موت الكون .. ما هي السيناريوهات المحتملة لنهاية كوننا العظيم؟
كلّ بداية لها نهاية، وهذه النهاية هي البداية لشيء آخر.. هكذا قالها افلاطون.
عن أيّ نهاية نتحدث هنا؟ حسنًا، نحن نعي جيدًا أنّ الموت نهايةٌ حتمية لكلّ شيء، وفي ذلك قد تكلّم الفلاسفة والمفكّرون وأطلقوا من الآراء والنظريات الكثير التي تتناول معنى الموت وماهيته، كما تختلف نظرة كلّ دِين للموت وحالته، ومن منظور العلم نعرف أنّ موت الكائن الحيّ يحدث بتوقّف عملياته البيولوجية، لكن هل تساءلتَ يومًا عن موت الكون ؟ كيف يموت ومتى؟ دعنا اليوم نتناول ذلك الموضوع من منظور علميّ، لنعرض النظريات التي تضمّ الحقائق والفرضيات التي نستند إليها لوضع سيناريوهات لنهاية الكون وموته.
يقول آينشتاين: “إنه لمن الصعب فهم الكون، ذلك لأنه واضح!”، نعرف عن كوننا بعض الحقائق بالفعل ولكن تقابل معرفتنا تلك أشياءُ مازالت غامضة، الذي نعرفه جيدًا أنّ كوننا يتوسّع بمعدّل يتسارع بمرور الزمن، وذلك لا يعني أنّ المجرّات تبتعد عن بعضها بل إنّ الفضاء الشاسع ما بين المجرات يتوسّع بمعدّل سريع وتزداد سرعة توسّعه بمرور الزمن، ويرجع ذلك لظاهرة غريبة عرّفها العلماء باسم الطاقة المظلمة، وتُعرف بأنها أحد الأشكال الافتراضية للطاقة التي تملأ مساحات هائلة من الفضاء والتي تشكل ما يقرب نسبة 74% من الكون، وفقًا للنسبية العامة، يكون لتلك الطاقة قوة تؤثر على تمدّد الكون وهو تأثير معاكس لتأثير قوة الجاذبية على المقاييس الكبيرة المتمثلة في المساحات الشاسعة ما بين المجرات. ذلك الافتراض هو الشائع بين علماء الفيزياء والفلك اليوم.
بناءً على ما سبق هناك ثلاث نظريات تقدّم ثلاثة سيناريوهات لفهم كيف ينتهي الكون:
التمزق العظيم The Big Rip
في البدء لم يكن هناك شيء، ثم وُجد كلّ شيء وأخَذ في التوسع، حسب نظرية الانفجار العظيم The Big Bang لم تكن نشأة الكون بمثابة انفجار بالمعنى المحدّد وإنما كان توسعًا هائلًا أدّى إلى تناثر المادة في الفراغ. استمرّ توسع الفراغ ما بين الأجرام المادية بمرور مليارات السنين إلى أن صار الكون كما نعرفه اليوم ومازال يتوسع أكثر وبسرعة متزايدة.
الفضاء ما بين المجرات يتوسع لذا فهي تتحرك بعيدًا عن بعضها، وكذلك الفضاء داخل المجرة الواحدة يتوسع لكن جاذبيتها قوية كفاية لتبقى نجومها منجذبة إليها وتبقيها ضمن إطارها.
تفترض هذه النظرية –التمزق العظيم– وصول تسارع فضاءات الكون إلى نقطةٍ حيث لا تستطيع قوة الجاذبية مقاومة التسارع بعد ذلك، فينتج عن ذلك ما يشبه التمزق في بنية المجرة الواحدة فتتناثر نجومها في الفضاء البعيد عن مركز المجرة.
الأخذ في التوسع بمعدّل متسارع أكثر يجعل قوة الجاذبية الخاصة بالنجوم والكواكب والثقوب السوداء غير كافية لمقاومة التوسع لذا فهي تدريجيًا تتحلّل إلى مركّباتها ومن ثم تموت.
في النهاية، سيأخذ التوسّع يتسارع حتى يتخطى حاجز سرعة الضوء، سوف يؤثر ذلك على الذرات حيث ستتحلّل، ومن ثم في تلك الحالة لن يستطيع أيّ جسيم أن يتفاعل مع آخر.
