انحراف سياسات التحفيز: تأثير الكوبرا وتأثير سترايسند
لعلّ معظمنا لا زال يذكر مندهشًا انتشار الهيروين والبانجو بعد الحملة الأخيرة الناجحة للقضاء على الحشيش في مصر، وحالات الغشّ في التقارير المالية التي قدّمها مدراء الشركات إبّان الأزمة المالية العالمية للحصول على مكفاءات مالية ارتبط الحصول عليها بارتفاع الأرباح (دون الاهتمام بزيادة حجم المخاطر). ويأتي هذا ضمن الظواهر أو النتائج غير المقصودة التي قد تترتّب على تطبيق سياسات بدت رائعة أوان تنفيذها، والتي يطلق عليها أسماء ومصطلحات عديدة أكثرها شعبية هي تأثير الكوبرا وتأثير سترايسند.
تأثير الكوبـرا
نقصد بتأثير الكوبرا cobra effect تلك العواقب غير المقصودة التي قد تنجم عن تبني حلولًا وسياسات واستراتيجيات غير مدروسة تؤدي، بعد نجاح مبدئي، إلى تفاقم المشكلة. ويعود مصدر هذا المصطلح إلى مدينة دلهي إبان فترة الاحتلال البريطاني للهند حيث زادت أعداد ثعابين الكوبرا بشكل كبير ، فعرض الحاكم البريطاني مكافأة لكل من يأتي بثعبان كوبرا ميت.
حقق هذا الحافز نجاحًا باهرًا في البداية، وتمّ قتل أعداد كبيرة من الثعابين إلى أن قرّر مجموعة من الناس (محترفو الاستغلال أو مافيا المواقف) إقامة مزارع خاصة لتربية الثعابين ثم قتلها ومن ثم الحصول على المكافأة. عندما أدرك الحاكم ذلك، ألغى برنامج الحوافز، فأصبحت الثعابين غير ذات قيمة بالنسبة للمربّين فأطلقوها في شوارع المدينة. ونتيجة لذلك تزايدت أعداد الكوبرا في نيودلهي اكثر من ذي قبل وتفاقمت المشكلة، وذلك في تطبيق جلي لفكرة تأثير الكوبرا.
تأثير الكوبرا في السياسات المصرية
هذا ما حدث بالضبط في تجارة القمح في مصر عندما استغلّ مافيا القمح الفارق بين سعر القمح المستورد الأرخص بنحو ١٠٠٠ جنيه عن المحلي، وسعر توريد القمح المحلي المرتفع الذي وضعته الدولة لتشجيع الفلاح المصري، وتم توريد القمح المستورد إلى الحكومة على أنه محلي للفوز بالفارق السعري. وبدلًا من تشجيع زراعة القمح والمنتج المحلي، زاد الاستيراد وأصبحت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
و هذا أيضًا ما حدث في الكثير من السياسات التي اتبعتها الدولة المصرية لعلاج مشاكلها، فقد وضعت الدولة نظاما للتعليم المجاني – بوصفه حقًّا من حقوق الإنسان – لولاه ما التحق جيلنا بالجامعات، ثم أهملته، وانتهى به المطاف إلى إفساد التعليم وليس توفيره. ووضعت قانونًا للإيجارات لحماية المستأجر وأولاده، فانتهى به المطاف إلى خلق أزمة إسكان رهيبة وظهور العشوائيات، وذلك في مثال صارخ على تأثير الكوبرا.
تأثير سترايسند
نلاحظ هذا الوضع أيضًا في سياسات حجب أفكار أو كتب أو برامج التي قد تلجأ لها السلطات من فترة إلى الأخرى، حيث يؤدي حجب كتاب أو فكرة إلى مزيد من الدعاية لها، وإثارة فضول الناس في البحث عن هذه المعلومة، والتي لولا إثارتها في الإعلام لمرّت دون أن يلاحظها أحد. ويطلق على هذا النوع من التأثير الإعلامي تأثير سترايساند، وهو حالة خاصة من تأثير الكوبرا.
وتأثير سترايسند (Streisand effect) هو ظاهرة شائعة على الإنترنت تحدث عند فشل محاولة فرض رقابة لإخفاء بعض المعلومات، فتتسبب في نتيجة معاكسة لهدف المنع، وذلك بإثارة الإعلام للموضوع، الذي يزيد من اهتمام الناس بالقضية، مما يساهم في انتشارها بشكل أكبر بكثير مما لو لم يحاول الطرف المانع من التستر أو الاحتجاج على نشرها أصلاً.
ويعود هذا المصطلح لحادثة وقعت في 2003 مع الممثلة باربرا سترايسند، التي نددت بالمصور كينيث أدلمان وموقعه pictopia.com، واشتكته بغرامة مقدارها 50 مليون دولار أمريكي، مطالبةً بسحب صورة جوية لمنزلها من إعلانات لساحل كاليفورنيا، مدعيةً حقها في الخصوصية، وكسبت سترايسند القضية لإزالة صور بيتها من الموقع. وبرّر المصور أدلمان عمله بأنه يقوم بتوثيق الممتلكات التي تتعرض للتآكل على شاطئ ساحل كاليفورنيا. ونشرت صحيفة سان خوسيه ميركوري نيوز بعد فترة قصيرة أنّ تلك الصور أصبحت ذات شعبية كبيرة على شبكة الإنترنت.
وبهذا الفعل جعلت باربرا سترايسند من معلومات لا تتمتع بأي ملحوظية، حيث كان عدد الداخلين إلى موقع صورتها 6 زوار فقط، معلومات تتمتع بتغطية إعلامية ضخمة بعد انتشار خبر القضية، عندما ارتفع عدد الذين دخلوا إلى الموقع ليشاهدوا منزل ستاريسند من 6 إلى 420000 خلال شهر واحد.
الرسوم المسيئة للرسول
و من أشهر الأمثلة على تأثير سترايساند هذا كان الرسوم المسيئة للنبي محمد التي نشرتها صحيفة دنماركية مجهولة، والتي لولا الاحتجاجات والمظاهرات ضدّها ما شاهدنا مثل هذا الحجم من الانتشار.