“ماريتا المجنارين” الرسولة المفقودة!
أظن أنك لم تسمع من قبل عن الرسولة “ماريتا” ابنة الأسرة المعروفة في الحضارة الماريتية القديمة آل ماجنرين، ولم تعرف مسيرتها أو رسالتها العظيمة، وأظنّ أنك لا تعرف شخصًا مؤمنًا بالدين “الماريتي” أو سمعت عنه من قبل!
بالطبع لم تسمع عن أي شيء مما سبق لأنه محض خيال، تأليف صافي، لا يوجد “رسولة”.. حتى أنّ كلمة “رسول” لا تؤنث في اللغة العربية وإضافة تاء مربوطة لها خطأ لغوي سأفعله.
ولا يوجد شخص معروف بهذا الاسم الذي يصعب نطقه على أية حال، ولا يوجد حتى ما يسمى بالحضارة الماريتية القديمة، وبالطبع لا يوجد دين يسمى “الماريتي”، ربما يوجد نوع من الكحول يسمى “المارتيني” وهو مجرد تخاطر أفكار ربما من حالة السُكر التي أصابتني بعد خمس ساعات فقط من التفكير الشيق الممتع.
لطاما استمتعت بنشوة الخمر في الأفكار الفلسفية، ولطالما شعرت بالسُكر وأنا أترنح بين جدران التساؤلات و”الربمات” الجدلية، لكني أظن أنّ عددًا قليلًا من الناس يتفهمون شعوري هذا؛ ففي الغالب تلك التساؤلات تُسمى بالهرطقة، أو التجديف في العصور القديمة وبالكفر في العصور الحديثة في البلدان المتخلفة، وبالجنون في البلاد الراقية.. ونتيجتها واحدة عمومًا؛ النبذ والكراهية وقد تصل للقتل.
تلك التساؤلات ذاتها التي خلقت النظام الديمقراطي الذي جعل الحمقى وحدهم يتولّون زمام الأمور، وأظنّ بالنظر لحالة العالم الدموية المشتعلة دائمًا فإننا لم نحسن صنعًا باختراع النظام الديمقراطي إذ لم ننشر في البدء أسس التفكير الفلسفية السليمة في رؤوس الأغلبية.
لذلك، أبدأ مقالي بالتنويه، هذا المقال مكتوب وموجّه للهراطقة القدماء والكفار المجانين حديثًا، موجّه للعظماء من فرد يتشبث بطرف ثوب العقل محاولًا نزعه عنه، ولو نُزعت روحه أو زُهقت معه.
أول فِعل قام به “آدم” و”حواء” بعد أن أكلا من الشجرة المُحرمة كما تخبرنا النصوص الدينية، أنهما طفقا يخصفان على عورتيهما من أوراق الشجرة ليخفوها بعد أن كشفت.
فلماذا كشفت عورتيهما بعد أن اتخذا قرار حرية الإرادة والتي ترتب عليها حرية مخالفة أوامر الرب وحرية المعصية؟ لماذا فقط حينها التفتا بنظريهما لعورتيهما؟ ربما لأنهما أصبحا مسؤولَين مسؤولية كاملة الآن عن جسديهما وروحَيهما؛ فَمَلَكا ما جَهِلا وَرَأَياه، ربما كان نوع من القدسية نُزع عنهما…
أيًا كان السبب المهم أن أول فعل لهم كان محاولة إخفاء تلك العورات، ولازلنا على ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا نحاول إخفاء العوار البشري له وليس عوار الجسد فحسب.
ولما خُلقَ الدين أو خَلقَ الدين -الإنسان-، اكتفى كعادته بستر عوراه أينما وجد خلافًا أو نشوزًا عن التطور والحضارة، بدلاً من الإيمان الحقيقي -إن ادّعى وجوده-.. فلا يخشى على ما يظنّه كاملًا “الدين” نقدَ وجدالَ من يظنه ناقصًا –الإنسان-، لكن الحقيقة أن العكس تمامًا ما فعله “المؤمن”؛ على نقيض العقل فكلما اشتدّ “إيمانه” أصبح أكثر حرصًا على غلق مجالات الجدال والفحص والتمحيص في نصه “المقدس”.
أنا هنا لا أتحدث فقط عن الأديان الإبراهيمية أو السماوية، بل عن كل الأديان حتى من عصر الوثنية. لطالما وُضع الدين في يد “كهنوت” المعبد باختلاف أسمائهم وأزيائهم وطقوسهم.
