مسلسل 13 Reasons Why: التعامل مع المجتمع عاريًا بالمطرقة

الانتحار كجذر لفهم مشاكل المجتمع

يأتينا مسلسل 13 Reasons Why الأمريكي من إنتاج شبكة نتفلكس Netflix العالمية، وهو يتحدث عن مراهقة قرّرت الانتحار. وفي سعيها لذلك سجّلت عدة أشرطة لتخبر بها مجتمعها لماذا انتحرت وكيف كان المجتمع مسؤولًا عن هذا الفعل، وفي أعقاب عرض المسلسل أثيرت ضجّة غير مسبوقة في المجتمع الأمريكي بل والعالمي عن جدوى مثل تلك المسلسلات وما مدى تأثيرها الإيجابي أو السلبي على المجتمع، ممّا دفع المسلسل في موسمه الثاني لإطلاق موقع مخصّص فقط لأيّ شخص يحتاج المساعدة أو يرى أن المسلسل يناقش مشكلة شخصية للمشاهِد.

الانتحار: عَرَض مؤقت أم وباء سببه المجتمع

في هذه الدراما المؤثرة والتي قد تصيبك أحيانًا بالحزن إلى درجة البكاء أو إلى التفكُّر مليًّا في طبيعة مجتمعاتنا، ورغم مناقشة المسلسل لقضايا عديدة وشديدة التنوُّع فإننا يمكننا أن نعتبر أن قضية الانتحار هي الثيمة الأساسية التي تشكّلت حولها القصة وتبعاتها. أصبح الانتحار اليوم وباءً عالميًّا على عكس ما يعتقد الكثير، وإذ اتّجه الكثير في الماضي إلى إرجاعه إلى أسباب نفسيّة أو اقتصاديّة فإن الرسالة التي يحاول إيصالها المسلسل أن الانتحار أبعد ما يكون عن سببٍ مباشرٍ وحيدٍ إذا تمّ التخلُّص منه سنكون قد قضينا عليه نهائيًّا. ويمكننا أن نلاحظ ذلك من العنوان الذي اختاره المسلسل ليعرضه على شكل أسباب متتالية تم اختزالها في عدة أشخاص، عبّر كل شخصٍ من هؤلاء عن قضية مجتمعية معينة وعن شريحة معينة من المجتمع، ودار المسلسل في جزأيه حول هذه القضايا بشكلٍ مُبسّطٍ في الجزء الأول ومفصّلٍ بإسهاب في الجزء الثاني. ناقش المسلسل التنمُّر والتحرُّش والاغتصاب والسلطة بشقيها العام (المدرسة/ القضاء) والخاص (الوالدان/ الجيران) وحاول أن يشير كيف تعمل كل هذه العوامل بشكلٍ مستمرٍ في خلق مناخٍ من الوحدة والعزلة والانكفاء على النفس، وكيف يعمل المجتمع عادةً في إظهار نفسه كنسيجٍ واحدٍ غير مفكّكٍ عن طريق قوانين المدرسة وسلطة الوالدين والتغاضي عن أيّ مشاكل تظهر للسطح بدعوى أن هذه مشاكل شاذة ولا تعبر عن الواقع بل ولا يمكن النظر إليها إلا كحالة شاذة.

كان عالم الاجتماع دوركايم قد أشار إلى أن المجتمع يعمل كبنيةٍ وظيفيّةٍ يكون الفرد فيها خاضعًا لسلطة المجتمع، بل ويتم قهره مرغمًا للإذعان لهذه السلطة، أي أن الفرد يفنى من أجل المجموع وأن الجزء يعمل من أجل الكل، ويمكننا أن نرى كيف يُعبِّر المسلسل عن هذه الصورة في الجزء الثاني منه والذي صوّر لنا كيف استماتت مؤسسات كالقضاء والتعليم بل واستمات المجتمع  نفسه متمثلًا في الأهل والجيران في سعيه لإبقاء صورته كما هي، والسعي مرارًا للإشارة أن حالة الانتحار هذه ما هي إلا حالة عارضة لم يكن لها مثيل، والدفاع عن كل من كان له يد فيها وإخراجه بريئًا في النهاية بدون معالجة حقيقية للمشاكل التي تسببت في هذه الظاهرة.

الاغتصاب: المسكوت عنه

بعدما تطرّق مسلسل 13 Reasons Why في جزئه الأول عن أسباب عدة للانتحار، عاد في جزئه الثاني ليفرد مساحةً واسعةً لقضية الاغتصاب وكيف يعمل المجتمع كنسيجٍ كاملٍ في التغاضي عمدًا عن التحدث بشأن هذه الظاهرة، ثم يحاول الإشارة بعد ذلك إلى أهمية تربية النشء على الاهتمام بالجسد وعلى المعرفة بحقوقه، وعلى عدم الخوف والسكوت عند التعرض لحالات مثل هذه، ثم يشير المسلسل أيضًا كيف أن هذه القضية بالذات تثير جنون المجتمع ككل وتدفعه بعيدًا عن أيّ بؤرة حديثٍ عن هذه الظاهرة ومحاولة إيجاد حلولٍ لها.

الآباء والأبناء: نحو إرساء علاقة جديدة

في خضم حديثه عن كل هذه القضايا لم يترك مسلسل 13 Reasons Why هذه الفرصة الذهبيّة لتضيع من يده حيث قلب الطاولة على المؤسسة الأبوية برمتها راميًا اللوم عليها وعلى طريقتها القديمة في التعامل مع النشء، إما بتدليلهم الزائد عن الحد أو عدم الاهتمام بهم حتى يتحوّلوا إلى شياطين تعيث في المجتمع خرابًا، وإما بالتشديد عليهم بشكلٍ مفرطٍ مما يؤدي في النهاية إلى خلق فجوة نفسية بين الآباء والأبناء تؤدي إلى خرق نسيج المجتمع وإخلال توازنه، وذلك بتصدير أطفال مشوهين نفسيًا واجتماعيًا إلى المجتمع، مما يجعلهم في النهاية إما مدمرين ومتحرشين ومدمنين أو معرضين لكل ما سبق بما في ذلك الانتحار.

إعلان

هل العلاج بالمطرقة هو الحل الوحيد؟

يطرح علينا مسلسل 13 Reasons Why كل هذه المشاكل ليجعلنا نتساءل عن أهمية الفن في القرن الحادي والعشرين، وعن الطرق والسبل التي يجب علينا أن نجابه بها مشاكلنا بشجاعة. فمن الضروري أن نتعامل مع الواقع كما هو ليس كما نريده أن يبدو، وأعمالٌ كهذه لا تريد أن تقول أن العلاج بالمطرقة وكشف كل شيء هو الحل الوحيد ولكنه يكون كذلك حين يرفض المجتمع الاعتراف بمشاكله ويصر أن يدفن رأسه في الوحل وأن يتغاضى عن مشاكل قد تؤدي في حال تركها كذلك إلى تفسُّخ المجتمع وانحلاله ودماره.

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: يحيى فكري

تدقيق لغوي: عبد الله أسامة

اترك تعليقا