كيف يتم صناعة المنتج الأكثر حساسية وغموض “صناعة النقود”

لا يمضي يوم دون أن تمتد أيدينا إلى هذه القطعة الورقية الثمينة المسماة بأوراق النقود والحقيقة أنه يصعب تصور الحياة الحديثة من دون نقود ولكن يخفى تماما عن عامة الجمهور كيف تصنع هذه الأوراق النقدية ومن يصنعها
وفي الكتاب الشهير صُنَّاع النقود العالم السِّرِّي لطباعة أوراق النقد حاول كلاوس بيندر تسليط الضوء على صناعة أوراق النقد و طريقة عملها وهو بذلك يرفع حجاب السرية المفروضة على هذه الصناعة ويزيل الغموض عنها .
وفي هذه المقاله سنتعرف أكثر على أسرار وخفايا عالم صناعة النقود التي ذكرها هذا الكتاب

النقود على مر التاريخ :-

 

ما الذي قد يكون أكثر إثارة وتحفيزا من حفنة أوراق نقد جديدة تمامًا لم تثن قط نمرر أناملنا على تضاريس ورقة النقد الخالية من الثنيات ونسمع طقطقتها عند الضغط عليها بين أناملنا ونستطيب رائحة حبر طباعتها في عالمنا الحديث بما ينطوي عليه من تقسيم العمل ، بالفعل الحياة لا تتصور من دون نقود فنحن نستخدمها كوحدة قياس في تسعير المعاملات ونقدمها كوسيط دفع عند سداد الديون ونجعلها مخزنا للقيمة عندما ندخر بالفعل هذا هو الشيء الذي يحقق الأحلام

لكن متى وكيف بدأنا نفضل هذه النقود المجردة المسماة ” بالسلعة الثالثة ” على القيمة العينية التي تتمتع بها سلعة حقيقية في معاملاتنا التجارية ، الإجابة وجدت على مر التاريخ فقد استخدمت أشد وسائط الدفع غرابة أثناء الإنتقال البطيء من المقايضة البسيطة إلى التجارة الحرة ، كقوالب أوراق الشاي المضغوطة في التبت في سيريا الجنوبية وألواح الحجر المثقبة في جزيرة ياب ، و أقراص الملح والفئوس وحلقات النحاس والخرز الزجاجي والصدف في أفريقيا والكثير حيث كانت الندرة و إستقرار القيمة المادية ، وأحيانا مجرد متانه الوسيط هي التي تحدد الإختيار في ذلك الوقت ، إلى أن اخترعت النقود الورقية والتي يعود الفضل بإختراعها إلى الصينيين حيث أطلق عليها في ذلك الوقت بالنقود الطائرة لخفة وزنها ، وبعدها بألف عام كان المستعمرين الأمريكيين أول من استخدمها إستخداما ممنهجا في العالم الغربي ، حتى أنهم مولوا ثورتهم بإصدار كميات هائلة من أوراق الدولار الحقيقية

أما في عصرنا الحالي الإلكتروني التكنولوجي وفي ظل ظهور مايعرف بالنقد أو النقود الإلكترونية ثمة تحديات شديدة الخطورة تواجه النقود الورقية وكثيرة هي التنبؤات بنهاية عصر أوراق النقد لكن ذلك بالتأكيد سوف يستغرق وقتا طويلا قبل أن تحل النقود الإلكترونية الإفتراضية محل أوراق النقد و تبدأ البنوك المركزية في إصدار النقود الإلكترونية بدلا من أوراق النقد النظرة كما وصفها ( توماس فرجسون ) مدير مكتب سك وطباعة العمله والذي تطبع مطبعته الحكومية عملة الاحتياطي العالمي الدولار حيث قال ذات مرة ” إن ملمس النقود الجميل في اليد سوف يبقي أوراق النقد لوقت طويل آت ”

