معركة Little Bighorn: عندما سقط الجيش الأمريكي أمام الهنود الحمر

من بين الصراع الطويل بين الحكومة الأميركية والسكان الأصليين، أصحاب الأرض والحق، تحتل معركة Little Bighorn مكانة مهمة، كونها كانت هزيمة نكراء في وجه الولايات المتحدة العظيمة، وكادت أن تضعف شوكتهم للأبد، كان بطلها الأول جنرال شهير عُرف بالتخطيط والتوفيق، وأثبت نفسه في معارك عديدة بصفته قائدًا شجاعًا وقويًا، لكنه إما أن رصيده من الحظ نفد، أو وقع ضحية للتكبر وطموحه السياسي.

بطل أمريكا القومي

جورج كاستر
الجنرال جورج كاستر

 

يعد الجنرال جورج كاستر من أكثر الشخصيات الجدلية في التاريخ الأمريكي، فهو على جانب يعد بطل قومي، ومن جانب آخر مهووس ومتعطش للدماء، ناهيك عن اتهامات بجرائم ضد السكان الأصليين والإبادة الجماعية، وقاد حياة غريبة بين الجانبين.

وُلد جورج أرمسترونج كاستر في 1839، الابن الأصغر من بين 5 آخرين، وأصبح معلمًا لقواعد اللغة بحلول 1856، لكن طموحه كان أكبر من مجرد مدرس، وانضم للأكاديمية العسكرية في 1857، حيث تخرج الأخير في صفه، وعُرف بالإهمال وعصيان الأوامر، حتى أنه تعرض لمحاكمة عسكرية بسبب تجاهل الأوامر، والسماح بشجار في الأكاديمية ورفض أن يفضه.

لكن مع تخرجه من الجيش، كانت الحرب الأهلية الأميركية على الأبواب، وجاءته الفرصة المناسبة لإثبات ذاته، والقيام بما يتقنه وهو القتل والحرب، وانضم لسلاح الفرسان حيث صعد في الرتب بسرعة، وجذب الانتباه لشجاعته النادرة، والشخصية القيادية المميزة وتفوقه في النواحي الاستراتيجية، حتى أصبح أصغر Brigadier General أو ما يماثل لواء أركان حرب، بعمر ال 23 فقط.

وأُطلق عليه ‘الجنرال الصبي’ ولكنه لم يترك أي مجال للصدفة والحظ، وقام بأول عمل بطولي يضعه في صفحات التاريخ، في معركة Gettysburg الشهيرة، والحاسمة خلال الحرب الأهلية، ونجح في صد هجوم جيوش الجنوب المفاجئ من الخلف، على جيوش الشمال، بالرغم من قلة أعداء جنوده، حيث كان العدو يملك تقريبًا 10 أضعاف جنوده، لكنه تمكن من تعطيل الهجوم وضمد مع رجاله حتى وصول الإمدادات.

إعلان

ولعب دورا محوريا في انتصار الشمال في الحرب الأهلية، وكان صاحب شرف الضربة القاضية في الحرب، حينما حاصر قوات ‘الجنرال لي’ قائد جيوش الجنوب، وأجبره على الاستلام، وتسلم منه الراية البيضاء معلنا نهاية الحرب، وكان حاضرا كذلك عند توقيع معاهدة نهاية الحرب

ومع نهاية الحرب الأهلية، أصبح في قائد سلاح الفرسان بأكمله، ورغم ذلك، فقد كان معروفا بقيادة رجاله إلى المعركة، عوضا عن توجيه الجيش من الخلف، مثل أغلب الضباط الكبار، وبعكس كل التوقعات، لم يصب قط أو يسقط في معركة، حتى أن تقريبًا 11 حصانًا سقطوا من تحته خلال تاريخه، ولم يتأثر بذلك، وخرج لقب ‘حظ كاستر’ ليدل على كونه محظوظًا فوق العادة، في تفادي الإصابات الخطيرة والهزائم.

الأزمة الهندية

Crazy Horse

 

بعد نهاية الحرب الأهلية، لم تتوقف طموحات كاستر أو يهدأ الوحش بداخله، فسريعًا بعد أن انتهى الأمريكيون من قتل بعضهم، تحولت أنظارهم إلى الهنود الحمر من السكان الأصليين، رغبة منها في توفير أراضٍ جديدة للمستوطنين، بدأت الحكومة في حملة اعتداءات على القبائل الهندية، وطردوهم من أراضيهم إلى محميات مخصصة، أو قتلوهم ببساطة، وبحلول 1868 توقف الصراع مؤقتا، بعد ضمان أراضي واسعة للهنود، لكن اكتشاف الذهب هناك بعدها بأعوام، جعل الحكومة تحنث بالعهد وتنتزع الأرض مجددا.

