غسيل الأموال من آل كابوني إلى البيتكوين

“غسيل الأموال”  مصطلح ندين به جميعا الى “آل كابوني” زعيم عصابات شيكاغو الأعظم خلال الفترة 1920- 1930، والتي تعرف بفترة حظر الخمور في الولايات المتحدة، وقد بلغت ثروة ال كابوني  نحو مائة مليون دولار سنويا آنذاك أي ما يقدر بنحو (104) مليار دولار بحسابات اليوم، اكتسبها من إدارة كازينوهات القمار، وأنشطة الدعارة، وتهريب الخمور، وفرض الاتاوات على الأعمال والتجار، والابتزاز.

ومع كل هذه الأنشطة الاجرامية، لم تتمكن الشرطة من وضع أيديها على دولار واحد ذو صلة مباشرة بأيٍّ من هذه الأنشطة كأنَّها تصاعدت كالدخان في الهواء.

نشأة مصطلح غسيل الأموال 

آل كابوني : استطاع آل كابوني إخفاء ثروته التي جناها من كل هذه الأنشطة الإجرامية في استثمارات عديدة لم يتمكن أحد من الوصول إلى مالكها النهائي. جاء على رأس هذه الاستثمارات والأنشطة التجارية محلات غسالات الملابس “العامة” التي تعمل باستخدام العملات المعدنية بنظام اخدم نفسك بنفسك Cash only laundromat . لهذا السبب سُميت هذا الانشطة الإجرامية “غسيل الأموال”. وانسحبت اللفظة على كل عملية لتنظيف الأموال من أصولها الإجرامية “القذرة”. ويسمح ذلك في النهاية باستخدام هذه الأموال داخل الاقتصاد المشروع.

ماير لانسكي : ربما ترجع بداية الممارسة الفعلية لعمليات غسيل الأموال إلى اليهودي ماير لانسكي زعيم المافيا اليهودية، ونجم كازينوهات القمار بالاس فيجاس، بعدما تعلم الدرس جيدا من القبض على آل كابوني، اشترى بنكّا في سويسرا وقام بتحويل أمواله إليه عن طريق حسابات رقمية مجهولة، و كان البنك يرسل له أرباحه من هذا، فضلا عن استخدام فواتير مزيفة، و تحصيله لأموال عن قروض صورية قدَّمها.

مع هذا، فإنَّ الاهتمام العالمي الحقيقي بعمليات غسيل الأموال كجريمة لم يظهر إلَّا في ثمانينات القرن العشرين، في إطار محاربة جرائم تهريب المخدرات، وبعد ذلك خاصة عقب أحداث 2011 مصحوبًا بجرائم تمويل الاٍرهاب، ووضعت الحكومات والمؤسَّسات الدولية تعريفًا لهذه الأنشطة، وتكوينها واللوائح الحاكمة للمعاملات المالية في البنوك والأسواق المالية.

إعلان

تعريف غسيل الأموال

غسيل الأموال هو عملية يتم من خلالها إخفاء المصدر غير المشروع للأصول التي يتم الحصول عليها أو تحقيقها من نشاط إجرامي، وذلك لحجب الرابطة بين الأموال والنشاط الإجرامي الأصلي.

مراحل غسيل الأموال

مع ظهور العملات الرقمية والصرافة خارج الحدود (offshore) والأنترنت المظلم والأسواق العالمية صارت أساليب غسيل الأموال أكثر تعقيدا وتنوعا. ومع ذلك فقد ظلَّت هذه العملية ترتكز على ثلاث خطوات أساسية.

1- الإيداع placement ، ويقصد بها وضع الأموال التي تم اكتسابها من مصادر غير مشروعة في أصول قانونية أو تبدو قانونية على الأقل. يحدث هذا غالبًا من خلال إيداع الأموال في حساب مصرفي باسم شركة ” مجهولة (anonymous) أو وسيط محترف . وتعدُّ هذه الخطوة الأخطر بالنسبة لاحتمالات انكشاف هذه الجريمة ومعرفة مالك هذه الأموال، حيث يتم دخول كمية كبيرة من الأموال الى الجهاز المصرفي دون أيِّ مصدر معلوم، كأنَّها هبطت من السماء على صاحبها.

