ما العلاقة التي تربط مارك زوكربيرغ بالفأر برين

في طفولتي كنت شديدة التعلق بالتلفاز، لا أتركه إلا عند الذهاب إلى المدرسة أو  للنوم فقط، وعلى عكس بقية الأطفال لم تكن تستهوني كثيرًا نوعية المسلسلات التي يعجب بها الصغار ممن هم في نفس عمري ، لكنني كنت متعلقة بمسلسلات وأفلام الخيال العلمي التي عادة ما تندرج ضمن الأشياء التي يقال عنها بأنها خارجة عن المألوف وغير قابلة للتصديق، أشخاص يديرون العالم بواسطة حواسيب ضخمة موجودة داخل مختبرات سرية لأحد يستطيع الدخول إليها إلا من كان يملك شفرات سرية أو بيانات معقدة، إلخ.

وعلى الرغم من توبيخ أهلي المستمر لي بأن أترك مشاهدة تلك المسلسلات الغريبة ونصحي بمتابعة الأشياء المنطقية والمفيدة بدلاً من تضييع وقتي في هذه البرامج غير الواقعية التي تسخر من عقولنا على حد قولهم، لكن لا أعلم لماذا كان ينتابني شعور غريب بأن الأحداث التي تدور في هذه الأعمال التلفزيونية ليست محض خيال، بل هي حقيقية وإن لم تكن موجودة حقًا في ذلك الوقت إلا أنها ستحدث في المستقبل ولم أشك ولو للحظة بعدم إمكانية حدوثها على أرض الواقع.

ومن بين المسلسلات لكن الكرتونية هذه المرة هناك مسلسل ظلت أحداثه عالقة في ذهني الى الأن وهو المسلسل الكرتوني الشهير “بينكي وبرين”, هل تذكرونهما إنهما الفئران اللذان كانا يحلمان بالسيطرة على العالم كل ليلة .

لقد كنت معجبة إلى حد الهوس بذكاء ودهاء “برين” ومحاولاته المستمرة بإصرار وشغف كبيرين لتحقيق حلمه بأن يصبح المسيطر الوحيد على العالم، هذا الأمر تحديدًا كان يولد في عقلي سؤلاً وهو إذا كان هذا الفأر الصغير حاول لأكثر من مرة أن يتحكم في العالم وكاد في كثير من الأحيان أن يصل إلى حلمه، فماذا لو أن فكرة السيطرة على العالم كانت حلمًا يدور في عقل بشري، ما الذي يمكن أن يحدث حينها؟

ولحسن الحظ لم ألبث طويلاً حتى وجدت ذلك البشري الذي لديه حلم شبيه بحلم الفأر “برين” إنه وبدون أدنى شك “مارك زوكربيرغ”؛ فهذا الشاب الذي بدأ مشوار نجاحه في وقت مبكر من العمر بعد أن تمرد على دراسته الجامعية وأسس موقع فيسبوك الذي أصبح أكبر موقع للتواصل الاجتماعي في العالم، بعدد مستخدمين يصل حتى هذه اللحظة إلى أكثر من 2.5 مليار مستخدم نشط في جميع أنحاء الأرض.

إعلان

وطموح السيطرة واضح جدًا لدى مارك زوكربيرغ فهو لا ينفك يستحوذ على أي تطبيق منافس له بأي شكل من الأشكال، وقد استحوذ فعلًا على عدة تطبيقات أبرزها واتساب وإنستاغرام، وها هو الآن يدخل واثق الخطى إلى عالم جديد كليًا وهو عالم الخدمات المالية وقطاع العملات الرقمية على وجه الخصوص من خلال العملة المشفرة ليبرا “Libra”، ومن مؤكد أنكم سمعتم عنها كثيرًا هذه الأيام، فقد أحدث خبر إطلاقها الرسمي ضجة واسعة في الأوساط التكنولوجية والاقتصادية، فما هي هذه العملة ولماذا تعد مختلفة بعض الشي عن بقية العملات الرقمية الموجودة حاليًا؟

من المستفيد من الخدمات التي تقدمها عملة فيسبوك الجديدة:

لديك حساب على فيسبوك لكنك لا تملك حسابًا مصرفيًا، وتواجه الكثير من العوائق بخصوص المواضيع المتعلقة بإرسال واستقبال الأموال، وأنت ضمن 1.7 مليار شخص ممن لا يملكون حسابات مصرفية حول العالم، لكن لا داعي للقلق بعد الآن ففيسبوك حل مشاكلك المتعلقة بالتحويلات المالية ولم تعد بحاجة إلى التفكير في فتح حساب مصرفي طالما أن لديك حسابًا على موقع فيسبوك وتستخدم بقية التطبيقات التابعة له، فبوجود ليبرا أصبح بإمكانك إرسال واستقبال الأموال بلمح البصر تمامًاا كما تفعل عندما ترسل رسالة عادية عبر هاتفك الذكي.

