فهم العالم: ‘الماركسية والحرية’ لماذا لا يزال يتردد صداه

“الماركسية والحرية” كُتِبَ عام 1958 وعلى الرغم من ذلك ما زال يتردد صداه حتى هذه الأيام.
العالم في حالة فوضى كيف يعقل لأشخاصٍ عميقي التفكير أن يفعلوا ذلك؟ في هذه السلسلة طلبنا من مؤلفينا اقتراح كتاب أو أي شيءٍ آخر بخصوص هذا الشأن، الذي سيساعد في فهم كل شيء.

العالم الذي نعيش فيه مكانٌ خطيرٌ ومربك، ففي إطار السعي لفهمه أعود إلى كتاب الماركسية والحرية بعد 40 عام من قراءته للمرة الأولى.

كتبت هذا الكتاب رايا دوناييفسكايا (1987-1910) مؤسسة الفلسفة الماركسية والإنسانية، قرأتُ الكتاب لأول مرة عام 1979 وهو العام ذاته الذي تم فيه انتخاب مارغريت تاتشر في بريطانيا والبداية الرسمية للثورة الليبرالية الجديدة، أطلقت عليها دوناييفسكايا “العالم المتغير”، في تلك المرحلة كان عمر الكتاب 20 عامًا، لكنني وجدت شيئًا ممتعًا بشأن ارتباطها مع الماركسية كفلسفة حيّة مرتبطة بصراعات الحياة اليومية.

ركزت عودتي لكتاب الماركسية والحرية في عام 2019 على بعض الأفكار التي قد تساعد في توجيه تفكيرنا في الوقت الحاضر، وهو الوقت الذي نواجه فيه المراحل المَرَضية من الليبرالية الجديدة بأشكالها الفاشية الجديدة والسلطوية القومية؛ من البرازيل يائيل بولسونارو إلى دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، من رجب أردوغان التركي إلى رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي.

لم تكن دوناييفيسكايا من مواليد رايا شيجل ولكنها أخذت اسم والدتها قبل الزواج، لكن هذا الاسم لم تكن تستخدمه أكادميًا بل استخدمته كمثقفة ثورية تدرسها المنظمة وصراعاتها، انضمت إلى الحركة الثورية في الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانت مراهقة في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، وتم طردها من الحزب الشيوعي في سن 18 عام بعد أن طلبت مناقشة حول ليون تروتسكي الذي كان ثوريًا ماركسيًا بارزًا، طُرِدَ من الاتحاد السوفيتي عام 1929م بعد انتقاده لِجوزيف ستالين بسبب تبريره النظام الدكتاتوري الشرس الذي لا يرحم.

إعلان

عواطف وشغف جديد:

عقدت دوناييفسكايا في الماركسية والحرية أن “الماركسية هي نظرية للتحرير أو لا شيء”.

وفيما يتعلق بحرية الإنسان وتدمير الحياة البشرية في ظل الرأسمالية كان أحد أهداف الماركسية والحرية هو إعادة هيكلة وعودة الماركسية الى أشكالها الأصلية، والتي أطلق عليها ماركس: “طبيعة شاملة أو إنسانية” بتهيئة ما يسمى الآن “التقاطع”، حيث سلطت الضوء على “المشاعر والقوى الجديدة” التي ظهرت في صراعات الحرية، وقالت أن الناشطين والمفكرين يجب أن تبقى آذانهم مفتوحةً يستمعون للأصوات والتعبيرات الجديدة للحرية التي كثيرًا ما يتم تجاهلها أو إسكاتها.

اعتبرت دوناييفسكايا حركات التحرر السوداء طليعةً لنضالات الحرية التاريخية في الولايات المتحدة، كما أعلن إنهاء الاستعمار الأفريقي الأسيوي الذي تطور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أثارت مسألة العلاقات الإنسانية باعتبارها “مجمل التفاني في النضال من أجل الحرية”.

