لا تتخلوا عن ميركل الآن

لقد فعلْتُها مرارًا وحذرْتُ من التخلي عن المستشارة أنجيلا ميركل ؛ فقد واجهت التحديات تلو الأُخرى في السنواتِ الأخيرة، وسأكرر تحذيري مرة أُخرى وإن بدا منافٍ للمنطق في ضوء إعلانها يوم الاثنين بأنَّها سوف تتخلى عن قيادة حزبها الديمقراطيِّ المسيحيِّ في ديسمبر وعدم خوض انتخابات عام 2021م.

تلك القرارات جعلَتْها عاجزةً في آخر فترتها الرئاسيَّة، إلا أنَّه من الواضح أنَّها ستخاطر بإنهاء مدتها كمستشارة قبل عام 2021م كسلفها السابق جيرهارد شرويدر، والذي سبق وأن ترك منصبه في الحزب بينما ظلّ في منصبه كمستشار في عام 2004م، والتي كانت ميركل تقول حينها أنَّها لا تريد أن تحذو حذوه -ربما كان ذلك لخسارته منصبه كمستشار في انتخابات مبكرة عام 2005م-.

ومع ذلك قالت أنجيلا ميركل أنها قد قررت خلال الصيف التخلي عن منصبها كرئيس للحزب دون التخلي عن منصب المستشارة؛ لأن الظروف التي اتخذها سلفها السابق كانت صائبة وقتها. لم تشرح المستشارة السبب ولكنه شيء يستحق بذل الجهد فيه لإعادة تفكيك الأحداث وبنائها لاستنتاجه. من المحتمل أن تكون ميركل شخصًا متقبلًا للمخاطرة رغم السمعة المعروفة عنها بكونها شديدة الحذر.

من الواضح أنَّه على الرغم من طول حياتها السياسيَّةِ أنها لم تُؤَّمن لنفسها سمعةً إيجابيَّة؛ حيث أن معظم قراراتها الهامة والناجحة نادرًا ما كانت بمبادرتها؛ فقد تعاونت مع رؤية الخضر في تحويل ألمانيا إلى استخدام الطاقات البديلة، وتوجهت إلى الأحزاب اليساريَّة في نشاطها الخاص بمساواة الزواج، وتقديم الحد الأدنى للأجور كان تنازلًا منها لصالح الديموقراطيين الاجتماعيين، كما كان التشريع المختص بتوازن الموازنة من أفكار فولفجانج شويبله (بطريرك حزبها والذي يشغل منصب رئاسة البرلمان). دائمًا ما كانت ميركل جيدة في العمل ضمن قيود سياسيَّة، وقد قالت ذلك بالفعل يوم الاثنين حيث صرحت بأنها شخصيَّة تستطيع العمل مع عددٍ كبيرٍ من الأشخاص وأنها معروفة بذلك.

يميل السياسيّ الذي يمتلك مثل هذا التاريخ إلى العمل بضعة سنوات دون أي مساومات أو قيود حزبيَّة، قد تُفاجئ ميركل “الحرة” ألمانيا والعالم برمته، وبرغم ذلك كله فلا أحد يستطيع أن ينسب إلى نفسه الفضل في قرار خطير وشديد التجاذب والصراعات كقرار التخلص التدريجيِّ من الطاقة النوويَّة بعد كارثةِ فوكوشيما أو كقرار السماح ل 1.2 مليون لاجئ بالدخول إلى الأراضي الألمانيَّةِ خلال عامين 2015م و2016م.

إعلان

فبدلًا من محاولة تذليل العقبات داخل الحزب الديمقراطيِّ المسيحيِّ أو بالاشتراك مع زميله في تيار الاتحاد الاجتماعيِّ المسيحيِّ، تستطيع ميركل الآن المُضي قدمًا بشكل أسرع وأكثر حسمًا فيما يتعلق بتدعيم الاتحاد الأوروبيِّ بعد البريكسيت، خصوصًا فيما يتعلق بالبرنامج المشترك للهجرة وتقييد الاتحاد الماليِّ، وكذلك النظر إلى قضايا الصراع الدوليِّ كقضايا سوريا وأوكرانيا والبلقان، وإنشاء شخصيَّة مستقلة للاتحاد الأوروبيِّ لتدعيم موقفها كقوة متوازنة في مواجهة ترامب، وأيضًا الاستثمار في البنى التحتيَّة الداخلية وإصلاح نظام المعاشات.

