صغيري الذي يبكي كثيرًا
بداية الخلل
منذ فترة ليست ببعيدة، رأيت ملصقًا منتشرًا على صفحات التواصل الاجتماعي، مضمونه هو أن فتاة دعت الله كثيرًا أن يرزقها الله برجل يحبها كوالدها، فرزقها الله ابنًا، شعرت بالرعب على كل طفل وضعت أمه هذا الملصق كإشارة للحب المتبادل بينهما.
نعمة أم نقمة!!؟
هذا الصغير الرائع الذي رزقه الله بأم تحبه كثيرًا، لا يعلم ما تخفيه له الأيام نِتاج هذا الحب المرضي، الذي لن ينتج عنه رجلًا سويًا.
عزيزتي الأم التي سوف تغضب كثيرًا من كلماتي، تريثي قليلًا واسمحي لقلبك وعقلك أن يستوعب نصيحة قد تغير حياة صغيرك للأبد، لكن للأصلح صدقيني، أعلم مدى حبك لصغيرك لأنني أم أيضًا، لكن تعلمت أن الحب الذي لا يصحبه وعي حتى لو كان حب الأم لطفلها فهو حب لا يعوَّل عليه، ولن ينتج عنه إلا أمراضًا نفسية للطفل الذي لا ذنب له في الحياة إلا أننا قررنا إنجابه !!
دوائر مفرغة
أستمع دائمًا إلى شكاوٍ مريعة من السيدات، وكيف أن أزواجهن لا يتحملون المسؤلية، ولا يكترثرون لمشاعر زوجاتهم ويعتقدون أن كل العطاء والتضحية التي تقوم بهما الزوجة حق مكتسب، وأن مجرد زواجه منها تضحية تستحق أن تبذل هي كل عزيز وغالٍ في سبيل الحفاظ عليه، فهو نعمة الله على الأرض كما زرعت بداخله أمه منذ الصغر، وكما رأيتِ من والدته في طريقة تعاملها معه ومعكِ، أن واجبك الأزلي هو تحمل صغيرها الذي ضحت بسعادتها وأعطته لكِ على الجاهز مثلما يقولون.
أطفال للأبد
قصة معتادة في عالم الأزواج أن الزوج يبحث عن أم بديلة، ولايريد شريكة للحياة ينشئ معها منزلًأ على قدم المساواة، والسبب هو أنتِ للأسف، لست أتحدث عن كيانك كأنثى وزوجة، بل أتحدث عن الأمومة المريضة التي تقع فيها السيدات عادةً.
سيناريو يتكرر عبر الأجيال بلا كلل أو انقطاع، ويصدر من المرأة المثقفة أيضًا لأنه سلوك لا علاقة له بمدى مكانتك العلمية أو ذكائك، فهو سلوك متصل بمدى وعيك النفسي ومعرفتك بحدود العلاقات بينك وبين أطفالك وحدود الحب، وقبل أي شئ معرفتك بنفسك واحتياجاتها وتلبية هذه الاحتياجات أيضًا.
شوائب اجتماعية
المرأة في المجتمعات الشرقية ظُلمت ظلمًا بين عاطفيًا، فهي تنشأ على علاقة متوترة خائفة مرتبكة بأبيها وأخيها غالبًا، ثم تبحث عن زوج وحبيب يكون لها الأب والأخ أيضًا، ثم تصاب بالصدمة عندما تجد نفسها محصورة في دور الأم البديلة للحبيب والزوج، فتحاول تعويض كل هؤلاء في طفلها المسكين، فيشب ملزمًا بإعطاء أمه كل ما يملك من العواطف، في مقابل أن يكون ملك متوج لهذا المنزل حتى ولو كان على حساب أبيه أحيانًا، مما يصيب الزوج بالغيرة من هذا الابن الذي في الغالب تحارب أمه من أجله الجميع حتى والده نفسه، وأيضًا تعسية الحظ التي ستتزوجه.
الزوج البديل
تزداد الكارثة إذا كانت الأم فقدت زوجها سواء كان توفاه الله أو انفصلا، فحينها يكون الطفل هو الزوج في اللاشعور عند الأم، وتجعله رجلها بمعنى الكلمة، ولا تكتفي بهذا، بل تضيف عليه مفهوم الرجولة المغلوط في المجتمع، الذي يصور أن الرجل لابد أن يكون قاسي القلب.
البكاء المُحرم
فعلى سبيل المثال، طفلك الذي يستمع منكِ عند أول بوادر للبكاء، الكلمة التي دمرت رجال كثيرون ألّا تبكِ يا عزيزي، الرجل لا يبكي، لن يستطيع أن يعبر عن أحزانه فيما بعد مما يستبب بإصابته بالعديد من الأمراض مستقبلًا، على رأسها مرض القلب، ثم من الذي أقر بانعدام أحقية الرجل في البكاء ؟!!!
الله الذي خلق له الغدة الدمعية كي يستخدمها لحماية صحته الجسدية والنفسية ألم يكن قادرًا على عدم خلقها إذًا؟ الصالحون في كل أثر وفي كل الديانات من الرجال سالت دموعهم عند الشدائد، لماذا لا تقدّرين أن طفلك ذو الخمسة أعوام أقصى شدائده أن يحرم من لعبة ويحق له البكاء عليها.
نكتفي بهذا القدر من المسوخ
لا أريد أن أقسو عليكي لدرايتي بمصاعب الأمومة ومشقة الحياة، لكن أناشد فيكِ روح الإيثار ألّا تساهمي في خلق المزيد من المسوخ في المجتمع، فهو بالفعل كامل العدد لا ينقصه المزيد، أعلم انكِ تفتقدين المحبة والعطف من الجنس الآخر، لكن ما ذنب هذا الصغير أن يقوم بدور الأب والزوج و الابن؟ ما ذنب الفتاة التي تريد أن تنعم بحبه يومًا ما أن تجد نفسها صورة باهتة لكِ كي تستطيع العيش معه؟
الحل في متناول اليد
لماذا تتصورين أنك دائمًا في وضع المفعول به رغم أن وضعك على قدم المساواة إذا أردتي هذا؟ التغير صعب لكن ليس مستحيلًا، باستطاعتك أن تغيري عالمك الصغير، فالمنزل الذي يغيب عنه الرجل ساعات طويلة تستطيعين إدارته كيفما شئتِ، وغالبًا يترك الزوج لزوجته مسؤولية الأطفال، فلماذا لا تستغلي هذا الوضع لصالح أطفالك ولصالح المجتمع؟ فعندما تقدمين رجلًا واحدًا صالحًا للمجتمع، سيقدم هو أسرة سوية متزنة عاطفيًا، وهكذا ستتوالى الأجيال، فلا تتعجبي من أن طفلًا واحدًا سويًا قد يحدث تغيرًا كبيرًا يمتد لأجيال.
صغيري كثير البكاء
هذا ما أرجوه من الله كلما رأيت صغيري يبكي فأضمه، وأمسح دموعه وأرى إنسانيته عبر اللآلئ التي تنساب من مقلتيه، وأرجو من الله ألّا يحرمه منها أبدًا، فهي منتفس الكرب والهم، وسبيل للحفاظ على صحته الغالية كما أرادها له الله العليم الرحيم.