مُعضلة الخيار الأمثل ومرجعيّته

البشر وقدرتهم على التنازل لأجل تحقيق المصلحة الكبرى.

مُعضلة أخلاقية:

على الجسرِ تُوجد أنتَ ورفيق لك، والذي يطلّ على طريقٍ ضيقٍ وَعِر، وعلى يمينك يركض خمسة أطفال لجلب كُرة، وعلى شمالك شاحنةٌ مسرعةٌ في طريقها؛ متجهة نحو الصِغار نتيجة لانحناءة الطريق، وإنّ احتمالية رؤية السائق لهم وكبح الحافلة باتت ضعيفة جدًا وصار اصطدامها بهم أمرًا حتميًا، وعلى الأرجح سوف يَلقى الخمسة مصرعهم. هذه الحادثة المرئية أمامك تبدو أنّها لا مفر منها سوى طريق واحدة؛ وهي القذف برفيقك-الذي بالطبع أكبر وأكثر حجمًا- أمام عجلات الحافلة؛ لتتمكن من سد الطريق وتقليل سرعة الحافلة، وفي النهاية إنقاذُ الصغار الخمس، أمّا هذا الذي ضُحِّيَ بهِ هلاكُه على الأرجح يبدو مُحققًا لا محالة، ولكن من ناحية أخرى سوف تُنقَذُ خمسة أرواح. كل ما لديك هو جزءٌ من الثانية لتختار أيَّ النارين اللذَين على وشك الحدوث، فما هو الخيار الذي أنت على صدد القيام به؟

 مُعضلة القطار Trolley Problem

وهذه الأخرى عبارةٌ عن قطارٍ غير قابلٍ للتحكم به، وقد وُضِعت للتحقُّق من القدرة على اتخاذ القرار الأخلاقي؛ فهي اختبار أكثر ضغطًا من معضلة الشاحنة تلك، وتتضمن اختيارًا خداعيًا شيطانيًا أقرب للكابوس منه للخَيار، وهو أنّة ثمّة فردٌ مُرغمٌ على التحكّم في اتجاه القطار، وفي الطريق الأساسي للقطار يوجد خمسة أشخاص وعلى جانب الطريق شخصٌ مُتفرّج، وأمامك خياران: إمّا إنقاذ خمسة أرواح وإزهاق روح بريئةٍ، أو عدم إحداث ردّة فعل تاركًا أمامك الخمس أرواح يَلقون مصرعهم.

ويَكمن جوهر هذه المعضلة فى قياس إلى أيّ مدًى أنتَ مؤهلٌ لتحقيق المصلحة العظمى.

لا يوجد هنا ما يُعرف بالحلّ المثالي الواضح، ولكن الحل المُحَقِّق لأقلّ قدرٍ من الخسائر، والذي يؤدي إلى إراقة روح بريئة يمكنه أيضًا أن يجعل منكَ فى نظر البعض قاتلًا.

مذاهب مَرجعية مُطرحة تتحكم فى نفوس مُتخذى القرارات الأخلاقية الصعبة:

المذهب الواجبي:

يصف الفرد في حالة التسليط الأقلّ على نِتاج وتوابع ردة الفعل، ومن أمثلة هذا المذهب التوجيهات الدينية “Thou shalt not murder”، وهي الوصيّة السادسة في الكتاب المقدّس، وتعني “لا تقتل”، ومبدأ أهيمسا– الرحمة لا العنف- الأخلاقي yogic concept of ahims، وهو المبدأ ذو الصدارة في المبادئ العشر لليوجا (فلسفة هندية تأمّلية)؛ فعند مقارنة رَدتي الفعل فى مُعضلة القطار أو الشاحنة في إطار هذا المذهب فإن خَيار عدم إحداث ردّة فعل هو الخيار الأفضل عن المساهمة في إراقة نفس بريئة متجاهلين تَبعات هذا القرار؛ لذلك على الأرجح يتبنّى تابعو هذا المذهب موقفًا سلبيًا في مثل هذه القرارات الأخلاقية المُعضلة.

إعلان

مذهب النفعيّة:

محور دعم مُتبنّي هذا المذهب هو المنفعة الشاملة أيًا ما كانت الوسيلة المُتّبعة لتحقيق هذه المنفعة.

يبرر هؤلاء القذف بأشخاص أبرياء لتحقيق منفعة لأكبر عدد، لذلك الإلقاء بشخص بريء تحت عجلات الحافلة مقابل الحفاظ على أرواح أخرى هو الحل الرابح؛ متجاهلين بذلك جزءً كبيرًا من المبادئ الإنسانية الأخرى.

