عبيد الإمبريالية بقلم فرانز فانون (مترجم)

الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، البعثة في غانا، 14 ديسمبر 1960.
إنّ التأكيد أن لكل زمن من التاريخ ميزاته الخاصة لهو أمر بديهي. كان لزمن الاستعمار، مثلًا، نفسيته الخاصة، أبطاله وخونته الخاصين. فقبل انهيار النظام الاستعماري في إفريقيا وفي العالم، كان يوجد أفارقة يستطيعون أن يؤكدوا بكل جدية أن الاستغناء عن أوروبا كان أمرًا مستحيلًا. ولكي نقول الأشياء بأسلوب أوضح، كان من الممكن رؤية سياسيين أفارقة يحاربون ضد إخوانهم الذين كانوا قد قرروا الكفاح من أجل تحرير بلدهم.

ولكن يجب القول أنّ هذه المفارقات التاريخية قد زالت، على العموم، يمكننا أن نلاحظ، هنا وهناك، بعض الأفراد الذين لا يتزعزعون، ولكنهم ليسوا أبدًا خونة حقيقيين بأتم معنى الكلمة، سواء كانوا واعين ويائسين في خيانتهم. إنّ نشاطات أولئك الذين استمروا في صراع متخلف في صالح النظام الاستعماري تمت تغطيتهم خلف ستار من الحشمة ومن الحذر. كان من الممكن أن نلاحظ فيهم ومن دون عناء عقدة تبعية أو عقدة نقص، أو لكي نصف الأشياء بصورة خشنة، ميلًا واضحًا جدًا إلى التزلّف، ولكن لم نلاحظ أبدًا التصرف المصمّم على الخيانة الذي أظهره للتوّ قادة البعثة السينيغالية لدى الأمم المتحدة.

في الحقيقة، فإنّ الكثير من الزعماء الأفارقة كانوا يعلمون أنّ “الكومينوتيه الفرنسية” (الرابطة الفرنسية)، التي رأت النور في لحظة اضطراب و(لا)مسؤولية، لم تكن تعد بالشيء الإيجابي. ولكن إن نظرنا إلى الأمور من بعيد فسندرك أنّ عددًا كبيرًا جدًا من الحكومات التي عيّنتها فرنسا في تلك البلدان تنتهج سياسة إفريقية تميّزها الخيانة. إنّ مناقشات اللجنة السياسية للأمم المتحدة حول المسألة الجزائرية أكّدت للتوّ (وهذا أمر مؤسف بالنسبة للكرامة الإفريقية) أنه لا يزال في 1960، في سنة سمّاها البعض سنة إفريقيا، يوجد ممثّلين عن شعوب إفريقية يريدون غلق الفتحات المفتوحة في قلاع النظام الاستعماري ويريدون الصراع “بشجاعة”، بهدف تمديد الهيمنة الغربية على رجال ونساء إفريقيا بسنوات أو ببضعة أيام.

كانت الحكومة الفرنسية تعلم منذ ستة أشهر أنّ الأمم المتحدة استعدت هذه السنة للتخلي عن تصرفها النظري، وللتدخل عمليًا في الحرب الاستعمارية في الجزائر، وكان حلفاء فرنسا الغربيين قد نبّهوها أنهم سيكفّون عن المحاربة بشكل واضح من أجل الحفاظ على الجزائر الفرنسية. فحينها سارعت الحكومة الفرنسية إلى تشكيل رابطتها، وحثت دولًا لم تكن إلا دولًا أشباح، لكي لا نقول دمى، على الانضمام إلى الأمم المتحدة آمرة إياها الانضمام كذلك إلى نشاط سياسي خطير وقاتل على الخصوص، كمرتزقة معرّضين إلى الضربات الفتّاكة وسعيدين بترك القوات الوطنية أو المجموعات الحليفة بمثابة احتياطيين.

هذا لم يمنع قط السيّد دييا من أن ينزع قناعه ومن أن يكشف عن وجهه الماكر، وأن ينادي أمام العالم أجمع، بتواطؤ مع السيد داربوسييه (الذي قضى الأسابيع الستة الماضية في زيارة منطقة إفريقية تلو الأخرى باحثًا عن نقود وحلاوة الرشوة)، إلى الدفاع عن فرنسا، في مجهوداتها لإبادة الشعب الجزائري.

