ستيفن هوكينج: العالم الذي وقف في صف فلسطين

عندما تُوفِّيَ العالِم “ستيفن هوكينج” في ساعةٍ مبكّرة من يوم الأربعاء الثامن عشر من مارس عام 2018م؛ لم يأسف لذلك أحدٌ أكثر من مجتمع القضية الفلسطينية. يُذكر عالم الفيزياء النظرية بأنّه رمزٌ للتأثير العالمي الذي عارض علنًا سياسات “إسرائيل” تجاه فلسطين، وانضمّ إلى مقاطعة أكاديمية ضد تل أبيب (يافا المحتلة) في عام 2013م.

عندما يتعلق الأمر بالانتهاكات الإسرائيلية،؛ فإنّ الحكومات في جميع أنحاء العالم لم تُقدِّم سوى التشدّق، في حين تواجه عشرات الدول عقوبات الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو الأمم المتحدة بسبب تجاوزات أقلَّ بكثير، كما استغرق الأمر سنوات كثيرة حتى تناقش حكومات الاتحاد الأوروبي خطوات خجولة مثل وسم البضائع من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، كما سعت حركة المقاطعة في الجهة الأخرى لحشد تأييد المؤثّرين.

تهدفُ حركةُ المقاطعة إلى سحبِ الاستثمارات وفرضِ العقوبات التي يقودها الفلسطينيون إلى تغيير هذه الدينامية؛ فالهدف هو الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لاحترام حقوق جميع الفلسطينيين من خلال إنهاء احتلالها وحصارها للضفة الغربية وقطاع غزة، واحترام حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بعد أن استُبْعِدوا لمجرد أنهم ليسوا يهودًا؛ وإلى إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين من قِبَل حملة الهوية الإسرائيلية.

تتماشى هذه المطالب مع المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، وستكون غير ملحوظةٍ أو مثيرةٍ للجدل في أي سياق آخر، وهذا هو بالضبط سبب تنامي الدعم لها. يتذكّر المجتمع الفلسطيني “هوكينغ” باعتبارِه شخصيّة رئيسة في المقاطعة؛ والتي انضمت إليها مؤسسات بارزة مثل (اللجنة البريطانية لجامعات فلسطين)، وهي منظمة أكاديمية مقرها المملكة المتحدة والتي بدورها تدعم المقاطعة الأكاديمية للاحتلال الإسرائيلي.

رفض العالم البريطاني في ذلك العام دعوةً من الرئيس الإسرائيلي الأسبق “شيمون بيريز” لحضور مؤتمر الرئيس في القدس؛ وهو حدث أكاديمي يهدف إلى جمع الباحثين والشخصيات السياسية، ويتزامن مع احتفال عيد ميلاد الزعيم الإسرائيلي التسعين.

إعلان

بعث ستيفن هوكينغ برسالة إلى بيريز يشرح له فيها أنّ اختيارَه لعدم حضور المؤتمر جاء نتيجة “قراره المستقل في احترام المقاطعة على أساس معرفته بفلسطين، وبناءً على نصيحة إجماعية من معارفه الأكاديميين”.

بعد وفاة “هوكينغ“؛ قال الاتحاد الفلسطيني في تشيلي أنّ العالم حقق انتصارًا مهمًّا في حملة الـ “بي دي إس PDS”  للمقاطعة، وكذلك في سحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد المؤسسات الإسرائيلية بما فيها الاكاديمية. وقالت المنظمة: إنّ هوكينغ دعم حركة المقاومة السلمية الفلسطينية ودعا المجتمع الدولي إلى معاقبة “إسرائيل” بسبب احتلالها.

” كفلسطينيين؛ نُشيد بذكرى ستيفن هوكينج؛ المؤيد اللامتناهي لقضيتنا الذي رفض إلقاء محاضرات في (إسرائيل) مستنكرًا سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها”. وعلّق “رافائيل أرايا المصري” رئيس اتحاد الجاليات الفلسطينية في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على وسائل التواصل الاجتماعي “ارقد في سلام”.