لماذا تمثّل المعضلتان اهتمامًا كبيرًا عند دراسة آلية صنع القرار؟

لابدّ من أنك تساءلت لماذا يجب أن تشكل هاتان المُعضلتان اهتمامًا عندي؛ حيث إلقاء شخصٍ ما تحت الحافلة لإنقاذ مجموعة أشخاصٍ أخرى ما هو إلا سيناريو تخيُلي بعيد الحدوث، ويتضمن قسوةً شديدةً ونتائج أليمة على كلا الصَعيدين.

نعم لحسن الحظ كلتا الإشكاليتين لا تحدثان بشكلٍ اعتياديٍ فى حياتنا اليومية، ولكن يمثّل جوهر هذه المعضلة محورًا أساسيًا تتمّ الإشارة إليه في العديد من الدراسات النفسية والأخلاقية؛ هذا بالإضافة إلى أعمالٍ درامية تليفزيونية مثل فيلم Eye in the Sky؛ فيوجد عدد مهول من المواقف والأحداث اليومية تكمن وراء تلك المعضلة الأخلاقية، وأساس بناء خياراتنا اليومية أهو النموذج الأخلاقي أم النموذج النفعي؟

يُجبَر الأطبّاء في الكثير من الأحيان على تقليل المساحة العلاجية للمريض وخزل حاجته من العقاقير الطبية allocation of limited medical resources لإيواء عدد أكبر من المرضى، وفي أيامنا هذه خير مثال؛ حيث يضطرّ الطبيب لتحديد من هم الذين يجب معالجتهم من فيروس كورونا وما هي الحالات المتأخرة. أيترك هؤلاء ضياعًا، يهتك بهم المرض للحفاظ على بقيّة الحالات واستقبال الحالات الأخرى التى يمكن علاجها أم ماذا يجب أن يفعل؟

ورجال السياسة هم أيضًا خير مثالٍ من واقعنا؛ حيث قيام صراع فى العالم يُوضع السياسيون في مأزق الاختيار ما بين القذف بأرواح شباب الجنود والمدنيين لاستعادة منطقة أخرى مزّقتها الحرب أم ماذا يجب أن يُفعَل؟ ما هو عدد الجنود الذي يجب أن يُرسَلوا لملاقاة حتفهم حتى يعود التوازن فى المنطقة؟

وعند إطلاق السيارات ذاتية القيادة self-driving cars soon to be introduced فى طُرقنا السريعة، على أيّ أساسٍ يجب برمجتها وعلى أيّ مرجعية؟ أيجب أن تَصطدم بشخص بريءٍ لتجنب حادثة اصطدام جماعية؟ أتُفضَّل حياة الإنسان السائر على حياة الحيوان؟

هذه الحالات المذكورة بالأعلى غرضها ضرب الأمثلة، لا الحصر لما يتعرّض له الفرد أو مجموع الأفراد لاتخاذ قرارٍ سريعٍ مُعضلٍ ومُربكٍ في صحّته المرجعية.

الخلفيّة الثقافيّة وتأثيرها على متخذي القرار:

بالعودة إلى السؤال الأول؛ قامت دراسة فى جامعة “ليستر” للمقارنة بين الصينيين والإنجليز striking differences between British and Chinese حول ماهية خياراتهم في مثل هذا الموقف، ووجدوا أنّ الشعب الصيني يميل أكثر إلى عدم التدخّل فى عجلة الأحداث؛ مؤكدين بذلك خلفياتهم الثقافية وإيمانهم بالقدر والمصير. على الصعيد الآخر وجد الدارسون أنّ الشعب الإنجليزي يميل أكثر لإنقاذ أكبر عددٍ من الأفراد، وبالطبع الخلفيات الثقافية المختلفة قد أثّرت على مُتخذي القرار.

عند التفكير فى ردّة الفعل التي قمت باختيارها في تلك المُعضلات الأخلاقية؛ فهي بالطبع ناجمة عن خلفية ثقافية ومرجعية أخلاقية معينة، وهذا الاختلاف لا يؤكّد فقط التفاوت في الخيارات المُعضلة تلك بل هو في كافة القضايا والإشكاليات الأخلاقية والاجتماعية التي يواجهها شعوب العالم يوميًا.

ما هي نشأتك الثقافية وكيف تؤثر على قراراتك المُعضلة؟

المقالة الأصلىية: https://www.psychologytoday.com/intl/blog/stretching-theory/202010/is-it-ok-throw-someone-under-the-bus

إعلان

فريق الإعداد

ترجمة: إسراء حامد عامر

اترك تعليقا