Sitting Bull

 

لكن أعداد كبيرة من الهنود اجتمعوا بالقرب من نهر Little Bighorn في ولاية مونتانا حاليا، تحت قيادة اثنين من أشهر محاربي الهنود على الإطلاق، الحصان المجنون Crazy Horse والثور الجالس Sitting Bull، وصمموا على الدفاع عن ثقافتهم لآخر قطرة دم، وعزموا على تفادي مصير القبائل الأخرى.

تم ترقية كاستر من جديد، وتوجه إلى مدينة ‘كانساس’ بالقرب من مسرح العمليات مع زوجته، وبدأ في المشاركة بحملة الحكومة للتخلص مما أطلق عليه ‘الأزمة الهندية’، وحقق أول انتصار له في 1873، عندما نجح في حماية قطارات الحكومة، حيث كان يتم تشجيع الركاب على صيد الجاموس بأعداد كبيرة، وقتلهم من أجل الرياضة، لأن الهنود كانوا يعتمدون على الجاموس كمصدر أساسي للطعام، مما ضاعف النزاع بين الطرفين أكثر.

وبشكل مفاجىء بعدها، تخلف كاستر عن الجيش وهجر مركزه، حتى يقابل زوجته بلا إذن، وتم تحويله لمحاكمة عسكرية من جديد، أدت إلى سحب تعليقه عن العمل لمدة عام كامل، وقطع راتبه لنفس الفترة، مما أصاب الجميع الفزع أن يتعرض أحد أبطال الحرب لذلك، وعن سبب تصرفه غير المبرر، أضاف رصيدا لسمعته كشخص متمرد معتاد على التسرع وعصيان الأوامر.

لكنه عاد بعد 10 أشهر، لحاجة الحكومة لقدراته في الحرب ضد الهنود، وتقلد منصبه السابق، وعينه على انتصار مدوي يدفع أسهمه للأمام، ويغذي طموحه السياسي، خاصة يعد أن أصبح قائد جيوش الشمال جرانت، رئيسا لأمريكا في 1869، أفراد مصير مماثل، خاصة وأنه بالفعل بطل قومي، لكن لو نُسب إليه أيضًا الفضل في القضاء على مقاومة الهنود، فلا أحد سيتمكن من الوقوف في طريقه.

واقعة جورج كاستر الأخيرة

معركة Little Bighorn

رغم إدراكه لاختلاف طريقة الحرب بين الهنود وغيرهم، إلا أنه أساء تقدير التوقف واعتبر أسلوب الهنود من الكر والفر، افتقار للشجاعة وأنهم جبناء، وكلما اشتدت المعركة هربوا، وأراد إجبارهم على معركة لا يهربون منها، فكان الخل هو الهجوم على تجمع القبائل حيث النساء والأطفال، بهذا لن يهرب المحاربون أبدا.

لكنه تجاهل أيضا معرفة الهنود بالمنطقة، وخبرتهم في الحرب بتلك التضاريس، وبالأخص تفانيهم في القتال، لأنه بخلاف جنود كاستر، يحاربون في سبيل ثقافتهم والحفاظ على هويتهم، التي دامت لآلاف السنين، وارتكب مجموعة من الأخطاء الساذجة، التي وصفها البعض بالغباء.

وصل كاستر لإجبار الهنود على التحرك في 1876، وكان من أول الحاضرين بجيشه، وتم الاتفاق مع باقي القادة على جمع جيش ضخم، يقوم بمحاصرة الهنود بالكامل وإجبارهم على الاستسلام، لكن الجميع لم يصلوا في الوقت المحدد.

بدلًا من انتظار القادة الآخرين تحرك كاستر ورجاله لمحاصرة الهنود، على ألا يبدأ القتال حتى وصول التعزيزات، لكن لسبب ما لا يعلمه أحد، إلا أنه ربما رأى في ذلك فرصة لكسب المجد وحده، قرر شن هجوم مفاجىء على القبائل برجاله.

