اليهود الإثيوبيون: مواطنون إسرائيليون من الدرجة الثانية؟

القصة الكاملة

انطلاقًا من مساعي تحقيق الحلم الصهيوني في تشكيل ملاذ لليهود، شرع الكيان الصهيوني في حملات إنقاذ محفوفة بالمخاطر وباهظة الثمن. في الثمانينيات والتسعينيات جلبت عشرات الآلاف من يهود إثيوبيا قاطني المناطق النائية الذين عانوا من الاضطهاد الديني والمجاعات والحروب الأهلية.

ومع ذلك، عندما وصلوا إلى أراضي فلسطين المحتلة، واجه الإثيوبيون تمييزًا مروّعًا وعنصريًا وانعدامًا في التعاطف مع معاناتهم في إثيوبيا،وأثناء رحلتهم للوصول وتفاقم ذلك بسبب مزيج من البيروقراطية وعدم الاكتراث والعجز؛ ظهر في حالات عنف غير معتاد لقمع مظاهرات أفراد المجتمع الإثيوبي في الكيان الصهيوني، كنتيجة منطقية لسنوات من الفشل المتراكم من قبل الكيان وخاصة الشرطة.

يهود إثيوبيا

يتمثل التحدي الرئيسي في تتبع أصول الوجود اليهودي في إثيوبيا في عدم وجود مصادر موثوقة، وبالتالي، هناك العديد من الأقوال المتعلقة بأصول اليهود الإثيوبيين، أو كما هو معروف تاريخيًا ب “بيتا إسرائيل” (بيت إسرائيل). وتزعم إحدى المدارس الفكرية أن اليهود الإثيوبيين هم أحفاد قبيلة دان العبرية المفقودة. في حين أنه  يوجد تفسير بديل يؤكد أن مجتمع (بيتا إسرائيل) قد يكون من أحفاد الحاشية التي رافقت مينليك الأول – أول إمبراطور يهودي في إثيوبيا/ الحبشة سابقا- ابن الملك سليمان والملكة بلقيس ملكة سبأ.

كما يجادل قادة من داخل المجتمع بأن اليهود الإثيوبيين هم من نسل اليهود الذين غادروا مملكة يهوذا المهزومة إلى مصر بعد تدمير المعبد الأول عام 586 قبل الميلاد. ومع أن اليهود الإثيوبيون كانوا معزولين تمامًا عن المجتمعات اليهودية في أجزاء أخرى من العالم لقرون حتى القرن العشرين؛ إلا أنهم التزموا باليهودية التوراتية بشكل محافظ.

قد يعجبك:الصهيونية .. بين المسيحيّين اليمينيّين واليهود المتحرّرين

إعلان

استقبال يهود إثيوبيا

كان رئيس الوزراء مناحيم بيغن، بعد وصوله إلى السلطة عام 1977، أول من أعلن استقبال اليهود الإثيوبيين؛ رداً على التهديدات التي واجهتم من المجاعات والاضطرابات السياسية وعداء النظام الماركسي اللينيني المعلن ذاتيا بقيادة العقيد الإثيوبي (منغستو هايلي مريم)

في البداية، نظّم جهاز المخابرات الإسرائيلي –الموساد- هجرتهم عبر مخيمات اللاجئين في السودان ليصل بهذه الطريقة حوالي 7000 يهودي إثيوبي إلى الداخل. لكن في السنوات اللاحقة، شرعت أجهزة الأمن الإسرائيلية في عمليات أكثر جرأة، أطلق عليها اسم عملية موسى (1984-1985) وعملية سليمان (1991)، التي شملت 20000 يهودي آخر. ومع نهاية نظام منغيستو، أصبح من السهل على اليهود الهجرة من إثيوبيا، إذ وصل حوالي 90000 شخص من مجتمع بيتا إسرائيل بحلول نهاية التسعينيات.