أما إذا كنت من الأشخاص الذين لديهم حساب بنكي ويتعاملون مع شركات الوساطة المالية، ليبرا أيضًا ستفيدك، فإلى جانب كونها ستنجز لك تحويلاتك المالية بسهولة وسرعة فائقة هي أيضًا ستوفر لك المبالغ التي كنت تدفعها للجهات الوسيطة، فمن المتوقع أن توفر هذه العملة مبلغ 25 مليار دولار سنويًا كانت تدفع للشركات المتخصصة بالتحويلات ونقل الأموال.

وقد كشفت التقارير الأولية أن التداول الرسمي لهذه العملة سيبدأ في منتصف العام القادم، كما أن إطلاقها سيكون مصحوبًا بإطلاق تطبيقات تابعة لها مثل تطبيق المحفظة “كاليبرا” وهي محفظة رقمية مهمتها الاحتفاظ بالعملات من ليبرا، كما أنها ستقدم العديد من الخدمات المالية الأخرى فهي مصممة لإبقاء البيانات والحسابات الخاصة بمعاملات الأفراد منفصلة تمامًا عن فيسبوك وفي سرية وأمان تامّين.

ما الذي يميز ليبرا عن نظيراتها من العملات الرقمية:

يشبه المنطق الذي تعمل عليه العملة المشفرة ليبرا المنطق العام الذي تعمل عليه بقية العملات الرقمية تقنيًا مع وجود بعض الفروقات الهامة من الناحية الاقتصادية، فهي عملة إلكترونية تعتمد أساسًا على تقنية البلوكشين،و يكون تداولها عن طريق الإنترنت فبواسطتها بات بالإمكان إرسال الأموال واستقبلها عن طريق التطبيقات التابعة لشركة فيسبوك كما يمكن الاعتماد عليها كليًا كوسيلة لتسديد المدفوعات عبر الإنترنت.

ولكنها تختلف عن بقية العملات في مجموعة من الاختلافات الجوهرية أهمها:

  • بينما تعتمد بقية العملات على نشاط التعدين الذي يتحكم بعدد المعروض منها عند عدد محدد على سبيل المثال عملة البتكوين لا يمكن إنتاج غير 21 مليون وحدة منها فقط, أما ليبرا فلا يوجد سقف محدد للمعروض منها حيث تستطيع فيسبوك أن تصدر أي كميات منها متى أرادت ذلك.
  • عادة ما تكون الجهة المصدرة لغالبية العملات الرقمية مجهولة الهوية أو أن مطلقيها أشخاص عاديون وغير معروفين عدا عن قله قليلة من هذه العملات التي أصدرت بواسطة جهات مهمة، وليبرا واحده منها فهي صادرة عن شركة فيسبوك إحدى كبرى شركات التكنولوجيا في العالم، كما أنها تدار بواسطة جمعية “Libra  Association” وهي مؤسسة غير ربحية، أضف إلى ذلك أن هناك 28 شركة تستثمر في هذه المؤسسة غير الربحية التي تدير عملة ليبرا ومن هذه الشركات (فيزا – باي بال- أوبر) وغيرها وإلى الآن أنفقت كل شركة مبلغ 10 مليون دولار لدعم وتطوير ليبرا.