إعلان

بعدما فشل “القسّ” يولو في ضمان تأجيل النقاش ، كشف السيد دييا عن لعبته الخبيثة إذ طلب من الأمم المتحدة أن لا تدين فرنسا وأن تثق بـدي غول، وفي نفس الوقت، مردّدًا النظريات التي يقدّمها الاستعماريون عادة، أكّد أن تيارات مختلفة كانت متواجدة داخل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية: تيّار متطرف، تيار معتدل وتيّار خامل. في النهاية، وكخاتمة، طلب السيد دييا من الأمم المتّحدة أن تسلّمه (أو إلى شركاءه في الـكومينوتيه) مهمّة التنظيم والإشراف على استفتاء في الجزائر.

إنّ الإرساليّات الإفريقية لدى الأمم المتحدة حكمت بالإجماع على مداخلات الناطقي باسم الاستعمارية الفرنسية في إفريقيا. ومصطلح “خيانة” هو العبارة التي غالبًا ما تم استعمالها لنعت احتيال الناطقين. ونحن نشهد حقًا فعل خيانة عمدي. إنّ مؤتمر أبيدجان، الذي انعقد خلف أبواب مغلقة، كان يريح فعلا برائحة المؤامرة. تلا المؤتمر السفر المعروف لـلسيد دييا إلى تونس حيث تم الدفاع بحماس، باقتناع وبشدة عن النظريات الاستعمارية. واليوم سقط القناع، يظهر السيد دييا وكأنّه دمية حقيرة لا غير، تبرّأ منه التاريخ وعلى وشك أن يتم إرساله إلى “غرفة الرعب”. وسيتمّ الزج به هناك.

نحن الجزائريون عازمون على ألّا نرجع إلى الوراء أمام أي حاجز كان. لا الوحدات المدرعة للجيش الفرنسي ولا آلاف الطائرات ولا الحواجز المكهربة، كل هذا لم يثبط عزيمتنا من أجل الانتصار. لقد كان في صفوفنا خونة ولقد صفّيناهم.

إنّ السيد ديا، خائن الأمة السينيغالية التي باعها للاستعماريين الفرنسيين، يمدّد اليوم خيانته إلى كافة إفريقيا وهو الآن مستعد ليبيع الجزائر. ولكن من المفترض أن يعرف أنّ الجزائر لن تترك نفسها تُباع. إنّ شعبنا معرّض منذ ستّ سنوات إلى ضربات فتّاكة لم يسبق أن تعرّض لها قط شعب مستعمر. لن يترك شعبنا رجالًا من طينة دييا يسرقون منه النصر. وبما أنّ السيد دييا هاجمنا فسنرد على هجومه وسوف يكون ردّنا قاسيًا لا يرحم. لقد طلبنا من السيد دييا إن كان يقبل أن يطلق الرصاص على وطنيين جزائريين فأجاب أنه سيحتفظ بالجواب لنفسه. ليكن على يقين أنّه لن يوجد ولا وطني جزائري واحد سيحتفظ بالجواب لنفسه. توجد مخلوقات خبيثة وتحرّر إفريقيا منها أمر عاجل.


عنوان النص في اللغة الأصل: « Les laquais de l’impérialisme », gouvernement provisoire de la république algérienne, Mission au Ghana, 14 décembre 1960.

مصدر النص: كتابFrantz Fanon, Œuvres II, écrits sur l’aliénation et la liberté, Hibr Editions, 2014, Alger, Editions la Découverte, Paris, 2015 (فرانز فانون، الجزء الثاني من الأعمال الكاملة، كتابات حول الاستلاب والحرية، منشورات حبر، الجزائر، 2014 ومنشورات لاديكوفارت، باريس، 2015. لم تصدر الترجمة العربية بعد)

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: مصعب محيسن

ترجمة: محمّد وليد قرين

اترك تعليقا