النّاطوري كارتا ويهود الفلاشا “انهيار إسرائيل من الدّاخل” الجزء الأول
هل تتحقّق نبوءة المسيري؟
نحاول معا في هذا المقال بمراجعة لكتاب “انهيار إسرائيل من الدّاخل” دراسة المجتمع الإسرائيلي ومعرفة كيف نشأ، ومدى تجانُسه، وهل هو فعلًا مجتمَع يهودي يحافظ على يهوديّته، وهل نجحت الصّهيونيّة في تعريف اليهودي؟ وغيرها من الأسئلة التي تُلقي الضوء على هذا الكيان الدّخيل المُغتَصِب. ومن خلال ذلك سوف نعرف كيف نقاومه. وسوف نقوم بتغطية الموضوع في جزأين لعرض الأفكار بدون إخلال.
نشأة دولة إسرائيل (تَقابُل المصالح):
بدأت طفرة سكانية بين اليهود بعد مؤتمر فيينا عام 1815م، حتى بلغ عددهم عشيّة الحرب العالمية الثانية 16724000 نسمة. وبغضّ النّظر عن أسباب الزّيادة نجد أنّ معظمَهم كانوا يتمركزون في شرق أوروبا، خاصة بولندا/روسيا. وقد تزامنت هذه الطّفرة السّكانية مع تعثُّر التّحديث في روسيا القيصرية، ممّا جعل الاقتصاد الروسي غير قادر على استيعاب الأعداد المتزايدة من أعضاء الجماعات اليهودية. ممّا أدَّى إلى ظهور جو مُعادٍ لليهود داخل روسيا ومُلائِم لظهور الصّهيونيّة، التي تطالب بتخليص أوروبا من اليهود. في هذه الأجواء بدأت جحافل اليهود تهاجر إلى بلاد أوروبا الوسطى والغربية. وقد أدَّى تزايد عدد اليهود إلى تفاقُم المسألة في البلاد التي كانوا يهاجرون إليها (باستثناء البلاد الاستيطانية مثل الولايات المتحدة وكندا وأمريكا اللاتينية نظرا لحاجتها لمادة استيطانية). ولعلّ حالتَي النمسا وإنجلترا (باعتبارهما مهدًا لفكرة الصّهيونيّة ووعد بلفور على التّوالي) تصلحان كمثال على ما نقول.
النِّمسا ونشأة الصّهيونيّة (ظهور هرتزل) :
في عام 1846م كان عدد يهود فيينا (الّتي كان يقطن فيها هرتزل مؤسس الصّهيونيّة) 3739 يهوديًّا فقط لا غير. وصل عددهم إلى 15 ألفًا عام 1854م، وبلغ 201513 نسمة عام 1923م. ولا شك في أنّ وجود مثل هذه الكتلة البشرية الغريبة وبهذا الشكل المفاجئ يجعل الكثير من أعضاء الأغلبية يتصوّرون –صدقا أو كذبا– أنّ هذه الكتلة هي مصدر البطالة وكثير من الأمراض الاجتماعية، وأنّها تهدد الأمن الاجتماعي، ممّا وَلَّد موقِفًا مُعاديًا لليهود ورغبةً في التخلص منهم باعتبارهم فائضًا بشريًّا غير مُنتِج وغير مُنتَمٍ. وفي هذا المناخ ظهر هرتزل، الصّحفي النّمساوي المُندمِج تمامّا في مجتمعه، ومؤسِّس الفكر الصّهيوني الذي تبنّاه كثيرٌ من اليهود المندمجين في بلاد وسط أوروبا وغربها، باعتباره دفاعًا عن أنفسهم وعن مواقعهم الطّبقية ومكانتهم الاجتماعية التي كان يُهدِّدها هؤلاء المهاجرون من يهود اليديشية، والّذين كانوا يحملون معهم عقلية جيتوية وشعورًا عميقًا بعدم الاطمئنان، دون أن تكون لديهم الخبرات اللازمة للاندماج في مجتمعاتهم الجديدة.
