جذور العبادة الذكورية
بحثٌ مُبسط لتوضيـح جذور العبادة الذكورية المنسيّة، والتي أصبحت اليوم تتعرض إلى إقصاء ممُنهج لصالح تقديم العبادة الأنثويّة عليها، إلا أنَّهُ قديمًا وحديثًا العبادة الذكورية ظلّت ذات تأثير قوي في الحياة الفكريّة والروحيّة والثقافيّة لدى الشعوب، لذا لنُلقي نظرة على هذه العبادة.
مُقدِّمة عن العبادة الذكورية
في مناطق متُوزعة من العالم نجد بقايا عبادات قديمة لأحجار مُنتصبة عاليًا يرجـع وجودها لعصُور سحيقة، وهذه الأحجار المُنتصبة تُدعى (ميغاليت Megalith)، وهذه الأحجار المُنتصبة الشاهد الأول لأقدم صُوره من عبادة الذكُورة، ويقُول ميرشيا إلياذة أنّهُ من المرجح أن هذه الأحجار عُبدت كمسكن للأرواح الميتة، حيث تُقدم إليها القرابين وتُقام طقوس الرقـص من حولها (1) وهذه الالتفاتة هي محور بحثِنا.
أُطلق لاحقًا على هذه من الأحجار لدى الأغريق بـ(Hermaéan heaps) والأعمدة المُنتصبة عمُومًا كان يُطلق عليها (Herma) والتي اشتق منها اسم الإله المعروف والغامض والذي ارتبط بالمعارف السريـّة المُسمى (هرمس Hermes) والذي كان شكلهُ الأولي قبل تصويره بصوره إنسانية عبارة (رجمة كبيرة) من الأحجار، حيث كان العُرف لدى الإغريق أن كُل مسافر يرمي حجر بحيث تزيد الأحجار لتتحول إلى كومة من الأحجار، و هذا الإله بصُورتهِ الأوليـة كان إله الحدود حيث يحُدد حدود الحُرم من الحل بمعنى يحدّد الأراضي المملوكة عن الخارجـة عنها، وسنرى كيف أن هذا الإله سيصبح من إله الحدود والمُتجسد بصورة فالوسيه كعضو ذكري (Phallic) حجريـة إلى إله الحدود العقلية والنور واللوغوس لاحقًا (2).
في الهند كان النصـب العمُودي (لينغا Linga) والتي هي روح الإله (شيڤا . Šiva) والذي عبادتهُ كانت مُنتشرة في الهند البدائية، وهذا النصب العمُودي باتِّصالهِ مع الرحم الإلهي الأنثوي (Yoni) فيصُور بصُورة (لينغام . Lingam) ولينغا شيڤا المُنتصب لهُ رمز روحي، وللآن نرى في الهند عادة التمسـح به وَتقبيلهُ، حيث يُعتقد أن هذا الرمز يستجيب للدعُوات المُرتبطه بالولادة والخصب والأطفال، وأيضًا نرى هُنا أن شيڤا في الأدب الهندي إله العقل و صُور كثلاثي العيُون أي رمز لليقظة الروُحية، وكذلك هو هادم الخليقة ومُعيد خلقِها من جديد بحكمتهِ الكاملة (3) (4).