كما أشارت منظمة التحرير الفلسطينية إلى العالِم باعتباره “شخصًا شجاعًا بشكلٍ استثنائي” قائلةً أنّ جميع الفلسطينيين تفاعلوا بحزن مع نبأ وفاته. “نتذكر موقفه المبدئي في تحدّي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ورفضه الظهور في مؤتمر [الرئيس] في عام 2013؛ حتى لا يكون شريكًا في دعم هذا الاحتلال الوحشي وغير القانوني”. وقالت المنظمة في بيان صحفي “سيفتقده العالم أجمع”.

كانت مقاطعةُ “هوكينج” للمؤتمرِ الذي حضره سياسيون مثل “بيل كلينتون” و “توني بلير” و “ميخائيل جورباتشوف” وفنانين مثل “باربرا سترايسند” أساسيّةً في تعريف العالم الغربي بالقضية الفلسطينية.

لم تكن المقاطعة هي المرة الوحيدة التي انضم فيها ستيفن هوكينج إلى القضية الفلسطينية. ففي عام 2009 أدانَ الراحلُ عمليةً عسكرية إسرائيلية في غزة ووصفها بأنها “غير متناسبة”.

وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة:

“إنّ الوضع مثل ذلك في جنوب أفريقيا قبل عام 1990م، ولا يمكن أن يستمر”.

حتى في العام الأخير من حياته؛ حثّ “هوكينغ” الملايين من متابعيه على “فايسبوك” على التبرّع بالمال للمساعدة في تمويل سلسلةٍ من محاضرات الفيزياء لطلاب الدراسات العليا الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وعندما أُعلِنَ عن فوزِ المعلّمةِ الفلسطينية “حنان الحروب” بـ(جائزة المعلّم العالمية) في عام 2016م؛ هنّأها “هوكينج” على فايسبوك بفيديو خاص. قال هوكينغ في الفيديو:

“من مدرّسٍ إلى آخر، أنتِ مصدرُ إلهامٍ للناس في كلِّ مكان، وأنا فخور بأن أكون زميلًا لكِ”.

حصلت “الحَروب” المتخصّصة في دعم الأطفال المصابين بصدمات نفسية من العنف المحيط بهم، على (جائزةِ المليون دولار) التي تقدّمها مؤسسة “فاركي” سنويًا إلى أكثر معلمٍ متميز.

تُوفِّيَ العالم البريطاني عن عمر يناهزُ ستة وسبعين عامًا في منزله في “كامبريدج” بإنجلترا بعد معاناةٍ بلغت خمسةً وخمسين عامًا من مرض (العصبون الحركي). واشتُهِر بدراسته للثقوب السوداء ونظرية النسبيّة، وكتب العديد من كتب العلوم الشعبوية بما في ذلك “موجز تاريخ الزمان“.

اقرأ أيضًا: ستيفن هوكينج وانتصار العقل على المادة

إنّ أحد أكثرِ الجوانب خِداعًا لما يسمى بـ”عملية السلام” هو التظاهر بأنّ الفلسطينيين والإسرائيليين طرفان متساويان؛ متساويان في المسؤولية، ومتساويان في الذنب – وبالتالي محوِ الواقعِ الوحشي المتمثّل في أنّ الفلسطينيين شعبٌ محتلٌّ ومستعمرٌ ومحرومٌ من أرضِه على يد أحد أقوى الجيوش على وجه الأرض.

وعندما ننظر إلى الوراء بعد بضعِ سنوات؛ لا يمكنُنا إلّا أن ننظرَ إلى قرار “هوكينغ” في احترام حركة المقاطعة على أنّه نقطة تحوّل- اللحظة التي أصبحت فيها مقاطعة الاحتلال موقف من أجل العدالة.

ما هو واضحٌ اليومَ هو أن تصرفاتِه أجبرت الإسرائيليين -وبقيّة العالم- على الإدراكِ بأنّ الوضع الراهن لا بُدَّ أن يُفضَح. لا يمكن لـ”إسرائيل” أن تستمرَّ في التظاهر بأنّها بلدُ الثقافةِ والتكنولوجيا والتنويرِ والديمقراطية بينما يعيشُ ملايين الفلسطينيين تحت حكمٍ وحشيٍّ من قِبَل الاحتلال، والرصاص، والجرّافات، والمستوطنين المسلّحين.

مصادر الترجمة 1، 2، 3

إعلان

فريق الإعداد

تدقيق لغوي: عبير الششتاوي

ترجمة: افنان ابو يحيى

اترك تعليقا