من المقدمة الهزلية السخيفة التي افتتحتُ بها هذا المقال –إن صحّ وصفه بالمقال- قصدت عرضَ ثلاثة تساؤلات مركزية:
- لماذا لا يوجد في تاريخنا الإنساني “رسولة” سيدة (ولا تتسرع وتذكر السيدة العذراء)، أنا لا أقصد أمًَا لرسول، أنما أن تكون هي بحد ذاتها “رسولة” تحمل رسالة ويتبعها قوم وتناضل وتخطط لنشر رسالتها؟
- لماذا تابعتَ القراءة بعد عنوان المقالة؟
- أما الطرح الثالث من هذياني في بداية هذا النص، سؤال محدّد: كيف تعرف أن ما وصلك من أخبار الرسل والقديسين والأديان صحيح؟
سأبدأ بالرد على السؤال الثاني لأني أعرف أنك قد أجبت بالفعل عليه في عقلك ألف مرة حتى الآن.
تابعت قراءة المقال لسبب بسيط في الغالب ربما لأنك لا تعرف بالطبع كافة الديانات الوضعية “ومن يعرف؟!” الموجودة فربما ظننت أنك ستعرف معلومة جديدة! ربما حتى بحثت في “جوجل” فلم تجد شيئًا مما ذكرته فقُلت في نفسك فلأنظرْ من أين لها بتلك المعلومات؟
أم مجرّد فضول أو وقت فراغ ربما؟ ربما لأنك قرأت شيئًا لي من قبل وتعرف كم أنا كاتبة سيئة فوددتَ أن تخوض التجربة معي مرة أخرى لتهزأ مني ومن وقاحتي لإعادة الكرة؟
ربما أي سبب.. لكن المهم أننا لا نعرف الحقيقة المطلقة أبدًا الخاصة بكل شيء، خاصة العلوم الاجتماعية ومنها الأديان.
فهل سألت نفسك مرة كيف تعرف أنّ ما وصلك من أخبار الرسل والقديسين والأديان صحيح؟
نحن نحاول أن نجتهد في المعرفة، لكننا لن نعرف الحقيقة المطلقة أبدًا، المشكلة هنا في من يحاولون كبت هذا الاجتهاد، فلما تعرف أنّ رواية، مجرد رواية، تعرّضت لأحداث تاريخية دينية متعلقة بالمسيحية تمّ منعها من عديد من البلدان ومنها “لبنان” و”الأردن” وحتى بعض الدول الأوروبية بأوامر من كهنوت الدين المسيحي، رغم تلك المحاولة البائسة حققت الرواية نسبة مبيعات عالمية بحوالي 60 مليون نسخة، بالطبع الرواية مشهورة فى عالمنا العربي لما فيها من استفزاز للآخر “المسيحي” وليس لاعتقادنا –لا سمح الله- بحرية التفكير، فقط أتخيل لو كتب أحدهم رواية مبنية على الأحداث الدموية البشعة التي صنعها “صحابة” الرسول بعد وفاته وخلقت الفتنة التي تأكل جذور الإنسانية فينا حتى اليوم، مجرّد التخيل أصابني بالقشعريرة (ربما ذات يوم أجرب بنفسي).
تلك الرواية الشهيرة تم تمثيلها في فيلم أجنبي يحمل اسمها “شفرة ديفينشي” كما أنه بسببها تم عمل برامج حوارية لمناقشة المعلومات التي لم يخترعها الكاتب ولم يكشف عنها للمرة الأولى، لكن بأسلوبه الشيق فقط سلّط الضوء عليها فأخرجها من خلف عباءة الكهنة والسلطة الكنسية إلى عوام المتدينين والعالم أجمعه.
أكبر معضلة يناقشها الفيلم هي قصة “مريم المجدلية” التي يعود الجدال فيها للأناجيل الذي عثر عليه فلاح مصري من نجع حمادي “أناجيل نجع حمادي” ونُشرت على العلن عام 1945، وقد احتوت هذه المخطوطات على كتابات تعود لأوائل الحقبة المسيحية، من ضمنها إنجيل توماس، وأجزاء من أناجيل فيليب ومريم المجدلية نفسها، بالإضافة لغيرها.
تلك الأناجيل المخبأة بعناية هي ما بقي بعدما اجتمع رجال في حقبة ما بعد الشتات المسيحي وجمعوا كلّ ما كتبه أتباع المسيح المخلصون وقاموا بعمل “تصويت” واختاروا الأناجيل الأربعة المعروفة وحذفوا وحرقوا كل ما خالفها.
