كيف تنتج أدمغتنا تجربة واعية؟ “مدخل لفهم طبيعة الوعي 3”

عرفنا الوعي على أنه إنتاج الدماغ لتجربة ذاتية يكون فيها الشخص مدركا لذاته ضمن زمان ومكان، بغض النظر إن كان هذا الوعي مشوه أم سليم راجعوا الجزء الماضي من هنا 

والسؤال الآن كيف يمكن للدماغ أن ينتج لنا تجربة ذاتية واعية ؟

بداية هل كل تجاربنا واعية ؟ … حتما لا فأنت لاتعي غالبية مايحدث في حياتك ، الحقيقة أن الوعي لدينا هو الاستثناء وليس القاعدة ويقال أننا نعي بنسبة 5% فقط ونعيش أكثر من 90% من حياتنا بأسلوب لا واعي ، رغم عدم وثوقي بالأرقام هذه، ولكن ماهو مؤكد أننا فعلا لا نعي معظم ما في حياتنا ، أنت حتى لا تعي ما الذي يحدث بدماغك من عمليات حتى تستطيع قراءة هذا الكلام … وقص على هذا .

في إحدى التجارب على التركيز كان مطلوب من المتطوعين أن يحصوا أشياء محددة ستعرض عليهم داخل مقاطع فيديو ، وفعلا بدأ الإختبار واحصوا تلك الأشياء، وكانت أدمغتهم تسجل كل الإشارات التي تأتي من الفيديو، ولكن الغريب أن المتطوعين وعند اختبارهم فيما شاهدوه تبين أنهم غير واعيين على ما كان بداخل الفيديو إلا تلك الأشياء التي احصوها ، رغم أن أدمغتهم تفاعلت مع باقي الأمور .

في تجربة أخرى وكانت على المسرح طلب من المتطوعين أن يركزوا على حركات معينة سيقوم بها بهلوانيون وأن يحصوها، وفعلا احصوها. ولكنهم لم يلاحظو وكانوا غير مدركين أنه ثمت غوريلا تتمشى على المسرح أمام أعينهم .

إعلان

مالذي نستنتجه من أن أدمغتنا تسجل كل الإشارات الواردة لها وتعتبرها تجربة، ولكن ليست كلها تجارب واعية ؟
وهل كل التجارب تكون لا واعية ومن ثم بطريقة ما تصبح واعية أم أن هناك تجارب في طبيعتها تكون واعية من الأساس ؟.

هناك دراسة غريبة جدا ومفصلية قام بها عالم الأعصاب بنيامين ليبيت في منصف القرن الماضي ، من المعروف أن للجسد خريطة له على الدماغ ، عندما المس أنا يدك سوف تتنشط خلايا دماغك التي عليها خريطة يدك فستشعر أنت باللمسة وستكون واعيا عليها والعكس صحيح فإن تحفيز خلايا دماغك المسؤولة عن الشعور بيدك سوف يشعرك حقيقة بأنك تعرضت للمس ، بنيامين كان يريد أن يعرف الوقت الذي ستشعر فيه بلمس يدك أي الوقت الذي سوف يكون فيه اللمس تجربة واعية عندك ، يعني أنا لمست يدك فستتنشط خلايا دماغك فهل ستعي أنت اللمسة عند لمس يدك مباشرة أم بعد أن يتنشط دماغك ؟

قد يقال أن البديهي هو أن تعي أنت اللمسة قبل وصول السيالة العصبية لدماغك لأن مستقبلات الحس في اليد ستنقل هذا الشعور للدماغ إذا فالحس أو الشعور تشكل المفروض قبل أن يصل للدماغ، وقول آخرون، لا طبعا لأن الدماغ هو المسؤول عن الحس وستعي التحربة عند توهج خلايا دماغك المسؤولة عنها .

طبعا الاقتراح الثاني هو الأقرب للصواب ، إن لم تصل لدماغك أولا يستحيل أن تعيها، ولكن النتيجة كانت رهيبة أكثر من هذا حيث أن دماغك يتوهج أولا ويشعر بالتجربة قبل أن تعيها بنصف ثانية كاملة …

وهذه نتيجة خطيرة حيث أنها تعني أن السيالة وصلت وأنت لست واعي بعد، بل الوعي أتى متأخرا بنصف ثانية ، أي إذا الدماغ استقبل الإشارة وفهمها ثم شكل وعيا لها حتى أدركناها بشكل واعي …

واتى ليؤكد هذه النتيجة عندما اختبر تحفيز الخلايا العصبية بأطوال موجات مختلفة، ووجد أن تحفيز الدماغ بعد اللمسة بأكثر من نصف ثانية، فلن يؤثر هذا على الوعي ، أي أنه لمس يدك وبعد نصف ثانية حفز خلاياك التصبية المسؤولة عنها في دماغك، فأنت ستكون واعيا على لمسة يده وتشعر بها بشكل طبيعي، ولكن إن لمس يدك وحفز تلك الخلايا بعد اقل من نصف ثانية على اللمسة فلن تكن واعيا على التجربة، ولن تشعر بأي شيئ.
وأتت عدة دراسات أخرى تؤكد هذة النتيجة .