إن تألق الماركسية والحرية وإعادة صياغتها لماركس كنظرية تحريرية، هو أنه كتب بالتعاون مع عمال المناجم وأصحاب العمل الآليين والطلاب الذين ساهموا في “الفهم الجديد”، لم تكن هذه النقطة التي يفكر بها الناس فحسب، بل أيضًا يفكرون بتطور طرقٍ جديدة في النضالات للمعرفة من خلال تجربة الحوار والتأمل الذاتي.

لقد كانت مسألة الحرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسؤال المطروح بأنه بكل نضال أو صراع يجب أن يسأل نفسه: ماذا يحدث في اليوم التالي للنضال؟ على ما يبدو باختصار تحدت دوناييفسكايا النشطاء باستمرار للتفكير فيما وراء النشاط:

“التفكير ليس فقط في هدم المجتمع القديم ولكن أيضًا في خلق مجتمع جديد”.

كانت تؤمن باستجواب كل شيء، وخاصةً الفرق بين العمل الفكري والجسدي.

إرث التعلم:

كل هذا كان مثيرًا بالنسبة لي في الحادية والعشرين من عمري، إذ أصبحتُ بالفعل أسخر من المجموعات الاشتراكية البرنامجية التي غالبًا ما كانت تنظر إلى الحركات كعلف ليتم تعبئتها، ربما لم أفعل ذلك في ذاك الوقت، لكنني أتذكر مقابلة دوناييفسكايا في عام 1985 بعد أن أضرب العمال لمدة عام في المناجم البريطانية، وقد نجم عن ذلك هزيمة تاريخية.

عندما التقينا أكملتْ للتو كتابها “روزا لوكسمبورغ: تحرير المرأة وفلسفة ماركس للثورة”، الجزء الأخير من “ثلاثية الثورة” (كان كتابها الثاني “فلسفة وثورة” 1973: من هيجل إلى سارتر وماركس).

عندما سُئلت عن الحب في مقابلةٍ في اليوم العالمي للمرأة عام 1984 علّقت:

لا أعتقد أنه من الصحيح أن نحاول أو نقوم بحلها للآخرين، أعتقد أن ما يتوجب عليها فعله هو تهيئة الظروف للجميع ليتمكنوا من تجربة الخيارات في الحب.

عندما التقينا تحدثت معي عن أهمية المثقفين العاملين في الماركسية والإنسانية، إليكم عامل السيارات الأسود من ديترويت، تشارلز ديني مؤلف كتاب “اليجانت هارت”: أ. بلاك وركر جورنال، صرحت أنهما التقيا في أواخر الأربعينيات وظلوا زملاء حتى وفاته عام 1983.

عندما توفي ستالين عام 1953 اتصل بها ديني، حيث قال أنه يريد أن يخبرها بما يقوله العاملون في المصنع:

لدي فقط الرجل الذي يملأ حذاء ستالين. -فورمي-

اليوم ما يزال “الماركسية والحرية” على قيد الحياة:

كتاب الماركسية والحرية ما يزال على قيد الحياة بالنسبة إليّ في عام 2019، ليس هذا فقط لأننا نعيش في عصر من أزمات لا تحصى تهدد البشرية، لكن الكتاب يُذكِّر البشرية بأن تبقى آذانهم وعقولهم مفتوحةً أمام الثورات الجديدة وغير المتوقعة في كثير من الأحيان، وتظهر في هذه اللحظة من القمع العنيف والأشكال الجديدة من النضال والصراعات المستمرة والتي قد تصل للمستقبل، ومن هنا كُشِفَ أن المثالية والحقيقة ليسا بعيدين عن بعضهما البعض، حيث أنعشت الإنسانية ماركس باعتباره الجسم الحي للأفكار على طريق الحركات الحقيقية من أجل الحرية.

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: فرح أحمد سلمان

تدقيق لغوي: سلمى الحبشي

تدقيق علمي: عمر العجيمي

اترك تعليقا