إنجلترا ووعد بلفور:
يمكننا الآن أن نتناول الوضع في إنجلترا. كان في إنجلترا عام 1835م حوالي 25 ألف يهودي فقط لا غير، وصل عددهم 242 ألفًا عام 1910م. أدَّى تواجدهم بهذه الأعداد الضّخمة إلى ازدياد البطالة وازدحام المدن وانتشار الجريمة. ولذا ظهرت توتّرات شديدة لا بينهم وبين المجتمع الإنجليزي وحسب، وإنما بينهم كوافدين (من الأشكناز) وبين اليهود الأصليّين (وكان معظمهم من السفارد). وكان هذا الفريق الأخير يشعر بأن الوافدين يهدرون ما حققوا من مكاسب اجتماعية وطبقية.
في هذا الجو، شُكِّلت لجنة خاصة لمناقشة هجرة يهود شرق أوروبا، وقدّمت حكومة بلفور -الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك- مشروع قانون عام 1902م يُسمَّى “قانون الغُرَباء” الذي وُوفِق عليه عام 1905م للحدّ من الهجرة.
وفي هذا الإطار، طُرحت الفكرة الصّهيونيّة، فعارضها اليهود الإنجليز وأيّدها يهود اليديشية. وزار هتلر إنجلترا لأول مرة عام 1895م وألقى خطبة في حي “إيست إند” عن موضوع الهجرة. ثم عُقِد المؤتمر الصّهيوني الرابع عام 1900م في لندن. وحيث إنّ يهود إنجلترا الأصليين كانوا من كبار ُمعارضي المشروع الصّهيوني، توجّه هرتزل أساسًا إلى يهود اليديشية . وفي عام 192م نجح أحد أصدقاء هرتزل في دعوته للمثول أمام اللجنة الملكية، حيث قدّم حلًا صهيونيًا مُفاده تحويل الهجرة من إنجلترا إلى أية بقعة أخرى خارج أوروبا، وإنطلاقا من هذا، عرض مشروع شرق أفريقيا، ثم صدر وعد بلفور، أهم حدث في تاريخ الصّهيونيّة الذي جاء انتصارًا للمنظّمة الصّهيونيّة على يهود إنجلترا، وللفكر الصّهيوني على يهود العالم.
هل اليهود كتلة بشرية مُتجانِسَة؟ (مقارنة بين يهود الولايات المتحدة والفلاشا) :
تمّ تعريف اليهودي بطريقة عقائديّة (الذي يؤمن باليهوديّة)، ولكن تمّ أيضًا تعريفه بطريقة عرقيّة (اليهودي هو من يُولَد لأُمٍ يهوديّةٍ). وينقسم أعضاء الجماعات اليهوديّة إلى عدّة أقسام أساسيّة: إشكناز وسفارد ويهود البلاد الإسلاميّة. ولكن إلى جانب ذلك توجد جماعات يهوديّة هامشيّة لا حصر لها. فهناك -على سبيل المِثال لا الحصر- السّامريون الذين لا يؤمنون بمجيء الماشيح، وهناك أيضًا القراؤون الّذين تمرّدوا على التّلمود (بتأثير الفكر المُعتَزَلي الإسلامي)، وهناك بقايا كايفنج في الصين وهم لا يعرفون التّلمود ولا التّوراة ويأكلون الخنزير ويمكن أن نشير إلى يهوديّتهم بأنّها كونفوشيوسيّة (تماما مثلما نجد أنّ يهوديّة بني إسرائيل في الهند هندوكيّة). وبدلًا من الدّخول في تفصيلات لا حصر لها يمكن أن نقارن بين عيّنتين إحداهما مركزيّة وتضم يهود الولايات المتحدة الذين يشكّلون أكبر تجمُّع يهودي في العالم والأخرى هامشيّة وتضم يهود الفلاشا الذين يشكّلون تجمُّعًا صغيرًا ومُنعزِلًا.