سيكون الكون قد تحلّل إلى جسيمات أصغر بكثير وستظلّ تائهة في الفراغ بدون أيّ تفاعلات فيما بينها، الأمر غريب ومخيف أليس كذلك؟
الانسحاق العظيم The Big Crunch
معرفتنا عن الطاقة المظلمة مازالت قليلة فالمعلومات عنها مازالت نظرية، يعتقد بعض العلماء أنها ليست بالقوة الكافية التي تؤدي لتمزّق الكون بسبب تأثير قوتها التوسعية، وأنّ الكون سيأخذ بالتوسع لكن لفترة أقل من تريليون سنة وسيعود للانكماش بسبب تأثير قوة الجاذبية، ستنجذب المجرّات لبعضها حتى تندمج، فيصبح الكون أصغر وأصغر.
ما سيترتب على ذلك هو زيادة درجة الحرارة في فضاءات الكون، خلال المائة ألف سنة قبل الانسحاق العظيم ستصبح درجة حرارة خلفية الكون وفضاءاته أعلى من درجة حرارة سطح معظم النجوم.
سيؤدي ذلك إلى التهام الثقوب السوداء لِما حولها من نجوم وأجرام كونية، وقبل دقائق من الانسحاق العظيم، ستنجذب الثقوب السوداء لبعضها مكونةً ثقبًا عملاقًا يزِن كتلة الكون بأكمله ومن ثمّ يبتلع كلّ شيء ما في ذلك الكون نفسه، هكذا ينتهي كلّ شيء.
هناك نظرية تدعى الارتداد العظيم The Big Bounce؛ وتفترض أنّ الكون يمرّ بحالة الانسحاق العظيم ومن ثمّ يحدث انفجار عظيم مرة أخرى ليتكون الكون من جديد وهكذا في حلقات مستمرة من الانكماش والانفجار كما لو أنّ الكون يجدّد نفسه باستمرار. إذًا، أكان هناك كونًا قبل كوننا هذا؟
التجمد العظيم The Big Freeze أو الموت الحراري
قبل الخوض في عرض تلك النظرية يجب أن نفهم نظرية الأنتروبي (العشوائية):
كلّ نظام يميل إلى حالة من العشوائية ليصل لاستقرارٍ في بنيته، فمثلًا إذا جلبنا كوب ماء ساخن، ستحدث بين أجزاء الكوب حالة من العشوائية في توزيع الحرارة إلى أن يصل لحالةٍ تكون فيها كلّ أجزائه متساوية، عندئذٍ يكون الكوب قد فَقدَ مناطق أكثر حرارة من غيرها فيبرد إلى أن يصل لدرجة حرارة الغرفة.
ينطبق ذلك على الكون أيضًا، إن لم ينتهِ حسب نظرية التمزق العظيم، سينتهِ بصورة أخرى؛ حيث ستتحلّل طاقة المواد والأجرام ذات الطاقة الأعلى بسبب حالة العشوائية أو الأنتروبي وانتشار الطاقة على أجزاء الكون، بعد ملايين السنين سيصل الكون لنقطةٍ تصبح عندها الغازات الضرورية لتكوين نجوم جديدة مستهلَكة، ليصل الكون لحالة التساوي في الطاقة بين أجزائه المادية، وذلك يعني بروده ومن ثم سيصبح أكثر ظلامًا، الشموس المتبقية ستتحلل طاقتها إلى أن تموت، الثقوب السوداء ستتحلل بسبب إشعاع هوكينج بعد ملايين السنين إلى أن تنهار وتختفي، في النهاية لن يتبقَّى غير أعداد بسيطة من الفوتونات والتي ستتحلل أيضًا.
في نهاية تلك العملية، كلّ نشاطات الكون ستتوقف حيث أنه أوصل إلى حالة الصفر المطلق: الأنتروبي عند أقصاها. كونٌ ميت للأبد!
يعتقد بعض العلماء أنه بعد زمن طويل جدًا من الممكن حدوث ما يسمى نَفَق الكم؛ وهو حالة تغيّرٍ عشوائيٍ في جزء من أجزاء الكون مما يؤدي إلى انفجار عظيم مجددًا.
في رأيك، أيّ من السيناريوهات هي الأكثر قبولًا؟