عقبات في طريق العلم
إذا كنتَ ممّن يقولُ بأنّ العلمَ ظهرَ في العصورِ الوسطى في أوروبا، أو يعودُ إلى اليونانيين القدماء، أو إلى الحضاراتِ الشرقيّة القديمة، فهذا الرأيُ أو ذاك لا يغيّرانِ من أنّ البشريّةَ عاشَت عشراتِ الألوفِ من السنين دونَ أن تعرفَ شيئًا عن ما نطلقُ عليه نحن الٓان اسم “العلم”.
ولا بُدَّ أنّ الأنسانَ قد بذلَ الكثيرَ من الجهدِ حتى استطاعَ أن يتغلّبَ على أوهامِ الماضي التي ساهمَت في تأخيرِ وصولِ العلمِ إلى البشرية، كما أنّ هناكَ الكثيرُ من العقباتِ التي تقفُ في طريقِ العلم، فما هي هذه العقبات؟
الأسطورة
ظهرَت الأسطورةُ في العالمِ القديمِ قبلَ معرفَةِ العلمِ بمعناهِ المعروف، وكانت تعتمدُ على تقديمِ تفسيراتٍ بدائيةٍ عن الحياةِ والطبيعةِ تتلاءمُ مع الشعوبِ التي كانت تعيشُ في ذلك الوقت، فكانت نظرةُ الأنسانِ للعالم والطبيعةِ من حولِهِ مقتصرةٌ على أحاسيسِه وميولِه الذاتيّة، فعندما يرى السماءَ تمطرُ يعتقدُ أنّ ذلك لكي تروي الأرض، والزلازلُ تحدثُ لمعاقبةِ المخطئين، بل وكان ينظرُ للكائناتِ الحيّةِ من حولِه نفسَ النظرةِ الأسطورية؛ فيرى الزرافةَ رقبتُها طويلةٌ لكي تتغذّى على أوراقِ الشجر وهكذا…) ولكنّ هذه النظرةَ لم تدُمْ لأنّها تعارضُ نفسَها، فأحيانًا يرى البعضُ سقوطَ الأمطارِ هدمًا لبيوتِ الفقراءِ ودمارًا عليهم، بل وحتى الزلازل التي تبدو سيئةً للجميع يراها البعضُ أنها فرصةٌ جيّدةٌ لكي يعملَ من ينقلون الموتى والمعالجون، ولذلك اختفت وجهاتُ النظرِ هذه مع التوسّعِ في العلم، ولكن لم يتوقف العلم عن محاربة مثل تلك الأفكارِ الغير منطقيّة.
الخُرافة
ظلّت الخرافةُ تتعايشُ فترةً كبيرةً مع العلم، بل ومازالت تؤثِّرُ في عقولِ الكثيرين، فيرى البعضُ أن كثيرًا من البحثِ العلميِّ يجتمعُ مع الخرافةِ دون أيِّ اختلافٍ بينهما، فالتنجيمُ والسِحرُ كان ومازال يؤمنُ بهما الكثيرُ من العلماء، ولعلّ أسبابَ إهتمامِ الناسِ بالخرافةِ هو الخوفُ من المستقبل؛ فيجعلُهُم ذلك يلجأون إلى الطالعِ والتنبؤِ بالمستقبل، كما أنّ للعجزِ أهميةٌ كبرى في إنتشارِ الخرافة، ولكنها(الخرافة) تختلفُ باختلافِ البيئةِ والزمان؛ فقديمًا كان العجزُ هو العجزُ عن الفَهمِ نتيجةَ قصورٍ في المعرفة، أمّا الآن بعد ظهورِ إجاباتٍ عِلميّةٍ لدحضِ هذه الخرافات، إذن يصبحُ العجزُ هو العزوفُ عن التعلّم، والبحثُ عن المتعةِ اللحظيّةِ في اللعبِ والراحة.
التعصُّب
تتعدّدُ أنواعُ التعصُّب؛ فهناك التعصُّبُ القوميُّ والدينيُّ وغيرُ ذلك.. إلّا أنّ جميعَ أنواعِ التعصّبِ يمكنُ تعريفُها في مفهومٍ واحدٍ وهو إنحيازُ فردٍ لفكرِ جماعةٍ محددة، وإصرارُه على صحةِ ما يقولونه دون تفكير، والتقليلُ من شأنِ الآخرين دون مناقشتِهم، و أمثلةُ ذلك كثير؛ ففي التعصّبِ القوميِّ تجدُ بعض الأشخاصِ يؤمنون بأنَّ الطفلَّ المصريَّ -مثلًا- أذكى طفلٍ في العالم، وعندما تناقشُهم وتسألُهم عن الدراسةِ التي تقولُ ذلك؟ ومن أيِّ جامعة؟ وهل من الممكنِ أن تتغيَّرَ أم ستستمرُّ إلى نهايةِ العالم؟ فستتأكّدُ أنّها مجرّدُ عصبيّةٍ نتيجةَ الانحيازِ للوطنِ ليس أكثر.
وفي التعصّبِ الدينيِّ ستجدُ البعض على سبيل المثال يؤمنون بأن الحسد يدمر الأنسان ويقولون “العين فلقت الحجر” وأن الحسد مذكور في القرأن ويلجأون إلى العرافيين والدجاليين ويتهمون كل من يخالف ذلك بالجاهل وأحياناً يصل الأمر إلى اتهامهم بالشرك بالرغم من أن كلمة الحسد في اللغة العربية تعني تمني زوال النعمة أي أن الأمر يقتصر على التمني وليس على قوة خفية تخرج من العين تصيب الشخص بالمرض أو غير ذلك، ولذلك يعيق التعصب طرق التفكير العلمي.
الاعلام
من المؤسف أن الإعلام يساعد على محاربة العلم بقصد أو نتيجة جهل بالعلم، فتجدهم يرحبون بمروجي الخرافات ويستضيفونهم في كثير من الأحيان لينشروا خرافاتهم فيصدقهم البعض، فلا نتعجب هذه الأيام عندما نقرأ في الصحف عن شاب مصري يحطم نظرية إينشتاين أو دكتور يخترع جهاز لشفاء المرضى ويحوله إلى وجبةٍ دسمةٍ يتغذون عليها أو نجلس أمام التلفاز فنشاهد شخص يدعي أنه يخرج العفاريت التي تتلبس أجساد البشر، ولأن هذه الخرافات أصبحت منتشرة، وأن البرامج التي تبث هذه الخرافات أصبحت من ضمن البرامج أكثر مشاهدة ولأن الإعلاميين يجلسون أمام هولاء الناس ليصدقوا على كلامهم أصبح الكثير من الناس يؤمنون بالخرافات وكأنها حقائق علمية
إنَّ هذه الأسباب هي الأكثر وقوفاً في طريق العلم على مر العصور.
إنَّ هذه الأسباب هي الأكثر وقوفاً في طريق العلم على مر العصور.