إعلان

كيف يتم صناعة النقود :-


يعتقد الكثير منا أن صناعة النقود تكون بالأوراق العادية لكن هذا الاعتقاد غير صحيح فالمشكلة في الأوراق العادية تكمن في سهوله تمزيقها ولذلك ولتحاشي هذه المشكله فقد استخدم القطن في صناعه النقود ، فالنقود لا تنمو على الأشجار ولكنها تنمو في حقول القطن ، الأوراق النقدية الأمريكية ليست مصنوعة من الورق بل من النسيج ولكن بالطبع فالقطن وحدة ليس متينا بما في الكفاية لذا يقومون أيضا بإضافه الكتان لصنع أقوى أوراق نقدية على الإطلاق حيث يتميز الكتان بدرجه عالية من المتانه والأوراق التي تصنع منه تعد ذات جودة عالية جدا

يوضع الكتان بغسالة خاصة ويعرض إلى ضغط جوي معين والى درجة حرارة تقدر ب 180 درجة مئوية بعدها يتم إضافة الكتان الساخن الى الماء ثم يتم تجفيفة ويتحول الى صفائح ويقطع الى مربعات ثم ينقل الى المعمل للطباعة علية وتتم عملية الطباعة وفق حراسة شديدة للغاية تصل الى أعلى المستويات يراقب الحراس كل شيء وكل شخص ويفتش الموظفون في دخول والخروج و ذلك لحماية التركيبة السرية للعمله ثم تأتي عملية الطباعة و التشكيل على العمله وينتج في اليوم الواحد حوالي 900 مليون دولار من الأوراق النقدية .

بماذا تعلل كل هذه الخصوصية والغموض التي تكتنف سوق صناعة النقود :-

نعرف كثيرا جدا عن النقود عمليا ونظريا نحن نعرف من يديرها و لماذا ترتفع قوتها الشرائية وسعر صرفها وينخفضان ، لكن لا نكاد نعرف شيئا عمن يصنعون أوراق النقد على الرغم من أنه لا يوجد منتج صناعي أخر في العالم يتعامل معه الجميع بمثل هذه الكثرة وعلى هذا النوع المتكرر ولا يوجد فرع اخر يكتنفه الغموض كطباعة النقد حيث يبذل صناع النقود من القطاعين الحكومي والخاص جهودا هائلة للحفاظ على أسرار نشاطهم

فمن يسعون  للحصول على معلومات عن شركات طباعة الأوراق النقدية المؤمنة في المكتبات وأرشيف الصحف نادرا ما سيجدون أي شي و مثل هذا الستار الكثيف من الصمت قلما نجدة مسدولا على أي قطاع أخر من قطاعات الصناعة غير صناعة أوراق النقد و أي شيء مرتبط بها .

وحتى الشركات القليلة المتداولة في أسهمها في البورصة والتي تقوم بدور المورد لهذا القطاع كشركة ألات الطباعة الألمانية كوينج أوند باور التي تحذف بشكل ممنهج من تقاريرها السنوية أي بيانات تخص نشاطها في قطاع طباعة السندات المالية ، كما أن الدعاية شيء غير مرغوب فيه فلا توجد إعلانات عامه عن هذه المنتجات .

يذكر أنه في بداية الثمانينات حاول صحفي أمريكي ولأول مرة إلقاء النظرة على كواليس هذا القطاع في كتابه ولكن لا يمكن عمليا العثور على هذا الكتاب كمادة تاريخية ولا حتى في كبار المكتبات العامة حيث عجل جواليترو جوري و صديقة ألبير عمون وهما رائدا أعمال وأحد أقطاب أحبار الطباعة في ذلك الوقت إلى شراء النسخ المطبوعة كلها للحيلولة دون طرحها للجمهور ، وفيما بعد رأي شهود عيان كومة الكتب في قبو مركز جوري الفني

وتبرر هذه السرية دوما بإعتبارها من لوازم الأمن المشدد المحيط بإنتاج منتج شديد الخصوصية و إن كانت هذه السرية أيضا نتاج هيكل السوق ذلك الهيكل الشديد التسيس التي تعمل فيها البنوك المركزية و مطابع أوراق النقد الحكومية و الخاصة وهو وضع لا يكاد يختلف عما هو سائد في صناعة السلاح ، كما أن السيادة النقدية بمعنى الحق الحصري في اصدار النقود من الركائز التي تقوم عليها اي دوله

أخيرا طباعة أوراق النقد سوق ضيقة للغاية وهو الأمر الذي يجعل من هذا النشاط التجاري شديد الصعوبه فمن ناحية نجد أن إمكانية تمييز المنتج محدودة لأن أوراق النقد متجانسة نسبيا ، ومن ناحية أخرى تباطأت الزيادة في الطلب بشكل ملحوظ على الرغم من تواصلها ويمثل النمو السكاني و التوسع الاقتصادي والتضخم العوامل الثلاثة الرئيسية التي تقرر الطلب على أوراق النقد .