الأسباب الجذرية للتوتر

بعد مرور 30 ​​عامًا فقط على وصول أول اليهود الإثيوبيين إلى فلسطين المحتلة، وبعد المواجهات العنيفة الأخيرة مع الشرطة، برز اعتراف واسع النطاق بأن الكيان فشل بشكل مروع في استيعاب المجتمع الإثيوبي اليهودي بدءًا من الافتقار إلى التعاطف بين أفراد المجتمع الإسرائيلي مع الإثيوبيين الذين تركوا منازلهم وأقاربهم وأصدقائهم غير القادرين على القيام بهذه الرحلة، وواجهوا أيضًا مصاعب فقدان أفراد الأسرة والأصدقاء في هذه الرحلة الخطرة، ليُصدم الإثيوبيين بالحقيقة المرة والتي تتمثل في التناقضات الإسرائيلية المتأصلة في استيعاب المهاجرين اليهود. ومع أنهم مُنحوا الاحتياجات الأساسية للسكن والرعاية الصحية والتعليم والرعاية العامة فور وصولهم، إلا أنهم عومِلوا بدون حساسية لظروفهم الصعبة وواجهوا التمييز والعنصرية من المؤسسة الإسرائيلية منذ البداية لدرجة أن الكثيرين في المؤسسة الدينية تجرؤوا على التشكيك في يهوديتهم.

نرشح لك: كيف انبثقت الصهيونية من منظومة الغرب الاستعمارية؟

تاريخ زاخر بالتمييز العنصري

واحد من الأمثلة في تسعينيات القرن الماضي كشف فضيحة بنك الدم الوطني الإسرائيلي، الذي كان يتخلص بشكل منتظم من الدم الذي تبرع به الإثيوبيون الإسرائيليون تشكيكًا لإصابته بفيروس نقص المناعة البشرية. وهذا يبعث برسالة استبعاد وعزل عن بقية المجتمع الإسرائيلي تؤدي للفشل في استيعاب اليهود الإثيوبيين ودمجهم بشكل كامل وبالأحرى صادق ضمن المجتمع الإسرائيلي.

في حادثة أخرى، يدرس معظم الطلبة الإثيوبيين في مدارس للإثيوبيين فقط رغم أن تلاميذ المدارس الإسرائيلية الإثيوبيين لا يمثلون سوى 2٪ من التلاميذ الإسرائيليين. والأسوأ من ذلك، أن تحصيلهم في المدرسة أسوأ بكثير من عموم السكان، مما يعوق طريقهم إلى النجاح الأكاديمي ويعزلهم في محيط يعاني بالفعل من البطالة والموارد العامة الشحيحة الذي عززها خبرات الإثيوبيون المتواضعة وقدومهم من اقتصاد الكفاف وعدم استعدادهم للعمل في بلد صناعي على عكس المهاجرين الروس مثلًا القادمين بمهارات وظيفية.

ويعاني اليهود الإثيوبيون من أعلى معدل فقر بين اليهود في الكيان الصهيوني، ومن مستويات أعلى بكثير من ملاحقة الشرطة والتوقيف والسجن، وهذه الدائرة من التمييز والعنصرية والفقر واليأس وارتفاع مستويات انتهاك القانون؛ هي التي أدت إلى الاشتباكات المختلفة في شوارع المدن المحتلة بين الإثيوبيين الإسرائيليين والشرطة.

يقول أفرات يرداي – طالب الدكتوراه وعضو مجلس إدارة الجمعية الإسرائيلية لليهود الإثيوبيين-  لـ DW: “من الصعب التحدث عن المجتمع [ككل] لأنه متنوع للغاية، هناك أشخاص جاؤوا قبل عامين أو قبل عام، وهناك أشخاص جاؤوا قبل 50 عامًا. هناك طبقة متوسطة وطبقة أدنى، وهناك أشخاص لا يتحدثون العبرية على الإطلاق على خلاف متحدثي العبرية بطلاقة، لذا فإن التجارب مختلفة

كما يمكن العثور على أمثلة للتمييز في العديد من مجالات الحياة، وحتى أثناء عملية الهجرة، تمت معاملة اليهود الإثيوبيون بشكل مختلف عن غيرهم من اليهود الذين أتوا إلى “اسرائيل”، كان عليهم أن يقضوا المزيد من الوقت في مراكز الاستيعاب مثل أماكن المعيشة المؤقتة حيث يحصل المهاجرون على دروس مكثفة باللغة العبرية ويمكنهم الاستقرار فقط في مناطق معينة بعد ذلك، مثل الكثير من يهود الدول العربية. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم على هذا الصعيد إلا أنه غير كافٍ” مشيرًا إلى تقرير نشرته وزارة العدل في عام 2016 والذي قدم دليلًا على وجود تمييز مؤسسي.