ينتمي يهود الولايات المتحدة بالدرجة الأولى إلى الجنس الأبيض وأغلبيتهم السّاحقة من أصل إشكنازي (ألماني/روسي/بولندي) وتوجد قلة من السفارد والقرانين والكرمشاكي (يبدو أنّهم بقايا يهود الخزر). وهناك بعض الأمريكيين السود الذين يُدعَون “العبرانيين السود” يدَّعون أنّهم العبرانيّون الحقيقيّون، ومن ثَمّ يرون أنهم هم وحدهم أصحاب الحق في استرداد إسرائيل والاستيطان فيها وحكمها. وبطبيعة الحال فإن إسرائيل والمؤسسات الحاخامية لا تعترف بأمثال هؤلاء، لذا فهم يُشكِّلون أقلية منبوذة داخل كل من الدولة الصّهيونيّة والجماعة اليهوديّة في الولايات المتحدة.
ومن النّاحية الدّينية ينقسم يهود الولايات المتحدة إلى قسمين أساسيّين: يهود إثنيّين لا أَدْرِيّين ويهود متديّنين. واليهود المتديّنون ينقسمون بدورهم إلى إصلاحيّين ومحافظين وتجديديّين وأرثوذكس. واليهود الدينيّون في الولايات المتحدة يتعبّدون في المعبد اليهودي (السيناجوج) ويَرْأَسهم حاخام ولا يقيمون معظم الشّعائر، ولا يكترثون بالطّعام الشّرعي أو بشعائر السّبت والطّهارة.
أمّا يهود الفلاشا فهم يهود إثيوبيا، وملامحهم لا تختلف عن ملامح بعض قبائل أو أقوام إثيوبيا. وهناك جماعة الفلاشا موراه، وهي جماعة مسيحيّة شِبه يهوديّة منبوذة من الفلاشا كانت قد تنصّرت منذ قرنين من الزمان.
أما من الناحية الدينيّة فهُم أساسًا خارج نطاق اليهوديّة الحاخاميّة، ولا يَعرِفون التلمود، وتختلف بعض شعائرهم عن شعائر اليهوديّة الحاخاميّة. فهُم يقيمون شعائرهم كلَّها (وقد صُدِمُوا حينما هاجروا إلى إسرائيل بسبب انصراف أعضاء الدولة اليهودية عن الشعائر.). وهم يعرفون نظام الرّهبنة ويُصَلّون في معبد يهودي يُسَمَّى المسجد ويخلعون نعالهم قبل دخوله! (هل يمكن اعتبارهم يهودًا أساسًا؟).
جماعةٌ من هاتَيْن الجماعتين –في حالة يهود أمريكا– خطابها الحضاري وفلكلورها ينبعان من محيطها الحضاري الحالي (أمريكا) أو من محيطها الحضاري السّابق (روسيا/بولندا/إنجلترا)، أمّا في حالة يهود الفلاشا، فينبعان كلّاهما من محيطها الحضاري الإثيوبي الإفريقي. وفي حين أن اليهودي الأمريكي يرتدي البنطال “الجينز” ويأكل “الهامبرجر” ويرقص “الدّيسكو” ويعيش في منزل عصري، وقد يُطَعِّم حديثه ببعض الكلمات اليديشية، كما يحتفظ بالأزياء التي كانوا يرتدونها في شرق أوروبا، فإن يهودي الفلاشا يرتدي شالًا لا يختلف عمّا يرتديه مَنْ حوله من أبناء إثيوبيا، وهو يأكل طعامهم، ويرقص الرّقصات المعروفة في منطقته، ويعيش في كوخ مُغطَّى بالحطب. والوضع الاجتماعي ليهود أمريكا (نسبة الطلاق – الوظائف – المِهَن) ورؤيتهم للكون يختلفان تمامًا عن وضع الفلاشا ورؤيتهم. ولهذا كله؛ نجد أنّ مُصطلَح “يهودي” مُصطلَح عامٌّ للغاية، وليس كما يُرَوِّجون بأنهم متجانسون، والمُصطلَح مَقدِرَته التّفسيريّة والتّصنيفية ضعيفةٌ وإن لم تكن مُعدَمَة بسبب عموميّته وإطلاقه. ولعلّ عدم تحدُّد مُصطلَح “يهودي” يظهر في عبارة تستخدمها الإحصاءات اليهوديّة لتشير إلى مجموعة من الناس يُصَنَّفون على أنّهم “يهودٌ بشكلٍ ما (بالإنجليزية: Jewish somehow)” وهي عبارة خالية من المعنى، تَدلُّ على مدى الإخفاق في تعريف اليهودي.
