الصهيونية .. بين المسيحيّين اليمينيّين واليهود المتحرّرين

 تاريخ الصهيونية ونشأتها:

أُخِذ اسم هذه الحركة من تلّ صهيون؛ وهو أحد الجبال التي بنيت عليها مدينة القدس. وتعتَبرُ الصهيونية حركة يهوديّة استعماريّة سياسيّة نَمت في مدينة بازل في سويسرا عام 1897 بقيادة ثيودور هيرتزل. في البداية سعت هذه الحركة لتكوين الأغلبية اليهوديّة في فلسطين وإنشاء ولاية يهوديّة بأكبر قدر ممكن على أرض فلسطين، وقد نجحت في تحقيق وعد بلفور في الثاني من نوفمبر من عام 1917، والذي أعطى فلسطين لليهود كأرضٍ وطنيّة لهم.

وقد اتضحت البروتوكولات السرية لهذه الحركة مؤخرا. فقد بذلت هذه الحركة جهودًا حثيثة للسيطرة على الأحداث في العالم، عن طريق وسائل الإعلام والنقود والمرأة. حيث أنّهم قاموا بتأسيس مجموعات سياسيّة في أغلب الدول القويّة مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكيّة. وبعدها نجحت بأن أصبحت المؤثِّر الرئيسي على السياسة الأجنبيّة في هذه الدول، ومن ثمّ المؤثِّر على أغلب هذه الدول نفسها. وتقوم الدول الغربيّة بمواصلة الدفع لقرارات معقودة، في حين أن اليهود لم يكونوا راغبين بمثل هذه القرارات. فعلى سبيل المثال فإنّ ألمانيا لازالت تدفع النقود لإسرائيل من أجل المحرَقة التي حدثت لليهود خلال الحرب العالمية الثانية. 

الصهيونية المسيحيّة:

قضيّة أخرى في غاية الأهميّة فيما يتعلّق بالحركة الصهيونيّة هي الصهيونيّة المسيحيّة، حيث كتب ديفيد كروس: 

يُمكن تعريف الصهيونية المسيحيّة على أنّها الدّاعم المسيحيّ للمسبِّب الصهيونيّ وعودة اليهود لأرضِهم التوراتيّة في إسرائيل. وإنّه لإيمانٌ بين بعض المسيحيِّين بأنّ عودة اليهود إلى إسرائيل مرهونة بنبوّة الكتاب المقدّس. حيث أنه من الضروريّ عودة المسيح للأرض مَلِكًا لها. ويتمَُ حثُّ هؤلاء المسيحيِّين عن طريق الكتاب المقدَّس وكلمات الأنبياء، فهؤلاء المسيحيّون منقادون لدعم إسرائيل -لأنّهم يطمحون لإيفاء دَين الشكر لليهود على دعمهم للمسيح والأساسيّات الأخرى المتعلِّقة بإيمانهم- ولدعم الحليف السياسيّ، نسبة إلى ما كتبه ديفيد بروج في كتابه الوقوف مع إسرائيل” لماذا يدعم المسيحيّون الدولة اليهودية؟

ويُترجم الصهاينة المسيحيِّون التوراة والعهد الجديد على أنّهما أسفار نبويّة تَصف الأحداث المستقبليّة حول كيفيّة انتهاء هذا العالم في يوم ما بعودة المسيح من الجنّة حاكمًا للأرض. إنّ إسرائيل وشعبها يُركِّزان على رُؤاهم، حيث يقومون بترجمة أسفار كتب خرفيال ودانييل وأشعياء كإنذار للفترة المسيحيّة القادمة. وقد تمّت قراءة العهد الجديد من قبل العديد من المسيحيِّين كأسفار نبويّة تدور حول كيفية انتهاء العالم في الأيام الأخيرة. 

إنّ الدعم المسيحي لإسرائيل ليس تطورًا حديثًا، وإنّما له جذور سياسيّة تعود لعام 1880، عندما قام رجلٌ يسمى ويليم هيتشلر بإجبار الصهاينة المسيحيِّين على مساعدة اللّاجئين من اليهود الروس للّجُوء إلى فلسطين بعد سلسلة من المذابح. حيث كتب هيتشلر في عام 1884 نشرة بعنوان “عودة اليهود إلى فلسطين اعتمادًا على الأنبياء”. وبعد سنوات قليلة، تصادق هيتشلر مع ثيودور هيرتزل بعد قراءته لكتاب هيرتزل ” الولاية اليهوديّة ” وانضمّ لحشد الدّعم للحركة الصهيونيّة، حيث قام هيتشلر بعقد مقابلة بين هيرتزل والقيصر ويلهلم الثاني لمناقشة مقترح هيرتزل بإنشاء ولاية يهوديّة في فلسطين. و قد ظل كلاهما أصدقاء مقرّبين حتى موت هيرتزل عام 1904. 

إعلان

التأسيس في الولايات المتحدة الأمريكية للأغلبيّة الأخلاقيّة:

“الأغلبية الأخلاقية” مهمّة في تاريخ الصهيونية المسيحيّة منذ عام 1979، أي ما يقارب القرن بعد أن عرض ويليام هيتشلر على هيرتل لحشد الدّعم المسيحيّ للولايات اليهودية. حيث بدأَ التأسيس من قبل الكاهن جيري فولويل، وقد تمّ تشكيل الأغلبيّة الأخلاقيّة عن طريق أعمال اللّجان المسيحيّة السياسيّة المتحفّظة والتي نجحت بجمع الأشخاص ذوي التفكير المشابه لهم، حتّى يقوموا بالتسجيل وذلك للتصويت للمشاركين المتحفظين. وبما يقارب 6 ملايين عضو، تشكّلت كتلة تصويت قويّة خلال عام 1980، وتم تشريفها بإعطاء مرشّح الرئاسة رونالد ريجان الأفضلية الفائزة في انتخابات عام 1980. وكان أحد أهم القوانين التأسيسيّة الأربعة للأغلبية الأخلاقيّة هو قانون “ادعم إسرائيل واليهود في كلِّ مكان”. 