استكمالًا لفكرة يرداي، يذكر تقرير إسرائيلي أن 75٪ من الإثيوبيين غير قادرين على الكتابة بالعبرية، ونصفهم تقريباً لا يستطيعون إجراء محادثة بسيطة في اللغة. ويشير إلى أن معدل البطالة بين الجالية الإثيوبية في إسرائيل يبلغ ثلاثة أضعاف المعدل الوطني على الأقل إلى جنب الفجوة الثقافية بين الإثيوبيين والإسرائيليين الآخرين التي لا تزال واسعة، وما زال استجوابهم من قبل السلطات الدينية مستمرًا.

وذكر التقرير أن أكثر من 1000 أسرة من اللواتي تم ضمهم لمراكز الاستقبال فور وصولهم لا زالوا يعيشون فيها، وأن 45٪ من الآباء لا يستطيعون دفع تكاليف تعليم أطفالهم، لكن يظل الجيش هو أحد مجالات الحياة حيث كان لليهود الإثيوبيين تأثير إيجابي، إذ أن غالبهم تقريبًا ينخرطون بالخدمة الوطنية وأكثر من 50 إثيوبيًا تم تعيينهم كضباط ، حسبما ذكر التقرير.

وأظهرت دراسة حديثة أن 53% من أرباب العمل يفضلون عدم توظيف الإثيوبيين، الذين لا يزالون أفضل حالاً من العرب الذي يواجهون معدل رفض مقدراه 83%. ووجدت الدراسة أيضا أن 70% من أرباب العمل لا يميلون إلى ترقية الإثيوبيين. كما أفادت جمعية الحقوق المدنية الإسرائيلية أن معدلات التوظيف في المجتمع الإثيوبي كانت أقل بنسبة 10% عنها في بقية السكان في العام الماضي.

تشير الأرقام الرسمية إلى أن 36% فقط من الطلاب ذوي الأصول الإثيوبية أتموا مرحلة الدراسة الثانوية لعام 2008 ، مقارنة بـ 55% لإسرائيليين آخرين. وفي سبتمبر 2009، تسببت المدارس الأرثوذكسية المتطرفة بالقرب من تل أبيب في ضجة عامة عندما رفضوا قبول أطفال من أصل إثيوبي رغم أنهم قبلوا في النهاية بعض المتقدمين.

كما دارت نزاعات كثيرة وطويلة حول هجرة يهود الفلاشا كان سببها الرئيسي عدم اعتراف الحاخامية الكبرى على أنهم يهود بالكامل، إلى جانب اعتناق أجدادهم المسيحية رغمًا عنهم في إثيوبيا، ولكن اليوم يعيش أحفادهم وفقًا للعادات الدينية اليهودية.

مظاهرات 2015

في عام 2015، خرج اليهود الإثيوبيون إلى الشوارع عدة مرات مطالبين بالمساواة أمام القانون الإسرائيلي ووقعت احتجاجات ضد التمييز العنصري، وبالتحديد في منتصف الأعياد اليهودية في سبتمبر، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستسمح لـ 1000 يهودي إثيوبي إضافي من يهود الفلاشا بالهجرة إلى الأراضي المحتلة. وقد لاقت المبادرة ترحيبًا من الكثيرون كبادرة حسن نية وانتقادًا من آخرون نظرًا للتنفيذ البطيء للخطط الحالية. يقول أفراهام نيغويزي، عضو إثيوبي في الكنيست، إنه هذه الخطوات مهمة في الاتجاه الصحيح لكنها لا تزال غير كافية…إنها مأساة يهودية إنسانية، نريد أن يتم إحضار الجميع إلى هنا من أجل لم شملهم بعائلاتهم”.

ينظر البعض إلى قرار منح الحكومة الإسرائيلية حوالي 9000 يهودي إثيوبي دخولًا خلال فترة خمس سنوات بعد 2015 باعتباره تنازلاً سياسياً، بعد أن خرج اليهود الإثيوبيون إلى الشوارع في ربيع عام 2015 للاحتجاج على وحشية الشرطة والتمييز ومعاملتهم في المجتمع كأقلية. واندلع الاحتجاج إثر نشر مقطع فيديو تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي أظهر جنديًا إسرائيليًا-إثيوبيًا يرتدي زياً عسكريا تعرض للضرب على أيدي اثنين من رجال الشرطة البيض. وانتقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشدة هذه الحادثة قائلًا في ذلك الوقت: “من واجبنا محاربة العنصرية والتمييز بأي طريقة ممكنة”، وتم تشكيل لجنة وزارية خاصة في وقت لاحق لمعالجة مخاوف المجتمع الإثيوبي.