النّاطوري كارتا والاعتراض على إعلان دولة إسرائيل:
النّاطوري كارتا، هي عبارة أراميّة تعني “نواطير المدينة” أي حُرّاس المدينة. والمدينة هي القدس، باعتبارها رمزًا لأرض صهيون (بالمعنى الدّيني). هذه الجماعة ترى أنّ الصّهيونيّة مؤامرة شيطانيّة ضد اليهوديّة واليهود. وأنّ الصّهيونيّة تقوم بتطويع العقيدة اليهوديّة لخدمة المآرِب العلمانيّة الصّهيونيّة. وجماعة ناطوري كارتا تُمَثِّل أقليّة صغيرة للغاية، ومع هذا ينبغي أن نشير إلى أنّ موقف النّاطوري كارتا كان هو الموقف اليهودي الأرثوذكسي قبل “صهينة اليهودية” وقبل مُصادَرَتها لحساب الرؤية الصّهيونيّة. وتَعتبِر جماعة النّاطوري كارتا يوم استقلال إسرائيل يوم صوم وحداد، ويحرقون فيه علم إسرائيل. وذلك لأنّ إتباع هذه الجماعة يُركِّز على الأدب الحاخامي والذي ينص على أنّه وبسبب خطايا اليهود تمّ طردهم من أرض إسرائيل، كما أنهم يعتبرون –بناءًا على التلمود البابلي- بأنّ أي محاولة لاسترداد أرض إسرائيل بالقوة هي مخالفة للإرادة الإلهيّة، ويعتقدون بأنّ إعادة “دولة” إسرائيل ستتم فقط عندما يأتي المسيح.
استمرت مُعارَضَتهم لدولة إسرائيل والصّهيونيّة تحت قيادة حاخامهم “أفرام بلو”، وترفض هذه الطّائفة دفع الضّرائب لأنهم لا يعترفون أصلًا بدولة إسرائيل. ووصل الأمر بهذه الطّائفة إلى أنهم لا يقبلون لمس أي عملة ورقيّة أو نقديّة تحمل صور وشعارات الصّهيونيّة. لا يقترب أعضاء هذه الطّائفة من حائط البُرَاق حيث يعتقدون بأنّه تمّ تدنيسه من قِبَل الصّهاينة. كما أنّهم يرفضون تمامًا التّجنيد في الجيش الإسرائيلي وهذا يُسبِّب حَرجًا داخل إسرائيل كما سنرى بعد ذلك.
الهولوكوست الصامت والأساطير المؤسِّسة لدولة إسرائيل:
بُنيت إسرائيل على عِدّة أساطير استخدمتها الحركة الصّهيونيّة لتبرير احتلالهم لفلسطين. ومنها ما يُسمَّى ب”الشعب اليهودي” الذي يَدَّعي الصّهاينة أنّه في شوق دائم للعودة إلى أرض الميعاد، ومنها “المنفى” و”الشّتات” و”الشّوق الأزلي لأرض الميعاد” ومنها “شعبٌ بلا أرض”. فتعالوا ننظر نظرة لواقع اليهود في العالم من خلال الأرقام لنعرف مدى صحة أو جديّة هذه الأساطير.
نجد من خلال الأرقام أنّ غالبيّة ما يُسَمَّى ب”الشّعب اليهودي” يعيش في “المنفى” بكامل إرادته ولا يوجد سوى 37% منه في إسرائيل. ممّا يعني أنّ المنفى ليس بمنفى وأنّ الشّعب ليس بشعب وأن الشّتات ليس بشتات، وأنّ كل ما هنالك هو أقليّات يهوديّة وجد أعضاؤها أن حياتهم في أرجاء العالم تتيح لهم فرصًا حقيقيّة للحياة الإنسانيّة الكريمة وأنّ الشّعار الصّهيوني “شعبٌ بلا أرض” لا أساس له من الصِّحَّة، لأنّ أعضاء الجماعات اليهوديّة المُنتشِرة (لا المنفيَّة) في أنحاء العالم لا تبحث عن أرضٍ أو وطنٍ، وإنّما تندمج في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها. ومن الطّريف أنّ دكتور “يعقوب إلياف” مدير مركز الهوية اليهوديّة قد حَذّر من اندماج اليهودي في مجتمعاتهم. ولذا تُصِر جامعة “بار إيلان” على ضرورة عقد مؤتمر دولي حول موضوع الاندماج. فهي تَجِد خطرًا من مظاهر الاستقرار والاندماج مثل تصاعد معدّلات الزّواج المُختَلَط مع أبناء مجتمع الأغلبيّة. ويؤدّي هذا إلى الانصهار والاختفاء الذي بلغ ذروته في ألمانيا وأوكرانيا (%75).