أظهرَ الصهاينة المسيحيِّون أنّهم أصدقاء أوفياء لإسرائيل خلال عملهم التطوعيّ والدّعم السياسيّ والاقتصاديّ لها. حيث أنّهم قاموا بدفع مبالغ طائلة من الأموال لدعم إسرائيل، بما في ذلك الأعمال التطوعيّة التي تَدفع تكاليف نقل اليهود من الاتحاد السوفيتي وأثيوبيا إلى إسرائيل. فعلى سبيل المثال، قام باستر جون هاجي بإنفاق ما يزيد عن 407 مليون دولار للولاية اليهوديّة، وقد تبرّعت شبكات الإذاعة المسيحيّة الخاصّة بـبات روبنسن بمئات الألوف من الدولارات لمساعدة اليهود الفقراء حول العالم للعودة إلى إسرائيل.

يقول الصهاينة المسيحيِّون بأنّ اليهود ليس لديهم أيّ سبب لتخوين دافعهم في دعم إسرائيل وذلك لأنّهم لا يؤمنون بقدرتهم على تسريع قُدوم المسيح للمرّة الثانية. فقد كُتب في إنجيل متّى بأنّ المسيح تحدّث عن عودته “إلّا أنّ في ذلك اليوم وتلك الساعة لا أحد يعرفها ولا حتى ملائكة الجنّة إلّا أبي فقط”. 

لم يُبد اليهود أي ارتياح للصهيونيّة المسيحيّة وذلك لأنّ أغلبهم لديه اهتمامات سياسيّة مغايرة، بالإضافة إلى دعمهم لإسرائيل. حيث أنّ أغلبية اليهود الأمريكيِّين متحرّرون سياسيًّا واجتماعيًّا، والصهاينة المسيحيِّين -ككل- جمهوريِّين ومحافظين سياسيًّا. فعلى سبيل المثال، يرفضون الإجهاض وزواج المثليِّين ويدعمون الصلاة في المدارس العامة. ومعظم اليهود قلقون بشأن ما يرونه من جهود المسيحيِّين اليمينيّين في إضعاف عمليّات الفصل بين الكنيسة والدولة. فقد أعلن مدير حلف مكافحة التشهير آب فوكسمان بأنّه إذا تمّ تطبيق جدول الإعمال المحلي لليمين المسيحيّ فإنّه سوف يتم تحويل اليهود الأمريكيِّين إلى مواطني الطّبقة الثانية في دولتنا.

إنّ الصهاينة المسيحيّين متحفّظون جدًا بشأن إسرائيل أكثر من العديد من اليهود، حيث أنّهم يفضّلون أن تقوم إسرائيل بإبقاء جميع مستوطناتها في الضفة الغربيّة، ويعارضون فكّ الارتباط الإسرائيليّ من قطاع غزة. وقد انتقد بعض الصهاينة المسيحيِّين البارزين سياسة الحكومة الإسرائيلية بشدّة، والتي تعطي أجزاء من إسرائيل للفلسطينيِّين. إنّ الصهاينة المسيحيِّون -كأتباع اليمين الإسرائيليّ- يُؤمنون بأنّ إسرائيل يجب ألّا تتنازل عن أي جزء منها للفلسطينيِّين، وذلك لأنّ إسرائيل ممنوحة لليهود من عند الله. إن رئيس الوزراء الأسبق إيريل شارون قام بتطبيق خطّة فك الارتباط من قطاع غزة، وبعد ذلك بعدّة أشهر وقع مريضًا. وقد ادّعى بات روبنسون بأنّ مرض شارون هو عقوبة إلهيّة. وذلك لإعطائه جزءًا من إسرائيل التوراتيّة لغيرِ أهلها. و عندما سُئِل عن خطة رئيس الوزراء إيهاد أولمرت في إخلاء المستوطنات في الضفة الغربيّة، قال روبنسون: “أنّها كارثة مطلقة .. لا أعتقد أنّ الله القدوس سيكون سعيد بمن يتنازل عن أرضه”.

وإنّه لمن الضروري ذِكر الموقف الإسلامي من قول اليهود بأنّهم “شعب الله المختار”. لقد كان شعب الله المختار لفترة معيّنة (خلال تلك الفترة من التاريخ)، إلّا أنّهم قاموا بمخالفة القوانين الإلهية، وعليه عاقبهم الله. وكما يزعمون بأنّ فلسطين هي “أرضهم التوراتيّة”، ففي الأيام الأولى للصهيونيّة، كانت هناك بلاد أخرى تحت الاقتراح لتكون أرضٌ لهم، مثل أفريقيا، إلّا أنّه وبالنهاية تم اختيار فلسطين. إضافة إلى ذلك يجب علينا التوضيح بأنّ المسلمين يؤمنون بأنّ المسيح عيسى – عليه السلام – سوف يعود في الأيام الأخيرة من هذا العالم، كعلامة من علامات الآخرة. 

نهايةً،  ولنَفيِ الاقتباس الأخير لبات روبنسون، أودُّ اقتباس بعض من الآيات القرآنيّة: 

(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) – آل عمران

(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) – آل عمران

إعلان

مصدر مصدر الترجمة
فريق الإعداد

إعداد: بيلسان زينة

تدقيق لغوي: فاطمة الملّاح

اترك تعليقا