أهم شركات طباعة النقود في العالم :-

تهيمن الشركات الأوروبية على سوق طباعة النقود العالمية بما فيها من ألات خاصة و أحبار مؤمنة و طباعة أوراق النقد الخاصة ذاتها يسيطر عليها بالكامل عدد قليل من الشركات الأوروبية العالية التقنية ، فلن تصدق أن الدولار الأمريكي المهيمن الذي يجسد قوة أمريكا الإقتصادية ونفوذها العالمي حيث تنتج مطابع مجلس الاحتياطي الفيدرالي اليوم نحو 9 مليارات ورقة لعملة الدولار سنويا و تعتبر المتطبعتان اللتان يشغلهما مكتب سك و طباعة العمله نموذجين للكفاءة مع ذلك فإن نجاحهما الذي لا مراء فيه يستند إلى تكنولوجية طباعة أوروبية تحيط بها تدابير أمنية صارمة بل وأن الدولار سيبدوا باهتا دون الأحبار الأوروبية المؤمنة تأمينا قويا .

ولا يوجد سوى ثلاث شركات طباعة نقد خاصة ما زالت تقتسم السوق العالمية المتاحة و جميعها في أوروبا وهي :-
– دي لارو البريطانية
– وجيزيكة أوند ديفرينت الألمانية
– فرانسوا شارل أوبرتور فيدوسيير الفرنسية

وهي تستحوذ مجتمعة على حصة سوقية تساوي 90 % على الرغم من وجود فجوات كبيرة فيما بينهما ، أما شركة إنسخيدة الهولندية و أورل فوسلي السويسرية و كلتاهما معروفتان بأنهما من شركات الطباعة الخاصة التي تنتج نقدا ذا مستوى عالي جدا من الأمن والكفاءة الفنية لبنوكها الوطنية فليس لهما إلا وزن ضئيل في السوق الحرة و أما الشركات الأخرى التي تتضمنها دائرة شركات طباعة النقد غير الحكومية من أوروبا و الأمريكيتين والتي جربت حظها في هذا السوق الرفيعة المستوى والشديدة الصعوبة فقد أخفقت في السنوات الماضية بسبب المتطلبات الفنية أو بسبب عدم كفائتها في هذا المجال من النشاط التجاري و المدهش أن هذا ينطبق على شركات طباعة النقد الامريكية ذات التراث الحافل التي إضطرت بدون إستثناء إلى الإنسحاب من سوق طباعة النقد

و في هذا الصدد يجب أن تكون شركات طباعة الأوراق والسندات المالية على أعلى درجة من الأمانة و الإستقامة وحسن السمعة ، يذكر أن شركات طباعة النقد الخاصة لا تقدم على الإعلان عن أسماء البلدان التي تطبع نقودا لها وهو نوع من انواع السرية المفروضة على هذه الصناعة.

أخيرا يشكو الكثيرون ممن هم في هذه الصناعة من أن أوراق النقد التي كانت ذات يوم موقرة بدأت تفقد هالتها الأسطورية و تتراجع الى مجرد سلعة تجارية وسيحدث التغير التكنولوجي تغييرات هيكلية عميقة في هذا القطاع بشركاتة الخاصة والحكومية على السواء .

في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى، نرشح لك:

الحدود الأخلاقية للأسواق .. ما الذي لا يمكن أن تشتريه النقود ؟

التمرد والمخاطرة يجعلان من جيف بيزوس الأغنى عالميا

الجمعة السوداء في الجانب الاقتصادي

النشرة الإقتصادية غير مرحب بها في الدول العربية

 

إعلان

اترك تعليقا