وقال آفي يالو الذي شارك في المظاهرات ويعمل في منظمة غير حكومية تدافع عن المساواة لليهود الإثيوبيين لـDW: “إن امتلاك بشرة داكنة وكونك يهوديًا، هذا أمر غير مقبول بالنسبة لبعض الناس” . هناك العديد من المشاكل الأخرى تشمل وجود شباب أثيوبيين لا يزالون يحصلون على رواتب أقل على الرغم من حصولهم على درجة علمية ومؤهلات مماثلة”. وقد سمع الجميع قصصًا عن الشباب الذين أوقفتهم الشرطة لفحص بطاقات الهوية بشكل عشوائي لمجرد اختلاف لون بشرتهم. ويضيف يالو الذي جاء بعمر السادسة مع عائلته في عام 1991 من خلال عملية سليمان: “هناك وحدة لمحاربة العنصرية، ولكن على أرض الواقع، فعليًا لم يتغير شيء بعد، هذه الأشياء لا تتغير من يوم إلى آخر” وأكد الشاب أنه لا يزال غير متأكدًا فيما إذا كان سيشعر بالقبول الكامل في المجتمع الإسرائيلي على الرغم من ذهابه إلى مدارسه وانضمامه إلى جيشه وشعوره بالانتماء تجاهه.

قد يعجبك أيضًا: الشخصية الإسرائيلية

الأحداث الأخيرة

يدّعي الكثيرون استتباب الأمن والانسجام بين يهود إثيوبيا وبقية اليهود مستندين على أمثلة تشمل إقرار البرلمان الإسرائيلي في 2018 قانونًا يلزم المدارس بتعليم تقاليد اليهود الإثيوبيين، وتمويل الحكومة احتفالات القدس في سيجد –إجازة تقليدية ليهود اثيوبيا- جمعت عينة كبيرة من مجتمع بيتا إسرائيل بما فيه شباب يرتدون الأوشحة بألوان إثيوبية، ونساء يرتدين ملابس بيضاء تقليدية وجنود إسرائيليين يتحدثون باللغة الأمهرية، اللغة الرسمية الرئيسية لإثيوبيا.

لكن الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت هذه الفترة استنزفت الكيان الصهيوني، وذلك بعد أن قتل ضابط شرطة خارج الخدمة مراهق إسرائيلي إثيوبي غير مسلح يدعى سليمان تكاح، 19 عامًا، يوم الأحد 30/6/2019 بعد أن ارتدّت الرصاصة التي أطلقها على الأرض وأصابت المراهق بجروح قاتلة -حسب الرواية الإسرائيلية-. في حين أن الشرطي قد يكون متهمًا بارتكاب جريمة قتل غير متعمد بسبب الإهمال، فمن الواضح أن ذلك لا يكفي للجالية الإثيوبية المتضررة في المجتمع الإسرائيلي.

خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم وهتفوا قائلين “انهوا القتل وأوقفوا العنصرية” وقاموا بقلب السيارات وإحراق الإطارات وإغلاق 12 مفترق طرق رئيسي في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مدينة تل أبيب، مما أدى إلى اختناقات مرورية ضخمة وتصاعدت الاحتجاجات إلى درجة قيام الشرطة بإغلاق الطرق السريعة الهامة في بعض المناطق. كان هناك العديد من المظاهرات سلمية، لكن الكثير أيضًا اتخذ منعطفًا عنيفًا كان جليًا في مشاهد تم مشاركتها وتداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر إصابة عدد من ضباط الشرطة بجروح وتدمير سيارات شرطة في الشارع.

على الهامش، العنصرية المرفوضة بكل أشكالها ربما تقف هذه المرة لصالح الشعب الفلسطيني الذي يترقب مستجدات الأحداث أملًا في أي تغيير في مجرى الوضع الحالي على شكل حرب أهلية إسرائيلية أو ربيع عبري، يساهم ولو قليلًا في أن ينتزع أصحاب الأرض بلادهم من لمم الشعوب الصهيونية العنصرية.

المصادر 
Ethiopian Jews: Israel's second-class citizens?
Ethiopian Jews struggle in Israel 
Violent protests erupt in Israel over police shooting of unarmed Ethiopian teen
The plight of Ethiopian Jews in Israel
Ethiopian Jews in Israel still await the promised land

 

إعلان

فريق الإعداد

إعداد: أفنان أبو يحيى

تدقيق لغوي: آية حسني

اترك تعليقا