في مصـر القديمة، لدينا الإله (سيـت. Set) معناهُ (المُنتصب) و(نصُب عمودي) وظهر اسم هذا الإله في كتاب المُوتى المصري باسم (تيت. Tet) المُرتبط باسم مُشتق منهُ ألا و هُو الإله (تحُوت . Thot) والذي يعني اسمه منتصب القامة، كان سيـت قديمًا وقبل أن يتشيطن لاحقًا، كان مانحًا السُلطة والسيادة لدى السُلالة الثامن عشر والتاسع عشر، وكان الملك يشتق اسمهُ من هذا الإله أي (Set) وكان سيت رمز الحياة والقُوة، وسيت هذا أُطلق عليه لاحقًا باسم (طيفُون . Typhon) ورمزه الأفعى، والأفعى مثلت لدى القُدماء بمبدأين: خير وشر، الحية بهبُوطها تُمثل الشر، أما بانتصابها الخير وهي رمز للعضو الذكري في هبُوطه وانتصابه؛ حيث تقُول الأسطورة المصرية أن (سيت Set) هرب من مصر راكبًا حمارًا رمادي اللون وصار رمزًا للقحط المُوازي للهبوط المُضاد للانتصاب والخصب الذي صار يمثلهُ الإله الخصبي (أوزيريس . Osiris) غريمه والذي يقول عنهُ (بلوتارك) أنهُ يوضـع أي أوزيريس بكُل مكان بعضوه الذكري مكشُوفًا، والإلهة الخصبيـة الخالقة بعضوها الذكري المُنتصب سائدة في الميثولوجيا المصريـة كالإله (خيم . Khem) صاحـب القُوه المُنتجة للطبيعة والذي سيظهر لاحقًا بصُورة (آمون رع . Ammon Ra) والذي رمزه هو الآخر نصب عمودي! (5).
المُلاحظ أنّ رمز (الحية) واضـح في ديانة بني إسرائيل، ويُوجد لفتة مهُمة أنّ الحية حملت مبدأين هي الأخرى، فالحية هي من أخرجت آدم وحواء من الجنة وأسقطتهُما في العبُوديّة، وأيضًا هي التي أخرجت بني إسرائيل من عبُودية مصر، ثُم الصحراء وصُولًا لأرض الخلاص أرض كنعان، والمهُم فعلًا ارتباط رمزية موسى والأفعى، فهذا الرجل المُشرع وكليم الله وافتهُ المنية قبل دخُولِه أراضي كنعان يقُول لنا (ديدوروس . Diodorus) عندما دخـل (أنطوخيوس الرابـع) معبد آورشليم وجد في داخل قُدس الأقداس نحتًا حجريًا لموسى مصُورًا كرجُل مع لحية طويلة، مُعتليًا على حمار وحاملًا كتابًا بيديه. وهذه الصُورة جدًا قريبة لـ(سيت) الهارب من مِصر إلى الصحراء مُعتليًا حمارًا! ولذلك نرى تفضيل الغنُوصية ليسُوع على مُوسى، بل إن الغنُوصية شيطنت مُوسى وشريعتهُ لاحقًا!
ونقطة جدًا مُهمة وهُو أن (الحية) رمز ذكري واضح يُشير للانتصاب والارتخاء، الصعُود والهبُوط، الجنة والدُنيا، ولتوضيـح ذلك لنسترجِع بعض الشذرات من العهد القديم، في (تكُوين 3: 6) تقُول الحية المرأة: اللهَ يَعْرِفُ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلانِ مِنْ ثَمَرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا فَتَصِيرَانِ مِثْلَهُ، قَادِرَيْنِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ). حيث ظهر المبدآن (خير) و(شر) لاحقًا؛ يُعاقب الإله الحية بجعلِها تزحف على بطنهِا بعد أن كانت كمـا تُورد الآية أنها مُنتصبة (فَقَالَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هَذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ بَيْنَ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ، عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ، وَمِنَ التُّرَابِ تَأْكُلِينَ طَوَالَ حَيَاتِكِ، 15 وَأُثِيرُ عَدَاوَةً دَائِمَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ) بحيث صارت تسعى على بطنِها، تأكُل من التراب، عداوة بينها وبين المرأة! أي انبسطت بعدما كانت مُنتصبة، تصحرت بعدما كانت خصبيـة! أما في (العدد 21) تظهر الحية كقوة حياة والمُلاحظ أنها مرفوعة على سارية مُنتصبة! (فصَنعَ موسى حيَّةً مِنْ نُحاسٍ ورفَعَها على ساريةٍ، فكانَ أيُّ إنسانٍ لدَغَتْهُ حيَّةٌ ونظَرَ إلى الحيَّةِ النُحاسيَّةِ يَحيا).