كان أول قرار خاطىء هو تقسيم رجاله الستمائة إلى 4 مجموعات، مجموعة تنتظر من المعدات، ومجموعتين للهجوم من الجنوب، على أن يهاجم هو مع مجموعته من الشمال، في نفس الوقت، وارتكب خطأ آخرًا؛ بأن ترك البنادق الضخمة والأسلحة الحديثة مع المعدات، لأنها تعطل تقدم الجيش بشكل سريع، وهو كان متسرعًا ويرغب في انتصار سريع، فقد أفضلية كانت من الممكن أن تحسم المعركة قبل بدايتها.

وثالث قرار خاطىء، تجاهل تحذيرات الكشافة بوجود أعداد ضخمة تفوق 5000 من القبائل، و2000 محارب وهو أكبر رقم تجمع محاربين من السكان الأصليين على الإطلاق، وأصر على الهجوم عوضًا عن انتظار التعزيزات، ومع غياب أي وسيلة للاتصال، لم يعلم كاستر أن مجموعة الشمال قد تم صدها وفشلت في التقدم، وهم بالهجوم من ناحيته.

بالطبع كانت النتيجة كارثية، في خلال أقل من ساعة واحدة، حتى أن معظم الجنود فزعوا من أعداد الهنود الضخمة، وهموا بالهروب من المعركة، لكن رصاص الهنود أسقطهم.

وقعت مذبحة لكاستر ورجاله ال 210، ولم ينج أيا منهم، عدا جندي محظوظ تم إرساله في البداية لطلب إمدادات من المجموعات الأخرى التي تراجعت، لكن حتى قادته الآخرين رفضوا مساعدته وتركوه يواجه الموت وحيدا، إما لأنهم كرهوه وحقدوا عليه، أو مجرد خوف وجبن.

تم العثور على جثة جورج كاستر بجانب 40 من رجاله، يُعتقد أنهم كانوا خط الدفاع الأخير، من بينهم شقيق كاستر وقريبه.

ما بعد المعركة

جورج كاستر
نصب جورج كاستر التذكاري ويوجد في مدينة مونرو بولاية ميتشيغن

 

احتفل السكان الأصليون بالانتصار العظيم، الذي أعاد إحياء الأمل في تفادي المصير الأسود، وتمكنوا ولو مؤقتا من الحفاظ على أرض أجدادهم، وحتى طاردوا المجموعات الأخرى لجيش كاستر، حتى وصلت الامدادات، وهموا بالهرب، لكن ما لم يدركوه أن تلك كانت نهايتهم.

بعد الهزيمة النكراء مذبحة كاستر، تعالت الأصوات الغاضبة بين العامة في أمريكا للإنتقام، خاصة كون كاستر محبوب وله سمعة شهيرة كبطل حرب، واستغلت الحكومة المذبحة في إثبات ادعاءات وحشية الهنود، وضرورة التخلص منهم والقضاء على أسلوب حياتهم، مع وصول أخبار قيام الهنود بتشويه جثث القتلى، وقطع أجزاء من أجسادهم، لأنهم آمنوا أن أرواح الأجساد المشوهة، لا يمكنها الحصول على الراحة الأبدية، وتجوب الأرض في ضياع.

وشنت الحكومة أشرس حملة ضد الهنود، حتى الأطفال لم يتم العفو عنهم، ويُقال إنه تم إبادة جميع سكان القبائل في المنطقة، ما عدا هؤلاء الذين هربوا إلى كندا، لكن على أي حال وافق الناجون على الاستسلام في 1877، وهجروا أراضيهم وانتهى أي أمل في اتفاق سلمي للأبد.

أما كاستر، فتم دفنه ورجاله في موقع المعركة، وتشييد نصب تذكاري في 1881، ول 57 عاما بعد وفاته، عكفت زوجته على تأليف كتب تخلد بطولاته، وتمدح شخصيته العظيمة، بينما لم يجد الهنود من يحكي معاناتهم، حتى 1930s، حين بدأ المؤرخون إعادة النظر في تاريخ الجنرال الشهير.

نرشح لك: القتل باسم الحضارة.. كيف كان يفكر المستعمر؟

مصادر
-What Really Happened at the Battle of the Little Bighorn?

Dumbest US General in History? Custer’s Last Stand-

Bill Fawcett, 100 Mistakes That Changed History

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: عمرو عدوي

تدقيق لغوي: رنا داود

تحرير/تنسيق: نهال أسامة

اترك تعليقا