكلٍ هائل بين الناس مما ساهم بالقضاء على مئات الأمراض المختلفة وانقراضها، ومع الوقت أصبح استخدام المضادات الحيوية روتينًا شبه يومي بين الناس، وأدمن بعضهم استخدامها عند أبسط الوعكات الصحية أو نزلات البرد، متناسين تمامًا أن البكتريا ما هي إلا كائنات حيَّة تتفاعل مع البيئة وتتأقلم وتسعى للبقاء مثلنا تمامًا.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي بدأت الصيحات التي تنادي وتوجِّه الناس بتقنين استخدام المضادات الحيوية وحصر مهمة وصفها بيد الطبيب المختص فقط؛ فالعلماء يدركون تمامًا أن البكتيريا التي استطاعت البقاء والاستمرار والتكاثر والتنوع في مختلف الظروف وطوال 4 مليارات سنة، لن تعجزها أدوية صممها البشر!
وقد حذَّر الباحثون طوال السنوات الأخيرة من إمكانية ظهور بكتيريا متطورة لا تتأثر بالمضادات الحيوية التي بين أيدينا اليوم، وهي الثغرة التي صنعناها بأنفسنا في حربنا مع البكتيريا الممرِضة!
البكتيريا المضادة للمضادات الحيوية:
بالفعل ظهرت حديثًا سلالات من بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، ويعد هذا التعديل الجيني نوع من الاصطفاء الصناعي “بعكس الاصطفاء الطبيعي للكائنات فهو يحدث بتدخلٍ بشري”؛ إذ بدأت أنواع البكتيريا العادية بالانخفاض نتيجة لمقاومتها، وبدأت سلالات البكتيريا المقاومة بالازدياد نتيجةً لتمكنها من الحفاظ على النوع.
والأخطر، أن العلماء لاحظوا أن النوع الجديد للبكتيريا له تأثيرات مرضية مضاعفة عن نظيرتها العادية، وتعد أمراض تسمم الدم والسل الرئوي أبرز الأمراض التي تسببها السلالات الجديدة، وتزداد صعوبة معالجة هذه الأمراض مع مرور الوقت، وتُكلِّف مبالغًا أكبر ومعاناة أكبر للمريض.
وتختلف عادة البكتيريا المقاومة للعلاج عن نظيرتها العادية بالجينات؛ إذ أن التعديل يكون على جينٍ واحد أو أكثر -وهو الأخطر-.
يُحذِّر باحثون اليوم من أن البكتيريا المقاومة قد يصل عدد ضحاياها إلى 10 مليون شخص سنويًّا خلال العام 2050 ما لم يتدارك البشر أنفسهم بالوقاية أولًا من خلال تنظيم استخدام المضادات الحيوية، وتجنُّب العدوى وتشديد الحكومات على طرق العلاج، وبانتظار الحل ثانيًا؛ فالعلماء لم يعلنوا استسلامهم بعد وما الحرب إلّا جولات!
مقالات عن البكتريا:
كيف يمكن للبكتيريا أن تغيّر من مزاجك!
مترجم: بكتيريا تنتج الكهرباء في الأمعاء
البكتيريا تراقب جيناتك وتؤثر في عملها!