نعم أيها السادة، لقد تم اختيار الدين بالتصويت، وتم التصويت على ألوهية المسيح وبالتبعية رفض أن ينسب له فعل بشري كالحب والزواج، لذلك ببساطة تم رفض وحذف ومنع كل ما ذكر علاقة حب وزواج بين عيسى ومريم المجدلية، بل إنّ البعض سعى لتشويه سمعة مريم حدّ وصفها بالعهر، فنسب لها قصة العاهرة الشهيرة في المسيحية فقط ليقضي تمامًا على سمعة زواج المسيح منها وحبه لها، ليتمسك بما فهمه هو وأقره هو عن ألوهية “عيسى” وإنكار الصفات البشرية عنه!
وهنا ننتقل للسؤال الثالث، لماذا كل هذه الحرب لإنكار “مريم المجدلية”؟ وقد قيل في الأناجيل التي عثروا عليها أنّ السيد المسيح قد أوصى الحواريين في العشاء الأخير باتّباعها وأنّ مريم المجدلية كانت حاملًا آنذاك في ابنته “سارة” ووصى المسيح لمريم باستكمال مسيرته الدعوية!
فلو خرجنا خارج الإطار الديني للقصة، أو أقصد خارج المسيحية نفسها، ونظرنا للأديان عمومًا واستبعادها واستنكارها على مرّ التاريخ لأي دور خاص بالنساء أبعد عن دور “التابعة”، فتُرى هل هذا فعل الله أم الإنسان الذي نقل الرسالة وشوهها وفقًا للأهواء وللسائد آنذاك؟!
ثم يأتي السؤال التابع الذي أثاره الفيلم نفسه، وننتقل له من الفكرة السابقة بطبيعة الحال: مَن الله ومَن الإنسان؟
كيف نعرف الله إن لم نكن نعرف أنفسنا، ولِمَ لا تكون صورة الله هي نفوسنا؟ أقصد ربما نكون نحن الله على الأرض، لماذا يجب أن يكون “الله أم الإنسان”؟ لماذا يجب أن يكون أحدهما فقط، كم من بشر قُتل ويُقتل وسيقتل بسبب هذه الفكرة، الله أم الإنسان؟ لمَ لا يكون كلاهما؟ ولم لا يكون الله هو الإنسان على الأرض؟
الإنسان خليفة الله، الإنسان يد الله، الإنسان صورة الله.. كل تلك المصطلحات يستخدمها المتدينون من الأديان المختلفة بأشكال ومبررات مختلفة، لكنها كلها تصب في الفكرة نفسها في النهاية: أن هنا على الأرض للإنسان السيادة.
ربما هي هبة الله لنا، وربما هذا بلاؤنا الذي حملناه لمّا عرض الأمانة على السماوات والأرض وأبَين أن يحملنها وحملها الإنسان! ربما هذه هي قواعد اللعبة، أن يخلقنا أسياد -آلهة- للأرض نفعل ما نشاء ولنا من قدرته ما نشاء حتى يستطيع أن يحاسبنا في النهاية، وقد بعث لنا رسالاته لنتجادل ونتفحص ونعمل عقولنا فنصطاد بفطرتنا الإلهية ما هو عادل ومتسق معها ونرفض ما هو شيطاني من عنف ودم وتكبر!
ربما نحن أحرار تمامًا، كالآلهة، بلا خيوط تحركنا كعرائس الماريونت، وإلا أين العدل؟ إن كنا نفعل فقط ما أمرنا به ألهنا.. نكون هكذا أقرب للملائكة لا لآدم؟
الحقيقة أنّ كل ما سبق مجرّد نتف لشعيرات صغيرة على ذراع التاريخ البشري المليء بالأسرار والخبايا، فربما وُجِدت “رسولات” لكن تم دفنهنّ كالأناجيل في صحراء العالم، وربما المنقول لنا عن الأديان لعبت به الأهواء وشوهته حتى أصبحنا نعبد أهواء الآخرين، وربما نحن لن نعرف أبدًا أننا نعرف إلا حينما نبدأ في الشك.
لا وجود للإجابات الصحيحة، لكن أبدًا لم تكن تلك هي المشكلة، المشكلة ليست في ألا تمتلك إجابات، المصيبة أن لا تمتلك أسئلة بالأساس.