ولنرجع قليلًا لديانة أخُرى ميثولوجيا الحية فيها تُماثل العبريـة ألا وهي في ديانة بلاد فارس الزرداشتيـة، تحكي لنا الأسطورة الزورفانيـة على لسان الأب الأرمني (Ezmik of Kolb) من القرن الخامس ميلاديًا حيث يقُول: “إن الإله (زورڤان . Zurvan) قدم أضحيـة طالبًا استجابة دعائهِ برغبته في أن يرزق ابنًا لكنهُ شك في استجابة دعائه، لذلك من الأضحية وُلد له (آهورا مازدا . Ohrmazd)، ومن الشك وُلد (آهريمان . Ahriman) وآهريمان نفسـهُ تصُور بصورة حية (Dahâka) وأغوى الذكر والأنُثى البدائيين (Meschianó) و(Meschia)، وأيضًا يُذكر بالـ(زند أڤستا . Zend Avesta) أن آهورمزدا بعدما شكل الرمز الخصبي الأول (الثور البدائي) ترقبهُ آهورا مزدا ليقُوم بتسميمهُ، وأن الأرض لدى الزرداشتية أرضان؛ نقية طاهرة تُدعى (مينوك . Menok)، والأرض الخيرة بعدما غزاها آهريمان والتي دُعيت (گيتيك . Getik) صارت مُنحلة وفاسدة لذلك الفُرس في الحالة السماوية النقية يسمّون الأرض (زام . Zam) وفي الحالة المادية المُنحلة (زاميك Zamik) والتي للآن بالفارسية الحالية تُدعى (زمين . Zamin) وهذا أقوى أساس للمثنويـة في رؤية العالم في الفلسفـة الشرقيـة والذي سيكُون له أثر قوي في الأديان اللاحقة، ونقطة فلسفية مُهمة من اللازم مُلاحظتها أن آهورا مزدا المُولود من الأضحية إله (الروح الحكيم . Wise Spirit) يُمثل النقاء والثبات، في حين آهورا مزدا المُولد من الشك (الأفعى الهابطة)، يُمثل الانحلال والفساد وهُو مُسمم الثُور الرمز الخصبي الفحُولي المشهُور في الزرداشتيـة والميثرائية ولا ننسى هُو رمز (تموز . Tamuz) إله الخصب المشهُور في بلاد مابين النهريـن. (6) (7) (8)
الديانات الإبراهيميـة
قبل العُروج للسلـف الذكُوري للديانات الإبراهيميـة، نتوقف قليلًا عند بلاد ما بين النهرين وعلى رمُوزها الإلهية، في بلاد ما بين النهريـن لم نكوّن صورة عن الشكل البدائي لعبادة الآلهة، ولكن لدينا فكرة عن صُورها كما يظهر لنا في الرُقم الطينيـة، حيث كانت الصُورة البدئية لتصوير الآلهة هو وضع تيجان أسطوانية وكذلك بيضاوية الشكل على رأس الرب المعبُود، والتي تحوي بدورِها على عدة أزواج من قرون الثيران (9). والثور رمز خصبي سومري مشهور ومجاز للفحولة الجنسيـة والسماء والتي تسكب في الأرض التي يُرمز لها بالبقرة بذرة الأبطال (10).
وتصوير رؤوسهم بشكل بيضاوي كما نرى لدى الإله ( Enki ) أو( آيا ) إشارة إلى الحكمـة والتعليم والتي كانت لدى القُدماء ترتبط بالقوة الجنسيـة، وهذا الإله آيا ارتبط مُنذ القدِم بـ (السمكة العظيمة . Cetos) والتي أسماها الكاهن البابلي (بيروسـوس . Berossos) بـ(Oannes) والذي يُعتقد أنه منه جاء اسم النبي (يُونس) أو كما ذكُر في العهد القديم باسم (يونان . Jonah) والذي يعني (حمامة) وهُو طائر يظهر بالتصاوير السُومرية مُقترنًا بـالإله آيا؛ بالإضافة إلى أن الشكل البيضـاوي المُحدد أصبح في المسيحيـة يُمثِل الـ(Mandorla) التي هي (نار الروح) والتي تُوضح في الأيقونات المسيحية ويُرسم بداخِلها المسيـح أو أمه العذراء مريم، ويُطلق عليها أيضًا بـ(aureale) هالة التمجيـد الإلهي، وكانت في العصور الوسطى لا تقتصر على أنها أيقونات، لكن في باطنها قُوة إلهية تحث الإنسان على التبصُر المُتسامي (Omni voyant)، وهذه الهالة وُجدت بالأڤستا لدى الزرداشت باسم (Xvarnah) وبالفارسيـة الوسيطة (خُره . Khurrah) أو (فره . Farrah) وهي هالة المجد التي تُرسم على الأمُراء والأباطرة والأنبياء الفُرس وكانت بالأصل قـوة كونية فاعلة منذ بداية تكون العالم، وستتجلى في نهاية العالم عند ظهُور المُخلّص الزرداشتي (Saoshyants)، وهذه الهالة دخلت في الأيقونات الشيعية كهالة مجد للأئمة الاثني عشر (11) (12) (13) (14) ومن المُلاحظ أن السمكة من الرمُوز القديمة التي ظهرت في العهـد الجديد وكذلك من الرمُوز القديمة للرب المُخلِّص!