ويُسَمِّى الصّهاينة الزّواج المُختَلَط “الهولوكوست الصّامت” أي الإبادة الصّامتة لليهود. وهي تسمية أيديولوجيّة كريهة ومضلِّلة، تشير الإحصاءات إلى أنّ عدد يهود غرب أوروبا أصبح أكثر من عدد يهود شرق أوروبا لأول مرة في التّاريخ الحديث وهذه مسألة ذات أهمية قصوى. فنرى الآن أنّه توجد صهيونيّتان لا صهيونيّة واحدة: الأولى هي اليهوديّة الاستيطانيّة وهي أنْ يترك اليهودي بلده ويذهب لفلسطين، أمّا الثانية فهي الصّهيونيّة التّوطينيّة وهي أنْ يكتفي اليهودي الذي يُسَمِّي نفسه صهيونيًّا بأن يعطي الدعم المالي والسياسي للمنظمة الصّهيونيّة لتوطين يهود آخرين.
نجد من ناحية أخرى أن ليس الدافع دائمًا لهجرة اليهود لفلسطين هو الشوق الأزلي لصهيون كما يدّعون، فنجد أنّه في الفترة من 1932م إلى 1944م بلغ أعلى رقم لأفواج المهاجرين. وهذا لا يعود إلى الشوق الأزلي إيّاه، وإنّما إلى وصول هتلر إلى السّلطة، ولذا قال أحدهم «إذا كان “هرتزل” هو “ماركس” الحركة الصّهيونيّة -أي مُنَظِّرها- فإنّ “هتلر” هو “لينين” الصّهيونيّة -أي مَنْ وضعها موضع التنفيذ.»، ونفس النمط يستمرّ بعد إعلان الدّولة، فالهجرة لم تتم إلّا في القليل النّادر لأسباب أيديولوجيّة. فيهود البلاد العربيّة لم يهاجروا حُبًّا في صهيون وإنّما بحثًا عن الحِراك الاجتماعي، ولذا نجد أنّ الأثرياء بينهم وذوي الخبرات الخاصّة هاجروا إلى أوروبا. كما هاجر يهود الجزائر إلى فرنسا لأنهم يحملون الجنسيّة الفرنسيّة.
وغير ذلك كثير من الأخبار التي تشير إلى عدم الشّوق الأزلي لصهيون كما يَدَّعون، بل أنّ الهجرة تكون لأسبابٍ أُخرى. بل أنّ كثيرًا من الصّهاينة القادمين من الاتحاد السوفييتّي هم مُرتَزَقَة ليست لهم علاقة كبيرة باليهودية. وقد جاء في “صحيفة هاآرتس” (1/1/2001) أنّ حوالي 225 ألفًا من المهاجرين الروس الجُدد (أي حوالي %25) من الذين سُجِّلوا كيهود ليسوا يهودًا. وتقوم المؤسَّسة الأشكنازيّة الغربيّة الحاكمة في إسرائيل بتيسير الأمور لهم. ولذا تَعْقُد لهم امتحانات صوريّة في اليهودية يَسْهُل عليهم اجتيازها حتى يمكن اعتبارهم يهودًا، وهذا يعود لأسباب لا علاقة لها بالصّهيونيّة، وإنّما بتعديل الميزان الديموغرافي (السُّكّاني) لصالح الأشكناز في مقابل السفارد، واليهود العلمانيّين في مقابل الأرثوذكس، واليهود ككل في مقابل العرب.