الشركات المستثمرة في العملة الرقمية “ليبرا”

  • يُعرف عن العملات الرقمية بأن أنشطة المضاربة الكبيرة عليها تتسبب في تقلبات شديدة لأسعارها، لكن ليبرا تعد من العملات الرقمية المستقرة، فهي مدعومة بأصول حكومية متدنية المخاطر كما أنها مربوطة بسلة من العملات العالمية أي أنها محمية من المضاربات، وهذا ما يعطيها المزيد من الثبات في القيمة ويجعلها أكثر أمانًا من غيرها .
  • تتمتع ليبرا بميزة أخرى وهي أن فيسبوك تخطط لعمل صراف آلي خاص بعملتها الجديدة ومهمته تحويل العملات منها إلى عملات ورقية تقليدية وذلك وفق أسعار الصرف القائمة لحظة التحويل والعكس.

لدى ليبرا الكثير من المميزات وأهدافها واضحة وفي صالح الجميع، لكن هل حقًا هي آمنة إلى هذا الحد؟

هل تتذكرون “مارك زوكربيرغ” وهو يقف أمام الكونجرس الأمريكي للإدلاء بشهادته بشأن فضيحة تسريب البيانات الشخصية لعدد كبير من مستخدمي فيسبوك وغيرها من الاتهامات المتعلقة بالشركة، حينها كان يجيب عن الأسئلة الموجهة إليه وهو مرتبك وقلق للغاية وقدم اعتذاره في كثير من الأحيان قائلاً بأنه كان مخطئًا في بعض الجوانب، هذه الفضيحة تسببت بمشاكل كبيرة جدًا لفيسبوك وخسائر فادحة في القيمة السوقية لها كما أنها زعزعت من ثقة العامة في جميع تطبيقات الشركة، فلم يعد أحد من المستخدمين يثق في أن بياناته محمية تمامًا بعد هذا الحادث.

وعلى الرغم من أن هذا الحدث أثر سلبًا على إيرادات الشركة وخاصة من الإعلانات التي تعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا كمصدر أساسي من مصادر الدخل، لكن استطاعت فيسبوك بعد فترة قصيرة النفوذ من هذه المشكلة، إذ بدأ سهم الشركة بالتعافي تدريجيًا محققًا قفزة ملموسة فقد صعد بنسبة 40% منذ بداية العام الجاري، كما عُدّ الأفضل أداءً بين أسهم بقية شركات التكنولوجيا.

وفي حقيقة الأمر يرجع هذا التحسن إلى مصدر الدخل الجديد الذي كان يتحدث عنه زوكربيرج منذ فترة وهو إطلاق عملة رقمية خاصة بفيسبوك، ورغم أن الأمر لم يحدث فعليًا ذلك الوقت لكن مجرد الحديث عن تخطيط فيسبوك  للدخول في عالم العملات الرقمية كان ينعكس إيجابًا على أداء سهم الشركة ومن المتوقع أن ترتفع قيمة السهم أكثر بعد الطرح الفعلي للعملة الرقمية ليبرا كما يعتقد الكثير من المحللين.

لكن ماذا عن عنصري الأمان والثقة اللذين أصبحا مفقودين إلى حد ما في شركة فيسبوك وفي قدرتها على حماية بيانات مستخدميها؟ هل من شأن ذلك التأثير على استخدام هذه العملة على نطاق واسع؟ وصحيح أن فيسبوك قدمت الكثير من الأدلة التي تثبت استقلالية هذه العملة عنها، وعن كون جميع البيانات والمعلومات الخاصة بالعملاء والأفراد ستكون بعيدة كل البعد عن حساباتهم على كافة التطبيقات المملوكة للشركة، لكن تظل نسبة المخاطرة كبيرة هذه المرة، فإذا كانت بيانتنا العادية في خطر فهل نمتلك الجرأة الكافية للمخاطرة بأموالنا! باعتقادي هذا هو السؤال الذي سيحدد مسألة نجاح هذه العملة أو فشلها، والإجابة عنه ستُكشف بعد التداول الفعلي لها والتعامل بها على أرض الواقع.

وفي حال حققت هذه العملة النجاح المرجو منها فإنها ستكرس من سيطرة زوكربيرغ على قطاع العملات الرقمية كما هو الحال مع سيطرته على قطاع تطبيقات التواصل الاجتماعي، وهو ما سيزيد من نفوذه في عالم الاقتصاد الجديد الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على البيانات ومن ثم لن يكون مستبعدًا أن يحقق هذا الرجل طموحه في السيطرة على كل ما هو متعلق بالاقتصاد الرقمي في العالم مستقبلاً.

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: رندا الحمادي

الصورة: مريم

اترك تعليقا