2- التمويه Layering، و تشمل عمليات و صفقات متعدِّدة تباعد بين الأموال ومصادرها، وعادة ما يكون هذا في صورة تحويلات متعددة بين حسابات مصرفية أو شراء الأعمال والتحف الفنية أو العقارات أو حسابات القمار في أفرع وسلاسل الكازينوهات في الدول الأخرى حيث تذهب النقود من يدٍ إلى أخرى في لمح البرق.

٣- الدمج Integration وهي الخطوة الأخيرة حيث يمكن للنقود التي تم غسيلها أن تدخل مرَّة ثانية في الاقتصاد الرسمي ليستفيد منها المالك الأصلي، والذي يقوم باستثمارها في مشروعات مشروعة أو يُنشيء مؤسَّسة خيرية صورية يجلس على رأس مجلس ادارتها، وأعضاء عصابته في مجلس الادارة حيث يحصلون على رواتب باهظة.

أشهر جرائم غسيل الأموال

عملية ” المغسلة الروسية” Laundermat : تُعتبر عملية المغسلة الروسية أشهر جريمة لغسل الأموال كُشف عنها في الفترة الأخيرة، تحديدًا منذ ثلاث سنوات، نجح المهربون في تحويل نحو 20- 80 مليار دولار إلى خارج روسيا خلال الفترة 2010- 2014 عن طريق شبكة من البنوك العلمية معظمها موجود في “مولدوڤا” و “لاتڤيا”. وشملت عملية ” الغسل” سبعين ألف عملية مصرفية، مع 1920 شركة معظمها صورية في بريطانيا و الولايات المتحدَّة.

التكنولوجيا و غسيل الأموال

لسوء الحظ، سهَّلت وسائل التكنولوجيا الحديثة مهمة غسيل الأموال خاصة، وصعبت من مهمة الكشف عن هذه الجريمة، ومن هذه الأساليب:

أجهزة الصراف الآلي حيث يتم سحب وإيداع الأموال دون الحاجة إلى تعبئة النماذج التي يفرضها البنك في حالة التعامل معه، والخدمات البنكية الإلكترونية، هذا إلى جانب البنوك عبر الانترنت، ونظم التشفير و النقود الشفرية. وعلى رأسها البيتكوين.

البيتكوين

مع ظهور العملات الرقمية والصرافة والشبكة المظلم (dark web) والأسواق صارت أساليب غسل الأموال أكثر تعقيدًا وتنوعًا. وفي يناير من عام 2017 قبضت الشرطة الهولندية على عشر أشخاص ، في إطار تحقيق دولي شامل، في عمليات لتهريب الأموال من خلال مبيعات عمة البيتكوين.

وإلى جانب صعوبة وضع هذه العملات تحت رقابة دولية فإنَّة مما يزيد هذا الموضوع تعقيدًا دخول الأنترنت المظلم في عمليات التهريب هذه.

الموقف الحالي

تحارب الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية والدول المختلفة جميعا جرائم غسل الأموال، حيث أصبت هذه الجريمة لا تقتصر على الأفراد لكنها باتت تشمل مؤسسات مالية و حكومات. وفي هذا السياق، تم انشاء إطار دولي لمكافحة غسل الأموال: فريق العمل المالي الدولي أو ما يسمى بالمجموعة الدولية للعمل المالي (FATF) ، وهي منظمة نشأت عن اجتماع الدول السبع الصناعية الكبرى وقد فتحت هذه المنظمة عضويتها للدول الراغبة بالانضمام .

تهدف المنظمة إلى تحديد أنشطة تبييض الأموال وذلك من خلال الخبراء ولجان الرقابة. ولقد أصدرت توصيات يجب أن تلتزم بها الحكومات في مختلف دول العالم . وفي مصر، اصدر البنك المركزي قانونّا مختصًا بمكافحة غسيل الأموال رقم 80 في عام 2002، و انشأ وحدة متخصصة لمتابعة تقارير غسيل الأموال في المؤسسات .

 

المصادر:
Central Bank of Egypt
Organized Crime and Corruption Report
Fraud Magazine
تشريح الجريمة : قراءة في كتاب علم الأدلة الجنائية لڤال ماكدرميد
Money laundering ted talk

إعلان

اترك تعليقا