في تجربة أخرى لاختبار كيفية إتخاذ القرارات وكان مطلوب من المتطوعين الإجابة على أسئلة بضغط زر أحمر أو أصفر بحسب الإجابة ، وتبين أن المرء يستجيب دماغه للإجابة قبل مدة تمتد من نصف ثانية إلى 7 ثواني كاملة من إدراكه للجواب وكبس أحد الزرين، أي أن الدماغ يتخذ القرار قبل أن يدركه بنصف ثانية على أقل تقدير، أي أن التجارب في أدمغتنا تحتاج لنصف ثانية لتتحول إلى تجارب واعية .

وبالتالي ليست كل تجاربنا واعية بل الوعي يتشكل بعد التجربة

هذا قد يوضح لنا بعض الشيئ ماذا تعني تجربة واعية ، ولكن الوعي ليس فقط تجربة واعية بل تجربة ذاتية تكون أنت فيها واعيا لذاتك ضمن هذة التجربة .

ماذا يعني أن تكون واعي لذاتك ؟ وهل وعينا الذاتي حقا هو مايميزنا عن باقي الحيوانات ؟ السؤالين مرتبطين ببعض سأضرب أمثلة لتوضيح هذا .. أن تكون واعي على ذاتك يعني أنك قادر على أن تتعرف على نفسك وتدرك أن لك كيان .

نحن بحاجة للأثنين معا حتى يكون لنا وعي ذاتي ، فكونك تدرك وجود كيان لك، ولكنك غير قادر على التعرف على ذاتك، فأنت ليس عندك وعي بذاتك، وإن كنت قادر على أن تعرف ذاتك، ولكنك لاتدرك أي كيان لك إذا أنت عبارة عن فكرة، ولكنك غير موجود بالنسبة لنفسك، فانت بحاجة للأثنين معا حتى يكون لك وعي ذاتي .

الان لنحضر قطة ونضعها أمام مرآة وأظن أن كثيرا منا فعل هذا ، القطة سوف تزمجر على المراة وتهاجمها فواضح أنها لاتعي ذاتها ، هي تعرف أن لها كيان فوقوعها بفخ أو هجوم كلب عليها ستدرك هي فورا أنها بخطر وعليها النجاه، وهي قادرة على التعرف على صاحبها مثلا أو أولادها، ولكنها لاتعي أن لهم ذوات بل هم كيان فقط بالنسبة لها، ولكنها لاتستطيع هي تخمين ماقد يكون صاحبها يفكر به، ليس لأنها غبية بل هي لاتعي هذا من أصله، هذا بالنسبة لمعظم الثديات ذات الأدمغة القريبة لادمغتنا ، ولكن هذا لم ينطبق على أبناء عمومتنا الرئيسات العليا ( بالمناسبة نحن لم نتطور من الرئيسات العليا بل نحن رئيسات عليا ).

حيث أنهم يدركون ذواتهم أي لديهم وعي ذاتي رغم أن الغوريلات لم تظهر هذا الوعي في اختبار المرآة إلا بعد تدريب، ولكن الاورانجوتان والتشيمبانزي كان وعيهم بذواتهم واضح، وبعض التشيمبانزيات تعلموا لغة الاشارة الأمريكية وهناك الغوريلا كوكو التي عاشت مع البشر وتعلمت لغة اشارتهم، وعندما نقول لغة أي أنهم قادرين على أن يعبروا على ذواتهم ومكنوناتها ، ويستطيع التعبير عن ذاته إلا إذا كان واعيا عليها من الأساس ؟

ولكن هل هم واعيين بدرجة وعينا نحن ؟ إلى الأن لا أحد يستطيع لا أن يجزم ولا أن يبت بهذا لأنه لا طريقة متوفرة لقياس درجة الوعي … مازال باكرا على هذا ، علينا أن نحرز تقدمات أكبر في دراسة الوعي بحد ذاته أولا .

في هذ الجزء تناولنا متى تكون التجربة واعية؟ ومتى تكون لاواعية؟ ومتى تتحول من لاواعية إلى واعية ، وتناولنا معنا أن يكون لك وعي ذاتي ….

ويبقى السؤال دائما وكيف تشكل هذا الوعي وكيف ينشأ وكيف هذة النبضة الكهربائية تنتج لنا وعيا ؟
سنحاول في الأجزاء القادمة الاقتراب من الجواب بدراسة ماذا ينتج عن نشاط الدماغ كترجمة للواقع والذاكرة …الخ

في حالة أعجبك المقال، ربما ستعجبك مقالات أخرى للكاتب، نرشح لك

كيف يمكنك التحكم بالأحلام، دراسة تخبرنا كل ما تريد معرفته

هل محتم علينا أن نكون ما نحن عليه ؟ “الجينات والسلوك 4”

هل يمثل المريخ موطناً جديداً للبشر أم صورة لمستقبل الأرض ؟

إعلان

اترك تعليقا