ورجُوعًا للإله آيا الذي كان يُعتبر إله المُحيطات العذبه (ابسو . Apsu) والحياة وحامل أسرار الـ(Meh) أصل الحضارة والمعارف السرية، بالأصل إله خصبي، فالماء المسؤول عنه هذا الإله ما هُو إلا رمز للمني الإلهي، فهذا الإله الذي صُور بشكل سمكة، خصب النهرين الفرات ودجلة بمنيـه الإلهي والسمكة (Cetos) مجاز عن الفحولة الجنسية التي ترتبط بالتخصيب والمعارف الإلهية، وهذا الإله دُعي بعدة أسماء منها: (بعل شفتي) السيد الشافي و(نو ديم مود) أي المُختص بمهارة الخلق و(ابگالو ايلي) ابگالو الآلهة، أي الحُكماء السبع أساس الحضارة والمعارِف وقابل الكاهن البابلي الإله (آيا) بالإله الإغريقي (كورنـوس) زُحل والذي يُطابق الإله الزُحلي العبراني والفارسي (كيوان . Kiyyun) المذكُور في (عاموس 5: 26) والذي كان يُقدم كنصب عمُودي والذي كان الرمز الأولى لبيت آيل لدى العبرانيين، واسم (كيُوان) مُرتبط بالجذر (كُن . Kun) بمعنى أقام ومن هذه النقطة سندخل بديانة أسلاف بني إسرائيل.
السلـف الأول أب الجمهُور (أبراهيم) أو (أبرام) يظهر في سفر التكوين الإصحاح الحادي عشر كنازح من منطقة (اور . Ur) الكلدانيين، من الفرات الأعلى ويظهر إبراهيم كمُنشق عن ديانة موطنهِ، وبعيدًا إذا كانت شخصية إبراهيم تاريخية جغرافية أم لم تكُن، إلا أنه يمثل صورة (السلف العظيم . Great Progenitor) لديانة اليهود والمسيح والمُسلمين، حيث يظهر لنا إبراهيم في العهد القديم أنه مؤسس لمذابح متفرقة في المناطق التي أقام فيها وكذلك كزارع لبساتين في مناطق مُتفرقة، والأهم أن إبراهيم أسس لـ(عهد الختان) عهد دموي أقيم بينه وبين الرب، عهد الختان هذا يُدعى بالعبرية (بريت ميلاه) حيث الختان بالعبرية (ميلاه . Milah) وهي مُشتقة من لفظة (مال) أي قطع وطهر، ويطلق اليهود على عهد الختان (آثر إبراهيم أبينا) و (ميلاه) أي الختان لها معنى آخر وهو ( الصعُود ) كمـا ذكر في (تثنية 12): “من يصعد miyaleh لأجلنا إلى السماء”. بذلك صار الختان بوابة للصعود العمودي، ويعتقد اليهود أن الختان ينصهر ويكتمل فيه اسم (آيل شداي)، حيث حرف (يود . Yod) يظهر بالعضُو التناسلي الذكري، حيث بدون هذا الحرف (يود) الذي يظهر عند الختان، يُصبح العضو التناسلي شيطاني، ويذكر لنا المؤرخ السوري (فيلون الجبيلي) عن أسطورة الختان بأنهُ عندما تفشّى الطاعون والأوبئة رفع كورنوس ابنه إلى السماء آورانوس، فقام بختانه لأجل الخصب وانقضاء الأوبئة. (15) (16) (17)
ونرى أن علامة القسم ترتبط بالعضُو الذكري في العهد القديم كما في ( تكُوين 24 : 2 ) (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِرَئِيسِ عَبِيدِهِ، الْمُتَوَلِّي جَمِيعَ شُؤُونِ بَيْتِهِ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي ) أي وضـع اليد تحت الفخد على علامة الختان رمز العهد، ومع المؤسس الثالث يعقُوب تتجلى عبادة بني إسرائيل بشكل أكثر تحديدًا وللنظر أولًا للآية التي صارع فيها يعقُوب الرب في الأصحاح (32 ) (وَبَقِيَ وَحْدَهُ، صَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. 