تضم الحكومة الإتلافيَّة التي ترأسها أنجيلا ميركل الحزب الديمقراطي الاشتراكي والذي قام بأعمال فظيعة في صناديق الاقتراع الأخيرة، مما يُعطي ميركل الفرصة لترك بصمتها الأخيرة؛ فإذا قامت بالانسحاب من التحالف وإجراء انتخابات مبكرة فذلك سيكون انتحارًا لذلك الحزب، بينما في الناحية الأُخرى ترتبط القضايا المرتبطة بميركل في الاتحاد الأوربي والقضايا المهمة بالعموم ارتباطًا قريبًا لقادة الحزب، ويبدو التعامل مع ميركل بعد استقلالها من الحزب فرصةً ذهبيَّة لذلك الحزب، ويبدو أن هذا هو ما دعا رئيسة الحزب أندريا ناليز إلى الخروج يوم الاثنين عن مدح ميركل والقول بأنها سعيدة لخروج تلك الصراعات السريَّة بداخل الحزب إلى العلن.

لدى أنجيلا ميركل المخاوف من انفجار تلك الصراعات؛ يمكنها أن تواجه انتفاضة من جانب حزبها السابق في جناحه البرلمانيِّ، خاصةً إذا كان الرئيس القادم للحزب من المعارضين لسياساتها كوزير الصحة ينس سبان أو الرئيس السابق للحزب فريدريك ميرز، انتفاضة قد تجبر بسببها ميركل على الاستقالة من منصبها كمستشارة قبل انتهاء مدتها الرئاسية وقبل أن تنهي أي برامج مخطط لها مسبقًا العمل خلال السنين الثلاثة القادمة.

من ناحية أُخرى إذا فاز أحد حلفاء ميركل مثل أنجريت كرامب كارينباور، أو الأمين العام الحالي للحزب الديموقراطيِّ المسيحيِّ، أو أي من الموالين لها بوظيفة الحزب الأعلى، فإن المستشارة ستكون حرة في تحقيق أهدافها، بينما تعزل زعيم الحزب الجديد من القرارات الخطرة (أي زعيم مناهض لميركل كان سيحظى بهذا النوع من الحماية أيضًا، لكنه سيكون أقل ميلًا لاستخدامه دون أن يجعل طريق ميركل صعبًا).

قد تنظر إلى الأمر على أنه سيناريو تفاؤلي بشكلٍ كبير، وأن ميركل ستكون حذرة تجاه أي صراعات قادمة وأنها لن تأخذ أي مخاطرة وأن مجرد سنواتها الباقية ستكون لإعطاء حلفائها بعضًا من الوقت لرئاسة الحزب وإحراز عدد من النقاط السياسيَّة التي تساعدها في الانتخابات القادمة. وكذلك من الممكن أن يتم إقالتها من منصبها بشكلٍ أسرع إذا قام خصومها السياسيِّون بإجبار الحزب الديموقراطي المسيحيِّ للتوجه لليمين للحصول على أصوات الناخبين القوميِّين.

بلغة سياسيَّة يمكننا القول أن عام 2021م رغم بعده لكن ميركل تقوم ببعض المقامرة لخدمة أهدافها على المدى الطويل. ولكن وكما قلت مرارًا: لا يجب بشكل من الأشكال أن نزيحها من الساحة، قد تبدو أمامكم جريحة لكن ذلك لا يجعلها ضعيفة. قد لا يتم منحها الجولة الأخيرة ولا منحها الإمكانيَّة لقول آخر كلماتها، لكن لن يستطيع أحد أن يوجه لها اللوم لعدم المحاولة.

إعلان

مصدر Bloomberg
فريق الإعداد

إعداد: يوسف باهي

تدقيق لغوي: دعاء شلبي

اترك تعليقا