25 وَعِنْدَمَا رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَتَغَلَّبْ عَلَى يَعْقُوبَ، ضَرَبَهُ عَلَى حُقِّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ مِفْصَلُ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26 وَقَالَ لَهُ: «أَطْلِقْنِي، فَقَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَأَجَابَهُ يَعْقُوبُ: «لاَ أُطْلِقُكَ حَتَّى تُبَارِكَنِي) حيث باركهُ وأسماهُ إسرائيل (أمير الإله آيل)، ورمزية (الفخذ) جدًا لها ارتباط بالفحُولة الذكُورية، حيث الفخذ هُو الجزء من الأضُحية الذي يُقدم للإلهة، ويُذكر أن بعد أنتهاء التلقين السري للفيلسُوف الإغريقي (ڤيثاغور) عرض (الفخذ الذهبي) كمرحلة السر الأخير من طقُوس تلقينهُ، والإله الخصبي والذكُوري (باخوس . Bacchus) وُلد من فخذ أبيه زيوس / جوبتير، وأيضًا في ملحمة گلگامش عندما أهان البطل گلگامش الإلهة عشتار أنزلت عليه (ثور سمُاوي) رمز الخصب والفحُولة السماوية ومُولد الأبطال والذي قتلهُ گلگامش وصاحبهُ انكيدو، فرمى فخذ الثور السمُاوي بوجه عشتار وهددها بذبحها كذبح الثُور، فجمعت عشتار البغايا والمُخصيين وأقامت البواكي على فخذ الثُور السماوي، وهذه القصة أساس بحث گلگامش وتزهدهُ وفقدانهُ للخلود (18)، وينتهي البطل من رجل بطل مغوار إلى بطل تراجيدي، بذلك هُو بوجه من الوجوه يُشابه (مُوسى) الذي لم يدخل أرض كنعان أرض الميعاد!.
ومن سمات الرب لدى الآباء العبرانين الأوائل أنهُ يظهر في الليل وقبل ولوج الفجر كما في صراعهُ مع يعقُوب، بالإضافة والأهم أنهُ ناري حيث يُذكر ظهروهُ لإبراهيم في ( تكوين 15: 17) (وَعِنْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَخَيَّمَ الظَّلاَمُ (ظَهَرَ) تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِشْعَلُ نَارٍ يَجْتَازُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَع) وكذلك في ظهُورهِ ليعقوب ( تكوين 28 : 10 _15 ) ( فَصَادَفَ مَوْضِعاً قَضَى فِيهِ لَيْلَتَهُ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَت، فَأَخَذَ بَعْضَ حِجَارَةِ الْمَوْضِعِ وَتَوَسَّدَهَا وَبَاتَ هُنَاكَ). حيث يُذكر باقي الأصحاح أنهُ من الحجارة المتُوسد عليها رأى سُلم يعتليِه الرب إله إبراهيم كما عرف نفسِه حيث بشرهُ بالنسل المُبارك ؛ و بعد استيقاظِه أقام الحجر (عمُودياً) وصب زيت على رأسهِ ودعا اسم ذلك المكان ( بيت آيل . Betylus ) وهذه الحجارة التي يُشار إليها أحجار سوداء كان مُتعارف عليها حتى لدى الأغريق حيث يُعتقد بأنهُ يسكنهـا روح يطلق صفير والذي كان يُستعمل كنبؤة لدى السحرة القُدماء، أما الرب (ايل . El) يُسمى في الوثائق الأوغاريتيه بالقوي، الثُور، أب الإلهة والبشر ، مُقدس، حكيم، ويظهر تكُوين أصحاح (14) أن ( ملكي صادق ) كاهن ( ايل عليُون . El Elyon ) بارك اسمهُ إبراهيم، وصادق ( Sydyk ) تعني ( مُستقيم ) من الاستقامة وكلمة قُوي الموصوفة للإله يستعملها العبرانيُون تحت لقب ( كبير . Kabbir ) والـ ( كابيري . Cabeir ) اسم إلهه باطنية ترتبط بالعبادات السُرية انتشرت بشرق المتُوسط وكان يُطلق عليهُم أسياد الأفران وعُظماء النار (19) (20) (21).
ومن مظاهر العهد الذي صنعها يعقُوب هي الرُجمة، كما ذُكر تكوين الأصحاح ( 31 ) وكانت الرجمه التي صنعها يعقُوب كـ ( Herma ) رجمة الحدود لدى الإغريق والتي تحد ممتلكاتهُ عن ممُتلكات ( لابان الآرامي ) وأسمى الرُجمة العمودية ( يجر سهدوثا ) أي ( رُجمة الشهاده ) كذلك أسماها ( مُصفاة ) أي مُراقبة حيث كانت مُوضع مراقبة الرب، حيث في مرحلة يعقُوب ارتبط الرب كروُح حيوية ساكنه في الحجارة العمُودية، وهذه العبادة هي العبادة البدئية كما سنرى لدى العرب.
العرب
يذكُر لنا ابن إسحق أن أول ما كانت عبادة الحجارة في بني إسماعيل، أنهُ كُلما التمس أحدهُم الفسح في البلاد، إلا وحمل معهُ حجرًا من حجارة الحرم، حيثُما نزلوا موضع وضعوا الحجارة و طافوا حولها، حتى خُلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل عبادة الأوثان، وكذلك يُذكر الكلبي في كتابِه الأصنام بأن أصل تعدد الأرباب تعدد الحجارة التي جاءت من موضع الحرم المكي إلى المُواضع التي حلوا فيها والتي مع الأجيال انسلخ معناها الروحُي (22) (23).
والبيت الحرام الذي رفع قواعدهُ إبراهيم، تذكُر لنا الصُورة الميثولوجية أنهُ تطوقت بباطن البيت الحرام السكينه كـ(الحية) وقالت لإبراهيم: (ابني عليّ يا إبراهيم) والصُورة الأولية التي تُذكر للكعبة أنها كانت خيمة من ياقوت حمراء، وفي داخل الخيمة نور يلتهب، وكانت الخيمة موضع عُزلة آدم وهذا المُوضع حُرم لا يدخلهُ لا الشياطين ولا حُواء، حيث عند الخيمة كُله حُرم وخارجهُ حِل، بعد مُوت آدم استبدل أبناؤهُ خيمتهُ المُلتهبة بالنار بحجارة من طين، وكما ذكرنا أصبح موضع الكعبة يبُطن بداخلهِ لاحقًا حية مُلتفة (24)، وكُلها رمُوز ذكُورية خصبية مُشابهة لديانة بني إسرائيل!
وكانت أول الأصنام التي نُصبت في جوف الكعبة هُو (هُبل) والذي استقدمهُ عمرو بن لحُي من الشام إلى مكة من أرض مآب، حيث كان يسكُن بها العماليق وكان هُبل كما يذكُرون صنم استمطار واستنصار بذلك كان رب خصبي وحربي، ويُذكر أنه بصٌوره إنسان من عقيق (أحمر) مكسُور اليد اليُمنى والتي أدركتهُ قريش فجعلوا لهُ يد من ذهب وقدامهُ (سبعة أقداح) (25) (26).
بذلك بحسب ما يذكرهُ القصاصُون أن موضع الكعبة ارتبط بالخيمة التي تحُوي لهب النار، ثم رمزهُ الحجارة بالطين والحية كذلك، ولاحقًا كان هُبل هُو الصورة الإنسانية لهذا الرب الخصبي والمُحارب وعند تتبُعها ستجد فيها رموز مُشتركة بينها وبين ديانة بني إسرائيل.
الخاتمة
كان القُدماء ينظروُن للعالم أنهُ مكون من نتاج قوتين: ذكُورية (Musculine) وأنثوية (Feminine) والتي كانت مُنظمة للعالم أجمع وللإنسان وأساطيرهُ وفلسفتهُ وكانت قوة الذكُورة (فاعلة . Active) وقوة الأنوثة (منفعِلة. Passive)، والأنوثة ترتبط بالقُوة السُفلى واللامحدودية، في حين الذكُورة ارتبطت بالقُوة العلوية والمُحدودية والعقلية، حيث يقُول لنا (Plutarch) أن السماء مثلت للإنسان لتؤدي مهام الأب، أما الأرض مهام تلك التي للأُم، حيث السماء كانت الأب لكونهُ يصب البذرة بأحضان الأرض الأم والتي تجعلها تثمُر وتتولد (27) وكان ڤيثاغور يقُسم كُل شيء إلى فردي وزوجي، حيث (الفردي) يُمثل الجانب الأيمن، المحُدود ، الذكُوري، الراحة، الاستقامة، النُور، أما (الزوجي) يُمثل اليسار وهُو اللامحدد، معُوج، أنثوي، شيطاني؛ حيث لدى القُدماء اللاتحديد شر كونهُ يوازي اللاوجود، أما التحديد خير يوازي الوجود ومن هُنا جاءت فكرة (العقل . Nous) الذي طابقهُ أفلاطُون بمبدأ الخير (agathon)، وكذلك قبلهُ (بارميندس) الذي قسم طبيعة العالم إلى صفات (إيجابية) وَ(سلبية) والأول يُطابق النور والثاني يُطابق الظلام، والأول يُطابق الذكُورة، الفاعلية، النارية، الحارة، الرِقة، أما الثانية الأنوثة، الانفعالية، الظُلامية، الأرضية، البروُدة ، الثقِل، وقال أن الأولى وجُود والثانية اللاوجود (28) (29) وهذا أساس التفكيـر المُجرد كمُفاضله على استخدام الحُواس في المعرِفة.
قد يعجبك أيضًا: معتقـد الغنوصيـين في صلب المسيـح
المراجع: 1) تاريخ المُعتقدات والأفكار الدينية. ميرشيا الياذة. 2) Phallism in Ancient Worships . Hodder M. Westropp 3) مصدر رقم (2) 4) The Encycbpedia of Sacred Sexuality 5) مصدر رقم (2) 6) " " (2) 7) مصدر رقم (1) 8 ) Spirtual Body and Celestical Earth , From Mazdan Iran to Shia't Iran . Henry Corbin 9) الحياة اليومية في بلاد بابل و آشور . جورج كونتينو 10) ديوان الأساطير، الكتاب الأول . قاسم الشواف 11) شعار سومر. محمود أمين 12) مصدر رقم (4) 13) الفُرس، إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة. هوما كوتازيان 14) مصدر رقم (8) 15) الرموز الدينية اليهودية. رشاد عبدالله الشامي 16) الفرق والمواهب اليهودية مُنذ البدايات. عبدالمجيد همو. 17) Numbers W. Wynnwestcott 13) ملحمة گلگامش . طه باقر 19) الفلكلور في العهد القديم . جيمس فريزر 20) The Forge and Crucible . Mircea Eliade 21) مصدر رقم (1) 22) السيرة النبوية. أبي محمد عبدالملك بن هشام 23) كتاب الأصنام. أبي مُنذر هشام الكلبي 24) أخبار مكة. أبو وليد محمد الأزرقي 25) مصدر رقم (22) 26) مصدر رقم (23) 27) مصدر رقم (2) 28) The Mystery of Numbers . Annemarie Schimmel 29) الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي. فريدريك نيتشه.